Voice of Preaching the Gospel

vopg

"تُرى كم منْ شخصٍ موجودٍ بينَنا في هذا المكان قد تأثَّر بحريق Altadena أي المنطقة المحيطة بكنيستنا في باسادينا

في جنوب كاليفورنيا؟ أرجو أن تقفوا من فضلكم." هذا ما فاه به القس راعي الكنيسة ماثيو جون. فوقف عند ذاك ثلاثةٌ وسبعونَ شخصًا من بين الحضور البالغ عددهم أكثر من ألفِ عابدٍ. وتعجَّب الحاضرون من فظاعةِ هذا الحدث الجسيم الذي أصاب إخوتهم حتى فقدوا منازلهم بالكلّيّة بفعل هذه الكارثة التي لم تفرِّق بين الكبير والصغير بين الغنيّ والفقير. وكان من بين الذين وقفوا ثلاثةُ أشخاص من قادةِ الكنيسة نفسِها وعلى رأسهم عازفُ البيانو والمسؤول عن الموسيقى الدكتور دوين Duane، وإلى جانبه أحدُ القساوسة المساعدين، والثالث هو عازفُ الغيتار في فترة العبادة الصباحيّة في كل يوم أحد.
وبدا التأثير واضحًا على وجوه الحاضرين إذ التهم الحريق بيوتهم ولم يبقَ منها إلَّا الرماد. وما هي إلَّا دقائق حتى أُطْفِأتِ الأنوار في الكنيسة لنسمع من قائد الموسيقى ومؤلف الألحان العديدة قصته الكارثيّة يرويها في فيديو قصير. رأيناه فيه يعزفُ على البيانو في بيته الذي احترق وانصهرت معه محتوياتُه من أثاث وآلات موسيقية وكذا جدرانُه التي هوَت أرضًا. وعندها وقف ليقول: كان بيتُنا واسعًا في Altadena وفيه حديقةٌ كبيرة في الخلف. وقد خصَّصتْ زوجتي جزءًا من الفُسحة الخارجيّة لتكونَ استوديو خاصًا بالموسيقى. وضعتُ أنا فيه بيانو مميّزًا وكبيرَ الحجم، لأقوم بالعزف عليه وتأليف ألحانيَ الجديدة. وكنّا نفتح أبوابَنا بين حينٍ وآخر لاستقبال الجيران الذين كانوا يحضرون بشغفٍ كبير ليستمتعوا بالموسيقى والألحان. وكانت هناك مكتبةٌ للموسيقى أحفظُ فيها كلَّ مؤلَّفاتي. لكن للأسف، لم يبقَ شيءٌ من كلّ هذا. إذ حين بدأ الحريقُ كنتُ وزوجتي في ولاية واشنطن. وإثرَ معرفتي بالحريق اتّصلتُ على الفورِ بجارتنا وسألتها: ماذا يجري في حيِّنا؟ قالتْ وهي تبكي: بيتي احترقَ يا دوين وبيتُ جيراني كذلك. أمَّا منزلك فلا أستطيع أن أراهُ من كثافة الدخان لكنَّه يحترقُ أيضًا. ذُهِلتُ لِما قالتْه ووقع علينا الخبرُ وقْعَ الصاعقة. وفي الحال لمَمْنا أغراضَنا وعُدنا إلى لوس أنجلوس. وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى حيث كان بيتنا قائمًا، فلم أجدْ سوى ركامٍ ورماد في الحيِّ بأكمله وكان كلُّ شيءٍ منحلًّا لا بل منصهِرًا بفعل النار. ولم أستطع التعرُّف على بيتنا إلَّا حين رأيتُ رقم منزلي (88) على بقايا السور الأمامي للمنزل المصنوع من الحجر. لقد أخفى الحريقُ معالمَه بالتمام. وبعدَ أن سُمحَ لنا بالعودة لرؤية البيت مرّةً أخرى أصرَّ أحدُ الإخوة من الكنيسة هنا على مرافقتي. وبينما كان يفتّش بين الرُّكام عن شيءٍ قيِّم من الممكن الاحتفاظُ به كذكرى ثمينة، وقعَ نظرُه على وريقةٍ نصفُها محروقٌ من كتاب القاموس. فأسرعَ نحوي ليُريَني إيّاها. ولمَّا أمعنَّا النظر فيها وجدْنا أنَّ الكلمةَ الواضحة في تلك الوريقة هي: تعريف لكلمة نار. للحال تجمَّدنا في أرضنا. ماذا؟ قلنا سويةً. كلمة نار! يا للغرابة!
وحين رجعتُ إلى مقرِّيَ الجديد اتصلتُ براعي الكنيسة وسألتُه أيمكنُ أن يكونَ لهذه الكلمة بالذات وفي هذه المحنة أيَّةُ دلالةٍ أو مغزىً؟ فأجابني: إنَّ الأمر واضحٌ يا دوين، إنها تعني بأنَّ اللهَ حاضرٌ هناك وهو معك وسطَ الحريق، لا بل مجتازٌ معك في هذا الأتون. كانت كلماتُه هذه بلسمًا لقلبي وشفاءً لروحيَ المحتاجة إلى رفْعةٍ سماويّة. ثم تابع دوين يقول: لقد تغيَّرنا زوجتي وأنا من خلال ما اجتزنا به في هذه الأسابيع القليلة إذ اختبرنا محبّةً قويَّة غمرتْنا. ونحن مديونانِ لكلِّ فردٍ في هذه الكنيسة اهتمَّ بنا، وسأل عنّا، وكتب لنا، وصلَّى من أجلنا، ومدَّ يده لمساعدتنا، ولكلِّ شخصٍ عانقنا وتعاطف معنا قولًا وفعلًا. والعجيب أنَّه في المرّة الثانية التي عُدت فيها بعد مضيِّ أيامٍ معدودة إلى ما كان يسُمَّى بيتنا، فوجئتُ بنموِّ براعمَ خضراء لنباتِ الخيزران من وسط الرماد، وفوقَ الركام المتناثر، في طرف الحديقة. عندها اختلجَتْ أحشائي ووعدتُ نفسي قائلًا: أجلْ سنعود ونبني والله حاضر معنا كما كان حاضرًا تمامًا في وسط الأتون مع الفتية الثلاثة في سفر دانيال. فحضورُه تُؤكِّدَ لنا في تلك القُصاصة من الورق التي رسَتْ على كلمة (نار). كانت علامةً من السماء أنعشت أرواحَنا وأرجعتْ لنا الرجاء كمرساةٍ للنفس مؤتَمنة.
