Voice of Preaching the Gospel

vopg

في مطلع رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي، بدأ الرسول بولس بالشكر العميق لله من أجل

هذه الكنيسة، مُبرزًا الأثر البالغ الذي تركته في قلبه. لقد دفعه هذا التأثير إلى فتح قلبه لهم من خلال الرسالة التي خطّها، معبّرًا عن محبته الصادقة واهتمامه الروحي العميق بهم. وقد تجلّت هذه المشاعر النبيلة في صلواته المستمرّة التي لم تنقطع من أجلهم، إذ قال: "نَشْكُرُ اللهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ أَجْلِكُمْ جَمِيعًا، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا بِلاَ انْقِطَاعٍ". (١تسالونيكي 2:1) وهنا يبرز تساؤل مهم: ما الذي أثّر في بولس وترك هذا الأثر العميق في قلبه تجاه هذه الكنيسة؟ في هذا السياق، يمكننا أن نركز على ثلاثة أمور رئيسة أشار إليها بولس في رسالته، والتي تعكس قوّة شهادتهم وأثرهم البالغ.

أوّلًا: الإيمان العامل
يكتب بولس للكنيسة: "مُتَذَكِّرِينَ بِلاَ انْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ". تعكس هذه الكلمات إيمانًا لم يكن مجرّد فكرة عابرة أو اعتقادًا نظريًّا لدى أهل الكنيسة، بل حقيقة حيّة فعّالة. لقد كانت رسالة الإنجيل وقبول الخلاص بالمسيح بالنسبة لأهل تسالونيكي أكثر من مجرّد إدراك ذهني أو تجربة لحظيّة (١تسالونيكي ١:٦-٧)، بل تحوّلت إلى قوّةٍ تغيّر الحياة وتلامس القلوب. عندما يفتح الله قلب الإنسان لينير فيه نور حقّ الإنجيل ويكشف له عظمة أمجاد الخلاص، يجد نفسه أمام حبٍّ عجيب لا يُقاوم، حبّ يدعوه للسجود بتواضع وتسليم حياته بالكامل للذي أحبّه أوّلًا. وينعكس هذا الحبّ الإلهي في إيمانٍ عامل، يتجلّى في التزام المؤمنين باتباع وصايا السيِّد والالتصاق بها. يَظهر هذا الإيمان في أفعالهم اليوميّة وسلوكهم العمليّ، ممّا يجعل حياتهم شهادة حيّة على عمق إيمانهم وثباتهم في الحقّ. وهكذا يصبحون نورًا يعكس مجد الله، يضيء في وسط العالم المظلم، ويعلن قوّة الإنجيل المحوّلة للقلوب والحياة. فالإيمان العامل هو إيمان حيّ، ينبض بالحياة ويُثمر أعمالًا تعكس حقيقته.

ثانيًا: تعب المحبة
أمرٌ آخر ترك أثرًا عميقًا في قلب بولس نجده في كلماته: "مُتَذَكِّرِينَ بِلاَ انْقِطَاعٍ... تَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ". لقد تميّزت كنيسة تسالونيكي بمحبة حقيقيّة عميقة بين أعضائها، محبّة لم تكن مجرّد شعور أو كلمات، بل عمل واجتهاد مستمرّ في خدمة بعضهم البعض. رغم الضيقات والاضطهادات التي واجهتها الكنيسة (١تسالونيكي 14:2)، لقد اجتهد المؤمنون أيضًا في التعبير عن محبّتهم للآخرين من حولهم، مما جعل محبّتهم شهادة حيّة على عمل نعمة الله فيهم (١تسالونيكي 6:3 و١٢). الكنيسة التي تعيش في تنازع وخصام وتحزّب تُظهِر أنها لم تختبر محبة الله الحقيقيّة، كما أشار الرسول يوحنا بقوله: "إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ". (١يوحنا 20:4) محبة الله ليست مجرّد كلمات تُقال، بل هي حقيقة تُعاش وتتجلّى في العلاقات بين المؤمنين. إنها جهدٌ مبذولٌ وتضحيةٌ تُقدَّم من أجل تحقيق غاية سامية، وهي إعلاء اسم المسيح، والتعايش معًا برغم الاختلافات والتحدّيات، والحفاظ على رباط الوحدة والسلام. تعب المحبة هو سعيٌ دؤوب لا يعرف الكلل، يهدف إلى إيجاد الفرص لإظهار اهتمامنا العميق ومشاركة مواردنا بسخاء مع أعضاء جسد المسيح الذين نشترك معهم في العبادة.

ثالثًا: صبر الرجاء
أمر آخر ترك أثرًا عميقًا في قلب بولس كما كتب للكنيسة هو: "صَبْرَ رَجَائِكُمْ." لقد أظهر أهل تسالونيكي رجاءً راسخًا لا يتزعزع، رغم كل الضيقات والاضطهادات التي واجهوها. كان رجاؤهم متجذِّرًا في ربِّنا يسوع المسيح ومبنيًّا على وعوده الأبديّة التي لا تخيب. لم يكن هذا الرجاء مجرّد شعور عابر أو أمنية غامضة، بل قوّة فعّالة دفعتهم إلى الصبر والثبات، منتظرين بإيمان عودة المسيح ومجد الملكوت الآتي (١تسالونيكي 10:1). ما يميّز الإيمان المسيحي هو تقديمه رجاءً حيًّا، مؤسّسًا على أمانة الله وصدق وعوده، إضافة إلى قدرته المطلقة على تحقيق ما وعد به. هذا الرجاء يغرس الصبر في قلوب المؤمنين، إذ يعلمون أن الله هو السيّد على كلِّ شيء، يعمل في جميع الأمور لتتحقّق مقاصده الإلهيّة الكاملة. الكنيسة التي تعي هذه الحقائق تحيا في وحدة وتناغم، تنمو معًا، وتتحمّل المصاعب جنبًا إلى جنب، وتواجه أعباء الحياة بروحٍ من العطاء المستمرّ. إنها كنيسة متأكّدة أن رجاءها في الرب هو رجاء ثابتٌ لا يتزعزع، لأنّه مؤسّس على صخرة الإيمان بقدرة الله وأمانته التي لا تتغيّر.

الخلاصة
هذه الكنيسة، التي نراها في أهل تسالونيكي، تعكس صورة الإيمان المسيحي الحقيقي. إنها كنيسة متّحدة في إيمانها، مُحِبَّة في علاقاتها، وصابرة في رجائها. هذه الصفات ليست فقط مثالًا يُحتذى به، بل دعوة لنا جميعًا لنعيش حياة تمجّد المسيح، إذ ينعكس عمل الله فينا ومن خلالنا ليضيء العالم بنوره. إيماننا، محبّتنا، وصبرنا في المسيح ليست مجرّد فضائل نعتزّ بها أو شعارات نتغنّى بها، بل هي دعوة عمليّة للحياة المسيحيّة التي تمجِّد اسم الربّ. فلنثبت في هذا الطريق، حاملين الإيمان العامل الذي يثمر، وتعب المحبّة الذي يبذل، وصبر الرجاء الذي يعطينا القوّة والثبات، واثقين أن حياتنا في المسيح هي شهادة حيّة لمجد الله.

المجموعة: شباط (فبراير) 2025

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

1311 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11760334