المجلة
يوسف: ها قدِ استطعتُ أن أحصلَ على إِذنٍ من بيلاطس لكي آخُذَ جسدَ يسوع وأقومَ بدفْنِه دفنًا لائقا ًبه في القبر الجديد الذي حفرْتُه لنفسي في الصخر.
نيقوديموس: أمَّا أنا فقد أحضرْتُ معي يا يوسف حوالي ثلاثين لترًا من طِيْب المُرّ المخلوط ِبالعود. وأنا جاهزٌ لكي أذهبَ معك إلى البستان.
يوسف: عظيم، وقد أعددْتُ العُدَّةَ بشكلٍ كامل لكي نقومَ بلفِّ الجُثمانِ أولًا بالكَتّان كما تُمليه علينا عاداتُنا وتقاليدُنا تمامًا.
نيقوديموس: تمامًا، وبالنسبة لي فلمْ يَعُدْ يهَمُّني ماذا سيقول عني أعضاءُ المجمع الأعلى لأنَّني قرَّرْتُ أنْ أخرُجَ عن سرِّيّتي وأُصرّحَ عن تبَعيَّتي لسيِّدي ومعلِّمي ومرشِدي.
يوسف: أنا معكَ بكلِّ ما قُلتَه يا رفيقي. لأننَّا كلَيْنا تحقَّقنا من شخصية هذا المعلم الصالحِ والفريد وصارتِ الدَّلائلُ كلُّها تشيرُ إلى أنَّه بالحقِّ هو المسيَّا المنتظر. لذلكَ فأنا أيضًا أشاركُكَ بهذا الموقفِ الجريء وبالإفصاحِ علَنًا وجَهْرًا عن إيماننا بالسيِّد أمامَ الملأ أجمعينْ.
نيقوديموس: بالطَّبع، فلقد آنَ الأوانُ لِنعلنَ على الملأ بأنَّنا تابعانِ حقيقيانِ له ولم يَعُدِ الخوفُ يكبِّلُنا ويكتمُ حقيقةَ إيماننا..
يوسف: أوافقُك الرأي، ودفاعُنا فقط عن معلِّمنا في مجلس السَّنهدريم لم يعُدْ أيضًا كافيًا، ولا حتى امتناعُنا عن التصويت ضدَّ قرارهم المُجحِف في صلْبه، أمسى وافيًا. فهيَّا بنا الآن لكي نؤدِّي ما أتينا من أجلِه إلى البستان. دعْنا نسير إذًا باتجاهِه من هنا وعلى يمينك يا نيقوديموس.
نيقوديموس: أجل هيا بنا يا صديقي، فالوقت يداهمُنا وعلينا الانتهاءُ من دفن الجُثمان قبلَ أن يَحلَّ موعد الإعداد للسبت.
يوسف: الحق معك. ولْننَتبهْ أيضًا ونحن نحملُ الجسد الملفوف َبالأكفان مع الأطياب لنصلَ به بسلام إلى البستان.
وبكل تؤْدةٍ وحِرْص وحذَر دخل التلميذان بجسد يسوع إلى داخل المغارة المنحوتة في الصخر، وهناك وَضعوا فيها الجسد الملفوف بكلِّ درايةٍ ورويَّة.
نيقوديموس: والآن ماذا سنفعل وكيف سنغلِقُ القبر إذ لست أرى بابًا لهذه المغارة يا يوسف؟
يوسف: هـ ... هناك حجرٌ ضخم، هل تراه؟ تعال معي لكي ندحرجَه على مدخل القبر وبالتالي نمنع أيًّا كان من المَساس بالجسد الطاهر، أو العَبَث به.
نيقوديموس: فكرةٌ عظيمة! هيا بنا... يا إلهي، إنَّها صخرةٌ ثقيلةٌ وليست فقط حجرًا كبيرًا يا يوسف!
يوسف: هذا أفضل، لأنه ينبغي أن نكونَ حريصين على جسد السيد. والآن، ها.. قد انتهينا من مهمتنا وقبل غروب الشمس. وما علينا الآن إلاّ أن نستعدَّ معًا ليوم السبت يوم غد.
