Voice of Preaching the Gospel

vopg

المجلة

نتعلّم من الإنجيل المقدّس بأن الرّب يسوع المسيح وُلد من القدّيسة مريم في أيّام هيرودس، حيث نقرأ في متّى 1:2

"وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ"، وكذلك في لوقا 5:1 " كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ ..." نجد في هذه الكلمات بأن كلًّا من البشيرين متّى ولوقا قد أطلقا على الوقت أو العصر الّذي وُلد فيه رب المجد يسوع اصطلاح "أيّام هيرودس"، وبأنّ هيرودس هذا كان ملكًا، وأن المنطقة الّتي كان يملك فيها كانت منطقة يهوذا، أي الجزء الجنوبي من فلسطين حيث تقع مدينة بيت لحم، أي مكان ولادة الرّب يسوع، ومدينة أورشليم، أي مكان صلبه وقيامته وصعوده حيًّا إلى السّماء.
دُعيَ الملك هيرودس من قِبَلِ معاصريه، وكذلك من الأجيال اللّاحقة، بلقب "هيرودس الكبير" أو "هيرودس العظيم"، مع أنّنا لا نجد مثل هذا الوصف له في الإنجيل المقدّس. فعند قراءة الإنجيل، نكتشف بأن هيرودس كان محتالًا وكاذبًا وقاتل أطفال، ولم يملك أيّة صفة إيجابيّة يمكن الإشارة إليها لتبرير لقب "الكبير" أو "العظيم". وبالعودة إلى كتب المؤرّخين، وخصوصًا يوسيفوس، نكتشف بأن هيرودس كان غريبًا عن أرض الميلاد، فقد انحدر من أبٍ أدومي من منطقة أدوم شرقي نهر الأردن، ومن أمٍ يهوديّة. كذلك يخبرنا المؤرخ يوسيفوس بأن قيصر روما هو الّذي نصّب هيرودس ملكًا على اليهوديّة، أي أنه كان ملكًا خاضعًا للرّومان الّذين كانوا يحتلون كلّ منطقة سوريا الكبرى، والّتي كانت تشمل أرض فلسطين.
كان هيرودس أوّل ملك غريب يجلس على عرش الملك داود، فقد تمّ فرضه ملكًا بالقوّة على الشّعب القديم بواسطة الإمبراطوريّة الرّومانيّة، وقد كان هذا تتميمًا للنّبوة الّتي نطق بها يعقوب أبو الأسباط بخصوص ابنه يهوذا: "لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ." (تكوين 10:49) فهذه النّبوة تعلن بوضوح بأن كلّ ملوك منطقة يهوذا سيكونون من نسل يهوذا، أي من الشّعب القديم، وأن قضيب أو صولجان الملك لن ينزع من نسل يهوذا إلّا عند مجيء شيلون، أي المسيّا المنتظر. وهكذا عمل إمبراطور روما، وبدون علمه، على إتمام نبوّة من نبوات الله الّتي أعلنها بلسان يعقوب في العهد القديم. وهذا دليلٌ على أنّ الله هو ربّ وسيّد التّاريخ، وبأنه يعمل من خلال الملوك والقياصرة والأباطرة على إتمام مقاصده نحو الجنس البشري.
وهكذا فإن عبارة "في أيّام هيرودس" تشير إلى حقيقة صعبة ألا وهي أنّ شعب أرض يهوذا كان يعيش حياة عبوديّة تحت سيطرة الاحتلال الرّوماني والملك الطّاغية هيرودس ربيب الإمبراطوريّة الرّومانيّة. وكونهم تحت عبودية المحتل الغريب كان يعني دفع ضرائب ثقيلة وكثيرة لروما. كذلك بسبب وجود جنود روما في البلاد، انتشر الفساد السّياسي والخيانة والفوضى، إلى جانب الفقر والمرض والتّشتت، وانتشرت الدّعارة بشكل كبير، وكثر عدد النّساء اللّواتي احترفن الزّنا مع جنود روما بدافع الحصول على المال.
"أيّام هيرودس" كانت أيّام اضطهاد سياسي وسيطرة الغريب وحكمه لشعب الله. كذلك كانت أيّام ظلمة فظيعة وقاتلة للرّوح والنّفس البشريّة. فقد سيطر حزب الفرّيسيين الدّيني، مع حلفائهم من الكتبّة، على حياة النّاس الرّوحيّة والأخلاقيّة. ونعرف من خلال صفحات العهد الجديد بأنّه كان لدى الفرّيسيين مجموعة كبيرة من القوانين والأحكام الدّينيّة والتّقاليد، وبأن غالبيّة هذه الأنظمة كانت من صنع النّاس وليست وحيًا من الله. فقد ترك المتديّنون من الشّعب القديم وصايا وإعلانات وتعاليم الله الواضحة والصّريحة، وتمسّكوا بتقاليد ووصايا وضعيّة تناقض بشكلٍ صارخ ومكشوف كل وحي الله المقدّس. وقد أشار الرّب يسوع إلى هذه الحقيقة عندما خاطب الكتبة والفرّيسيين في أيّامه قائلًا لهم: "لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللَّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ؟ فَإِنَّ اللَّهَ أَوْصَى قَائِلًا: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ وَمَنْ يَشْتِمْ أَبًا أَوْ أُمًّا فَلْيَمُتْ مَوْتًا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي. فَلاَ يُكْرِمُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ! يَا مُرَاؤُونَ! حَسَنًا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلًا: يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هَذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا. وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ." (متّى 3:15-9)
كانت "أيّام هيرودس" أيّام سواد وظلام، وخوف، وفساد، وتديّن مزيّف، وعنصريّة، ورِدّة روحيّة وأخلاقيّة. صحيحٌ أنّ هيرودس عمل على توسيع بناء هيكل أورشليم، وبنى مدينة قيصريّة والعديد من القصور والمنتجعات والقلاع، وخصوصًا بناء جبل هيرودس والقلعة في قمّته، ولكن هذا البناء والعمار، قام على دماء آلاف الرّجال الّذين قتلوا أو ماتوا من حوادث العمل والسّخرة والاضطهاد.
من النّاحية السّياسية: كانت أيّام احتلال روما لأرض فلسطين. فقد كانت البلاد تُحكم بوحشية الجنود الغرباء، وطغيان الملك هيرودس ربيب الرّومان.
من النّاحية الدّينيّة: تحكّمت أحزاب دينيّة بجميع النّواحي الرّوحيّة للنّاس، وساد التّدين الشكلي، وتمسّك النّاس بتقاليد وطقوس وعادات غريبة لا تمجّد اسم الله بأيِّ شكلٍ من الأشكال. وأصبح المال أهم كثيرًا من الله.
من النّاحية الأخلاقيّة: انتشر الزّنا والدّعارة بشكل مكشوفٍ بين النّاس، وكثر الطّلاق ودمار الأسر، وسادت كل أشكال الخطيّة بين النّاس، مثل الكذب والرّشوة والنّفاق والكراهيّة والخصام والعداوات والعنصريّة، وخصوصًا ضد الأجانب والسّومريين، وغيرها من الشّرور.
من النّاحية الاقتصادية والصّحيّة: انتشر الفقر بين النّاس بشكلٍ كبير، وكثر عدد من يستعطون الصّدقات من النّاس. كذلك انتشرت الأمراض بينهم، وخصوصًا البرص والشّلل ومختلف أنواع الحمّى والالتهابات.
كانت "أيّام هيرودس" من أصعب الأيّام الّتي عاشها الشّعب القديم، فقد كانت أيّام ظلمة، وردّة روحيّة وأخلاقيّة، وسقوط في مستنقع الخطيّة. ووسط هذا الواقع البائس والكئيب، تمّت كلمة الله الّتي نطق بها إشعياء النّبي قبل حوالي 800 عام عندما تنبّأ بوحيٍ من الله قائلًا: "... لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا رَئِيسَ السَّلاَمِ. ِلنمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ..." (إشعياء 1:9-6)
نعيش في أيّامنا كما عاش الشّعب في "أيّام هيرودس"، فالظّلام الرّوحي، والسّقوط الأخلاقيُّ والرّدةُ والابتعاد عن الله الحقيقي انتشر في كلّ مكان. وتنقل لنا وسائل الإعلام و التّواصل الاجتماعي يوميًّا أخبار الانحراف الجنسي، والشّذوذ، والحروب، والقتل، والعنصرية، والمؤامرات، والفساد، وشتّى الآثام والموبقات. ووسط هذه الحالة المزرية والقاتمة، تأتي ذكرى ميلاد رب المجد يسوع، ذكرى تجسّد الله الكلمة الأزلي ومجيئه إلى عالمنا بصورة إنسان، وذلك من أجل خلاص وفداء وشفاء الإنسان الّذي خلقه ويحبّه بلا حدود.
على الكنيسة في كل العالم أن تتّحد بالصّلاة والمحبّة القلبيّة الصّادقة، وألّا يخاف من قوى الشّر والحرب والمال، وأن تنفضَ عن نفسها روح الخمول والكسل والإهمال واللّامبالاة، وأن تطلبَ من ربّ السّماء أن يملأها بقوة الرّوح القدس، لتنطلقَ من جديدٍ مبشّرة بإنجيل الخلاص والمحبّة، وأن تدعوَ الناس إلى التّوبة، وأن تقاومَ إبليس عدوّ النّفوس، وأن تكشفَ شرّ العالم، وأن تكونَ بحقٍّ ملح الأرض ونور العالم.

المجموعة: magazine

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

123 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10586032