المجلة
كتب الفيلسوف عمانوئيل كانْتْ لصديقٍ له: "إنك تفعل حسنًا إذا كنت تؤسِّس سلامك على الإنجيل وتستمدّ تقواك منه،
لأن الإنجيل، والإنجيل وحده هو منبع الحقائق الروحية العميق... تلك الحقائق التي تعب العقل في قياسها بلا جدوى."
يبدأ إنجيل البشير متى بسلسلة نسب الرب يسوع المسيح الملكي ليثبت أن المسيح هو من نسل داود مبتدئًا بإبراهيم، "وتدعو اسمه يسوع" (متى 21:1). أما لوقا الأممي فيكتب للعالم كله عن المسيح أنه "ابن آدم، ابن الله... على ما يظن ابن يوسف ابن هالي." (لوقا 38:3 و23)
لقد وعد الله داود بمملكة تدوم إلى الأبد (مزمور 4:89، 36-37). إن سفر التكوين يقدّم آدم الأول وآدم الأخير، أما يوحنا الحبيب فيربط ما بين الأزل والتجسّد (يوحنا 1:1-2). عبَّرَ يوحنا عن المسيح ومحبته بأنه لم يسكن عند الآب فحسب بل هو الكلمة. "فيه كانت الحياة (أي مصدر الحياة)." (يوحنا 4:1) ومن الغريب أن سلسلة هذا النسب تذكر أربعة نساء للتأكيد على أن مجيء المسيح سيجلب خلاصًا لكل العالم ونعمة للأمم، والميلاد في الإنجيل يذكر ثلاثة أسماء مميّزة للمسيح، وأسماؤه هي صفاته:
الاسم الأول: عمانوئيل
هذا يأتي بنا إلى الحبَل المعجزي، فمريم كانت موعودة بالزواج من يوسف، لكن الزفاف لم يتمّ بعد. وكانت الخطبة في زمن العهد الجديد بمثابة ارتباط ملزم للطرفين لا يمكن فكّه إلا بالطلاق على أن تقيم الخطيبة في منزل عائلتها، وخيانة أحد الطرفين تعاقَب بالموت. لكن مريم وُجدَت حُبلى أثناء خطبتها بمعجزةٍ من الروح القدس (لوقا 15:1). ثم أراد يوسف تخْليتها سرًّا لولا أن ملاك الرب بشّره: "يا يوسف بن داود"، لعلّه يذكر أصله الملوكي والوعد الإلهي القديم. إن المولود هو يسوع المخلص، الرب الذي "سيخلص شعبه من خطاياهم." "ويدعون اسمه عمانوئيل." (إشعياء 14:7 و8:8؛ متى 23:1) لم يُستخدَم اسم عمانوئيل إلا للمسيح الرب، لكنه يُفهَم ضمنًا حضور الله. وقد يُستخدَم هذا الاسم بشكل رئيسي في الملك الألفي. وهكذا وُلد المسيح الشخص الأزلي في حيِّز التاريخ في جسمٍ بشريّ. "فيه يحلّ كل ملء اللاهوت جسديًّا." (كولوسي 9:2) لا نستغرب وجود أسماء خاصة للمسيح أو للمؤمن الحقيقي غير معلنة... ففي رؤيا 12:19 نقرأ عن المسيح أن "له اسم لا يعرفه إلا هو"، "وليس أحد يعرف الآب إلا الابن" معبِّرًا عن كنه الابن وكمال طبيعته الإلهية (1يوحنا 1:1). وفي رؤيا 13:19 "يُدعى كلمة الله" إشارة عن ذاته وصفاته وأعماله. وفي رؤيا 17:2 عن المؤمن: "وعلى الحصاة اسم جديد لا يعرفه أحد غير الذي يأخذ"، دليلًا على الشركة السريّة بين الرب والمؤمن الغالب.
الاسم الثاني: القدوس
"فلذلك... القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله" (لوقا 35:1) أي الله. إنه قدّوس ويقدِّسنا... إنه يخلِّصنا من الخطية الفعلية (الإثم) والخطية الأصلية. الأولى، نزعها المسيح إذ احتمل دينونتها في الجسد على الخشبة ولا يعود يذكرها فيما بعد. أما أصل الخطية الساكن فينا فقد كُفِّر عنه. "فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد... كي لا نعود نُستعبد أيضًا للخطية." (رومية 3:8 و6:6) إن كلمة "قدوس" معناها محرّم، وتُشتقّ منها كلمة الحرام والحرم أو مكرّس لغرض خاص. فلا يمكن استخدامه لغرض آخر... وتفيد التّنزُّه والبُعد عن الشرّ. والاسم "قدوس" عند اليهود معناه الله. إن نبوءة إشعياء 14:7 - المذكورة في متى 23:1 - تضمّنت التنبؤ بميلاد المسيح. كان آحاز متمسّكًا بقول الرب "لا تُجرِّب الرب إلهك." لكن الله نفسه يقول له: "اطلب لنفسك آيةً." والرفض هنا دلالة على عدم الإيمان. لم يكن يدرك أن الله يصير إنسانًا. "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا." أي، عذراء لم تعرف رجلًا، وإلا فأين الآية أو المعجزة؟ ويؤكّد إشعياء وميخا هذه النبوءة بالإشارة إلى ملكه ومكان ميلاده (إشعياء 1:9-2، ميخا 2:5). "وتكون الرياسة على كتفه" كالمسؤولية الملكية، لكنه عندما يجد الخروف الضال يضعه على منكبيه (كتفيه) ممارسًا المسؤولية الحبِّيَّة - يا للعناية!
"ويُدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًّا، رئيس السلام." ولو تتبّعنا مناسبة هذه النبوءة نجد أنها في أيام الملك ابن طبئيل الذي تخلّى عن حكمه بعد ثلاثة سنوات من ملكه (إشعياء 6:7-9) وقتل الملكين رصين وفقح بن رمليا، لكن الرب يعلن أن المسيح "فيه النَّعَم وفيه الآمين لمجد الله." (2كورنثوس 20:1) إنه وحده المخلص الموعود به الذي يقول فيه إشعياء الإنجيلي "وأجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم، لتفتح عيون العُمْيِ..." (إشعياء 6:42-7).
قيل عن كهف ماموث بأمريكا الشمالية أن فيه بِركة مظلمة يعيش فيها نوع من السمك بلا عيون لأنه تسبَّبَ الظلام في فقد النظر. أما التقديس بالنسبة للمؤمنين فهو انتزاع كل ميل نفساني مادي من قلوبهم، وتطهيرهم من كل ما هو مغاير لروح الله وإرادته يومًا فيومًا. والتقديس في الحق هو أداة التقديس، والحق هو المسيح نفسه. إنه "القدوس"، اسمه فريد عن كل الأسماء إشارة إلى طبيعته.
والآن، عندي سؤال قد لا تستطيع الإجابة عنه: "كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره؟"
الاسم الثالث: ويُدعى اسمه ابن الله
"هوذا عبدي يعقل (يحكم بفهم وحكمة... يحلّ عليه روح الرب، روح المشورة والقوة، روح المعرفة)، يتعالى ويرتقي ويتسامى جدًّا (أي يرتفع)". "لذلك رفَّعه الله أيضًا، وأعطاه اسمًا فوق كلّ اسم." (فيلبي 9:2) "كما اندهش منك كثيرون (من اتّضاعه) ... هكذا ينضح أممًا كثيرين (أي يرشهم بماء كلمته ودم صليبه فيطهرون)." (إشعياء 13:52-15)
قال يسوع عن نفسه: "لأنكم لو كنتم تصدّقون موسى لكنتم تصدّقونني، لأنه هو كتب عني." (يوحنا 46:5) "أبوكم إبراهيم تهلّل بأن يرى يومي فرأى وفرح." (يوحنا 56:8) "لأني قلت: إني ابن الله" (يوحنا 36:10).
رأى إشعياء مجد المسيح (يوحنا 38:12-41؛ إشعياء 6 و53).
وفي يوحنا 41:12، يقدّم الوحي على لسان يوحنا أن ضمير الهاء في عبارة "حين رأى مجده وتكلّم عنه" يعود إلى المسيح لذلك قالوا عنه: "تجعل نفسك إلهًا". هذا التعبير يُراد به التشابه والتماثل في الذات وفي الجوهر وفي العقل "أنا والآب واحد".
إن دم المسيح الحي هو سر الحياة للمؤمن فهو دم الفداء على العتبة العليا والقائمتين، ودم الكفارة على مذبح المحرقة، ودم المحرقة، ودم التطهير على الأبرص، ودم العهد المرشوش على كتاب الشريعة، ودم التكريس على المؤمن، ودم الشفاعة الأبدية لدم المسيح، ودم الحياة أو الدم واهب الحياة، "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة!" (عبرانيين 22:9) "وجدت فدية." (أيوب 24:33) "من صدّق خبرنا، ولمن استُعلنت ذراع الرب؟" (إشعياء 1:53) فالناس جاءهم الخبر عن المسيح المتألّم ولم يصدِّقوا... هذه حالة كل عصر!
ارتكب ولد صغير خطأ من أخطاء الأطفال وجثا مستندًا على ركبتَيِّ والده، وصلّى بدموع: "يا الله العزيز، اجعلني رجلًا كـوالدي... عاقلًا وقويًّا." وبعد أن نام جثا الأب بجوار فراشه، وأحنى رأسه معترفًا بخطاياه وصلّى: "يا رب، اجعلني طفلًا كطفلي هنا... طاهرًا وبلا غشّ، واثقًا بك بإيمان وإخلاص.