نيقوديموس: وها إنَّ أخواتنِا المريمات خادمتَي المعلم الجالستَيْن تُجاه القبر، وبعد أن أتممْنا نحن كلَّ شيء، يتحضّرانِ هنَّ أيضًا للذهاب قبل أن يحلَّ السبت. فإلى اللقاء إذن.
وهنا توجّه تلميذا يسوع كلٌّ إلى بيته بعدَ يومٍ حافل بالأحداث المتلاحقة والمتسارعة والتي تركتْ أثرًا كبيرًا في قلبَيْهما وقلبِ كلِّ مَن شاهد وعاين مشهدَ صلب يسوع والآلام المبرّحة التي اجتاز بها. ولا ننسى بالطبع الظلمةَ التي سادتِ الأرضَ كلَّها في السويعات الرهيبة تلكْ. وعندما أسلم يسوع الروح كيف انشقَّ حجابُ الهيكل من فوقُ إلى أسفل وكيف حصلتِ الزلزلةُ العظيمة التي رافقتْ هذا الموت الأليم. ليس هذا فحسب، بل قامتْ أجسادٌ كثيرة لقديسين كانوا قد رقَدوا. أجل، كان فعلًا يومًا رهيبًا وحزينًا جدًا لا مثيلَ له في التاريخ البشري كلِّه.
أمَّا القادة الدّينيون من رؤساء كهنة وفريسيين فكانوا قد اتَّخذوا كلام يسوع المُسبَق عن قيامته، بجِدّيةٍ أكثر ممَّا فعلَه التلاميذ. لهذا نجدُهم يركضون إلى بيلاطس علَّه ينقذُهم من الورطة الكبرى إذا ما أصبحَ كلامُ يسوع حقيقةً، وقام حقًا من بين الأموات. عندها ستكونُ الضَّلالةُ الأخيرة أشرَّ من الأولى كما احتجُّوا أمامَ بيلاطس. ولهذا قاموا باتِّخاذ كلِّ الاحتياطات اللَّازمة لحفظِ جسد يسوع في القبر. واستوثَقوا من ختْم القبر وحراسته.
تُرى كيف تمَّ ختمُ القبرِ والحجر الكبيرُ مدحرجٌ على بابه؟ يقول المفسّرون: "بأنّه لم يكن للقبر سوى مدخلٍ واحد لأن القبرَ الذي نحتَه يوسف الغنيّ الذي من الرَّامة، ليُدفنَ فيه هو، كان في سفحٍ تلٍّ. لذا فقاموا بختْم القبر عن طريق شدِّ حبْلٍ فوقَ الحجر الذي دُحرج وخَتْم الحبْلِ في كل طرفٍ من طرفيْه بالطِّين." (التفسير التطبيقي). وبالطبع فإنَّ الطين يجِفُّ ويصبحُ صلْبًا وقاسيًا. ولكن مع كلِّ تلك الاحتياطات طلب رؤساءُ الدين اليهود من بيلاطس حراسةً مشدَّدة فعليّة على القبر. وهذا بالضبط ما فعله اليهود إذ أرسلوا حرَّاسًا وأقاموهم هناك.
لكن وفي فجر أولِ الأسبوع حدَث ما لم يكنْ في حِسْبان أولئك اليهود المتديّنين، إذ حصلتْ زلزلةٌ عظيمة ونزَل ملاكُ الربِّ من السماء وجاء ودحرجَ الحجر عن باب القبر. وكان منظرُه كالبرق ولباسُه أبيض كالثلج. أما الحرّاس فارتعدوا وصاروا كالأموات...
الحارس الأول: تُـ تُـ ترى ما الذي حدَث؟ لـ لـ لـقد رأيت نورًا مشعًا عظيمًا كادَ أن يعميني، وسَـ سَـ سمعتُ دويَّ انفجارٍ هائل رمَاني أرضًا...
الحارس الثاني: كأنَّ زلزالًا قد حدَث، آه... أنا خائف جدًا ومرتعب. انظــ.. انظر... الحجر...
الحارس الأول: أجل، الحجر مدحرج... والقبر بات مفتوحًا... آه! إنَّ يديَّ ترتجفان.