فعلًا يا لها من محنةٍ قاسية! لكنْ هناك أملٌ ورجاء في المستقبل بزَغ مع بادرات البامبو الخضراء من وسط الرماد. ترى، هل اجتزتَ يا قارئي يومًا في محنة كهذه؟ حتى وإن لم تكنْ حريقًا فلربَّما كانت فيضانًا، أو زلزالًا أو إعصارًا؟ أم تراكَ خسرْتَ ممتلكاتٍ وبيوتًا وثرواتٍ في لُحيظات من جرَّاء هبوط البورصة مثلًا! ففي رحلة الحياة هذه، لا بدَّ أن نتعرَّض جميعًا إلى خسائرَ تكون جسيمةً أحيانًا لا نستوعبُها، عندها هل وجدتَ قُصاصةَ ورقٍ صدفةً كُتبتْ عليها كلماتٌ أنعشت فؤادَك وأعادتِ الأملَ من جديد ليدغدغَ حناياك، فاتّخذْتها علامةً سماويّة؟ وهل قابلتَ أناسًا ممَّن تحرّكت أحشاؤُهم لمصابكَ الأليم فهبُّوا لمساعدتك كما فعل أولئك الإخوة والأخوات؟
لقد شهد بولس الرسول في رسائله المتعدِّدة عن مثل هؤلاء الإخوة الذين وصفَهم بالآتي: "ثمّ نعرِّفكم أيّها الإخوة نعمةَ الله المُعطاة في كنائس مكدونيّة، أنّه في اختبار ضيقةٍ شديدة فاضَ وُفورُ فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم، لأنّهم أعطوا حسبَ الطّاقة، أنا أشهد، وفوقَ الطاقة، من تلقاء أنفسهم." ما أحلى هذه الشهادة عن وفرةٍ وسخاءٍ فاقا طاقةَ تلكَ الكنائس التي اشتركت في تسديد الاحتياج. ترى ما هو السبب الذي دفعهم لفعلِ ذلك؟ عبّر عنه بولس قائلًا: "بل أَعْطَوْا أنفسَهم أوّلًا للرَّبِّ، ولنا، بمشيئة الله... فإنّكم تعرفون نعمة ربِّنا يسوع المسيح، أنّه من أجلكم افتقر وهو غنيٌّ، لكي تستغنوا أنتم بفقره." (2كورنثوس 1:8-3 و5 و9)
ونحن كمؤمنين حريٌّ بنا أن نعكس هذه الصورة للعالم المحتاج من حولنا فنتخطّى بذلك دائرتنا التي نعيش فيها، لنصلَ إلى الناس المقهورين اليائسين جسديًّا وروحيًّا فنشارك معهم رسالةَ الأمل والرجاء بمجيء المخلّص المسيح الذي تمَّم نبوءة إشعياء عنه: "روحُ السيِّدِ الربِّ عليَّ، لأنّ الربّ مسَحني لأبشِّر المساكين، أرسلني لأعصبَ منكسري القلب، لأنادي للمسبيّين بالعِتقِ، وللمأسورين بالإطلاق... لأعزِّي كلَّ النائحين... لأعطيهم جمالًا عِوضًا عن الرَّماد، ودُهنَ فرحٍ عوضًا عن النوح، ورداء تسبيحٍ عِوضًا عن الروح اليائسة." (1:61-3) هذه هي صورة البذل والعطاء والتفاني اللامتناهي، صورة الرب يسوع نفسه الذي افتقر من أجلنا، وهو الغني، وأخلى نفسه من المجد السماوي لكي يصير مثلَنا ابنَ الإنسان، رجلَ الأوجاع ومختبرَ الحزن. ولأنَّه مجرّبٌ في كلّ شيء مثلنا يقدر أن يُعين المجرَّبين.
هل تعلم يا قارئي بماذا ختم دوين هذا الفيديو عن اختباره الأليم الذي اجتاز به؟ ختمه بعزف ترنيمة O the Deep Deep Love of Jesus على البيانو لمؤلفها الإنكليزي صموئيل تريفير فرانسيس. إذ تقول كلماتها المعرّبَة:
حبُّ ربّي وشفيعي، هو بحرٌ زاخرٌ
شاسعٌ غمرٌ عميقٌ أزليٌّ قادر،
فيه تيّارٌ رقيقٌ قد نفى عني الهموم،
وسَرى بي، وحبَاني خيرَ راحةٍ تدوم.
حبُّ ربي وشفيعي، ما لِذا الحبِّ نظير
بحرُ جودٍ وسلام، وسمائي والمصير
وهو صخرتي ونجاتي، وهو مينائيَ الأمين
وهو مجدي ورجائي، وملاذي كلَّ حين.
ترى، هل تستطيع أنتَ أيضًا أن تهتف مع دوين هذه الكلمات الواثقة في حبِّه العميق؟ عندها تزهو براعمُ الحياة الجديدة من وسط الرماد.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2025

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
12309025