المجلة
ذات مرة كنت أتحدث مع طبيبة من إحدى دول آسيا الجنوبية، وهي رئيسة قسم الپاثولوجي، وقلت لها باللغة الإنجليزية كلمات الترنيمة التي تقول:
إن كنتُ في قصرٍ أعيش
أو كوخـةٍ بلا حمـى
سيّـان عنـدي إننـي
ضيـفٌ معـدٌّ للسما
فقالت لي: إنك تقول كلامًا كأنك متأكد أنك ستذهب إلى السماء.
فقلت لها: نعم، أنا متأكد من ذلك.
فقالت لي: سمعتك تقول مثل هذا الكلام قبلاً، فسألت بعض العاملين معي من الأمريكيين، وطبعًا هم أيضًا مسيحيون، فقالوا لي إن الإنسان لا يستطيع أن يعرف مصيره بعد الموت!
فكان هذا مؤلمًا لي، وقلت لها: للأسف، هم لا يعرفون ما يقوله الكتاب المقدس، وهل من المعقول أن الله، الإله الصالح المحب، يترك الإنسان في جهل بخصوص مصيره الأبدي؟
إن الهدف من هذه المقالة هو توضيح هذا الأمر المهم. وهو أن المؤمن الحقيقي يمكنه أن يتأكد من مصيره بعد الموت. وهذه حقيقة ينفرد بها الإيمان المسيحي المبني على كلمة الله. وسأكتفي بسرد بعض الآيات مع تعليق بسيط، لأن المجال لا يسمح بالإشارة إلى كل الآيات التي تثبت أن الله يمنح المؤمن الحقيقي خلاصًا أكيدًا، به يتأكد من ذهابه إلى السماء.
أولاً: قال المسيح: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ" (يوحنا 24:5). هذا كلام واضح، أكّده المسيح بالقول: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ"، وفي الأصل "آمين آمين"، أي بكل تأكيد.
بعد ذلك يذكر ثلاثة تأكيدات:
1) حياة أبدية، فلو أمكن أن يفقدها المؤمن فهي لم تكن أبدية. وهو لا يقول: "ربما يحصل على حياة أبدية، بل "فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ".
2) "وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ"، وهذا تأكيد آخر. المسيح هو الديان، وقد أعلن أن المؤمن لا يأتي إلى دينونة.
3) "بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ". لاحظ أنه لا يقول سينتقل، بل قد انتقل فعلاً.
ثانيًا، "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يوحنا 27:10-30).
ما أكثر التأكيدات الواردة في هذه الآية! تأمل فيها أيها القارئ. افرح وابتهج إن كنت قد قبلت المسيح مخلصًا شخصيًا لك. وإن كنت إلى الآن لم تنل الخلاص فهي دعوة جميلة لك.
ثالثًا "وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ" (يوحنا 31:20). كلمات لا تحتاج إلى تعليق.
رابعًا "لَهُ [أي للمسيح] يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا" (أعمال الرسل 43:10). هذه كلمات وجهها الرسول بطرس للحاضرين من الأمميين الذين أرادوا معرفة الحق. وهي واضحة لا تحتاج إلى تعليق.
خامسًا "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ [أي نبتهج] عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ" (رومية 1:5-2). لاحظ،
أ- "لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ".
ب- نقيم في هذه النعمة كأنها مسكننا.
ج- إن كلمة رجاء لا تعني في الكتاب المقدس أمنية قد تتم أو لا تتم، بل تعني وعدًا إلهيًا بخصوص المستقبل. هذا هو الرجاء المقصود هنا وهو أننا سنرى مجد الله، لا غضب الله. يجدر بكل مؤمن أن يحفظ هذه الآية في ذاكرته وفي قلبه ليتمتع بالسلام الإلهي. ما أجمل ما جاء في رومية 1:5-11! لاحظ عبارة "والرجاء لا يخزي". أي لن يفشل (عدد 5).
سادسًا "إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (رومية 1:8). وهذا يطابق ما قاله المسيح في يوحنا 24:5 "وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ". يا لها من تأكيدات كثيرة تملأ القلب فرحًا وسلامًا!
سابعًا "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا" (أفسس 8:2-10). كلام جميل وواضح لا يحتاج إلى تفسير. وهو موجّه إلى أناس مثلنا كانوا أمواتًا بالذنوب والخطايا، أمواتًا روحيًا. ولكن "اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (الأعداد 4-6). هذا الإيمان، وهذه النعمة لا بد أن تكون لهما ثمار تشمل السلوك في الأعمال الصالحة.
قبل أن نختم هذا المقال يجب أن نؤكد أن الإيمان بالمسيح ليس مجرد اعتناق عقيدة. للأسف الشديد سيكون في جهنم النار ملايين من الذين كانوا ينتسبون إلى الديانة المسيحية. إنما الإيمان الحقيقي هو قبول المسيح في القلب، إذ يقول في يوحنا 12:1 "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ".
إننا جميعنا أخطأنا، والمسيح جاء لكي يطلب ويخلص الهالكين (لوقا 10:19). وكل من يعترف بأنه خاطئ ويقبل المسيح في قلبه ربًا ومخلصًا، ينال غفران الخطايا والحياة الأبدية، ويقول مع الرسول بولس:
"لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ".
(2تيموثاوس 12:1)