الحارس الثاني: ماذا دهاني! فجسمي كلُّه يرتعش ارتعاشًا، وقلبي يخفقُ بشدةّ.. والأغرب من هذا، هو أننّي سمعتُ صوت رجلٍ يقول لامرأتين حالَما وصلَتا: "لماذا تطلُبْنَ الحيَّ بين الأموات؟ ليس هو هَهُنا لكنَّه قام."
الحارس الأول: قــ.. قام؟ ماذا تقول؟ يا لتَعاستي، يا لَشقائي... الآن أتت ساعةُ الحساب.. لسوف يُزَجُّ بي في السجن.. آه لسوفَ يميتونني ربَّما لأنني لم أستطع أن أحرُسَ القبر.. جيّدًا..
الحارس الثاني: يا لِلهولِ ماذا سيحِلُّ بنا لَــ.. لقد قام وليس هو ههنا... لكن اسمع... إنها ليست خطيئتَنا أبدًا فنحن حرَسنا المكان بكل قِوانا وكان القبرُ مختومًا! نعم، فالخطأ ليس خطأنا نحن!
عندها التقى يسوع الحيُّ المُقام من الأموات المريمات وقال لهنَّ: سلامٌ لكما. فتقدَّمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع: لا تخافا، اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني. وبينما المريماتُ راجعات إلى المدينة لتُخبرا التلاميذ، جاء الحارسانِ أيضًا وأخبرا رؤساء الكهنة بكل ما كان. (متى 9:28-11)
الحارس الأول: استغربت من موقفِهم، ولم أصدِّق ما سمعَتْه أذناي.. وفوقَ ذلك كلِّه، لــ.. لقد منَحونا فضةً كثيرةً يا صاحبي، انظر! وقال الرؤساء بأنهم سوف يستعطفون الوالي من أجلِنا.
الحارس الثاني: هذه الفضة التي بيدي لم أشهدْ قطُّ مثلَها في كلِّ أيام حياتي.. آه ما أحلى المال وما أغلاه على القلب... فأنا الآن مستعد أن أقولَ ما أشاعوه عنه بأنَّ المسيح لم يَقُمْ بل كلُّ ما هنالك هو أنَّ تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوا الجسد.
الحارس الأول: نعم، وهذا ما حصل بالضبط! إذ وبينما نحن نيام جاء التلاميذ وسرقوا الجسد. أجل، سرقوه!
وهكذا يا قارئي انتشرتِ الإشاعةُ المُغرِضة وصدَّق اليهود هذه الكذبة لأنَّهم هم الذين اختلَقوها. للأسف، وإلى هذا اليوم، لا يزالُ البعضُ يشكُّون أنَّ يسوعَ المسيح لم يَقُمْ من الأموات. لكنْ كلُّ ذلك لن يغيِّر من حقيقة القيامة لأنَّ المسيحَ قد قام فعلًا وصارَ باكورةَ الراقدين. وظهرَ يسوعُ للتلاميذ بينما كانوا مجتمعين في العليَّة وقال لهم: سلامٌ لكم. وأراهم يديه المثقوبتَيْن وجنبَه المطعون بالحرْبة. ففرِح التلاميذ إذ رأوا الرب.
أما إذا كنتَ تؤمن بيسوع المسيح المخلّص سرًّا، وتُخفي هذا عن عائلتك وأهلِك وأصدقائِك، فحريٌّ بك أن تتبعَ مثالَ يوسف الغني المُشير الذي من الرّامة، ونيقوديموس معلم الناموس الذي أتاه ليلًا لسبب الخوف من اليهود، وتصرِّح عن إيمانك وتوضِّح للناس بأنَّه فعلًا هو المسيح ُالحيُّ القائم من الأموات ليعطي كلَّ مَن يؤمن به حياةً وحياةً أفضل. وهنا لمعتْ كلماتُ هذه الترنيمة في فكري إذ تقول:
في مجْدٍ في أوَّلِ الفجرِ قام قامَ ربـِّـــــي
من موتٍ من داخلِ القبرِ قامَ قامَ ربــــي
القرار
ما مِن نبيٍّ جاء وماتْإلاَّ ولهُ قبرٌ هنا
يَحوي عظامًا ورَفاتْتظلُّ هُنا في أرضِنا
والمسيحُ قبرُه فارغ، هلِّلـويا!