كتب روحية
فهرس المقال
مقدمة
إنَّ قَصْدَ الله الأساسي من الزواج هو أن يكون تصويرًا منظورًا للحقائق الإلهية غير المنظورة، فقد قال الله في سفر التكوين: “نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا.” (تكوين 26:1) وعندما كانت الخليقة بكرًا مثل ندى الصبح، ربط الله الرَّجل الأول والمرأة الأولى بعلاقة متميزة سُميت فيما بعد بالزواج. “لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.” (تكوين 24:2)
هناك الكثير من الأدلَّة الكتابية التي تثبت أنَّ الزواج قُصِدَ به منذ البدء أن يكون تصويرًا جميلًا للأمور الإلهية التي لا تُرى، ويكون رمزًا لتلك الحقائق الروحية المتعلقة بطبيعة الله، والمرتبطة بعلاقة الله بالشعب القديم (الأمة اليهودية)، وتلك الحقائق المرتبطة بعلاقة المسيح بالكنيسة.
ففي الزواج يمكن أن تنعكس الوحدة والحميمية التي تربط بين أقانيم الثالوث الأقدس، فعندما يرتبط زوجان معًا وينتميان بعضًا لبعض في وحدة منتجة للحب، فهما بذلك يعكسان بشكل تام تلك المحبة والوحدة الكائنتين بين الآب والابن والروح القدس. وحينما ينجب الزوجان أطفالًا فإنَّهما بذلك يعكسان طبيعة الله الخالق المبدع.
والزواج أيضًا بوصفه علاقة عهد بين الزوجين فهو صورة جميلة لعلاقة العهد التي تربط الرَّب بشعبه المحبوب.
وقد تمتَّع الشعب الإسرائيلي بهذا العهد في القديم ،وقد شبَّه الرَّب مرارًا كثيرة علاقته بشعبه في العهد القديم بعلاقة الزواج، ولقد شبَّهت كتب العهد القديم الرَّب بالزوج الأمين، وكم كانت رغبته صادقة في أن يرى في الشعب الإسرائيلي صورة العروس المخلصة، ولكن للأسف كانت العروس غير أمينة على الإطلاق، فقد كسرت العهد مرات كثيرة، وكانت الخيانة هي السِمة الغالبة على سلوكها، ومرة بعد أخرى كان الرَّب يتعامل مع العروس بالغفران والنعمة، ولكن إصرارها الدائم على الزيغان وكسر العهد تسبَّب في انفصال عن الرَّب امتدَّ لأكثر من ألفي عام ،ولكن برغم فترة الانفصال الطويلة فإن مواعيد الرَّب تؤكد أنَّ الْيَوْمَ الذي يسترد فيه شعبه ويستعيد علاقته الحلوة معه هو يوم آتٍ لا محالة.
ويجب أن يعكس زواج المؤمنين في العهد الجديد ملامح العلاقة بين المسيح والكنيسة. فالعهد الجديد يوفِّر إمكانيات جديدة تمامًا تساعد على رسم الحقائق الإلهية. إنَّ الذين يضعون إيمانهم في الرَّب يسوع المسيح لا يحصلون فقط على غفران أبدي؛ ولكنهم أيضًا يتمتعون بطبيعة جديدة تَنتُج عن سكنى الروح القدس في أعماقهم، إنَّ المؤمنين الذين يتجاوبون مع سكنى الروح القدس في داخلهم بإمكانهم أن يروا المحبة الإلهية معبِّرة عن نفسها في زواجهم. وبناءً على هذه الإمكانية فإن الأزواج والزوجات في العهد الجديد مدعوون من قـِبَلِ الله أن يجعلوا من حياتهم لوحة ترتسم عليها علاقة المسيح بعروسه المحبوبة (الكنيسة).
ولنا أن نتخيل لوحة ذات وجهين، على الوجه الأول نرى الزوج في محبته لزوجته يرسم صورة المسيح في محبته الأبدية والعميقة لكنيسته، وعلى الوجه الآخر نرى الزوجة وهي ترسم من خلال محبتها لزوجها وخضوعها له صورة الكنيسة في محبتها للمسيح وخضوعها له. وحينما نضع الوجهين معًا فإن كل من ينظر سيرى صورة بديعة للعلاقة الجميلة والأبدية التي تربط المسيح بالكنيسة. إن الهدف من هذا الكتاب هو إعادة بريق المجد الإلهي ولَمَعَانه إلى زيجات المؤمنين.
لا يوجد زواج كامل، ولكن بإمكان كل زواج أن يسعى وأن يتقدم في طريق الوصول إلى النموذج الإلهي، بإمكان كل مؤمن أن يكون في ذاته شهادة قوية ومنظورة عن طبيعة الله، وكل زوجين يعيشان معًا منقادين بالروح القدس يستطيعان أن يكونا شهادة قوية للعالم عن الحقائق الإلهية، وعن طبيعة الله الذي خلقنا لنحيا في علاقة أبدية معه. قد يقول أحدهم: [كنت أظن أنَّ الزواج قد صُمِّم لأجل سعادة الجنس البشري.] نعم، ولكننا نؤمن أن السعادة هي أمر ثانوي في الحياة التقوية، وتأتي السعادة دائمًا عن طريق الخضوع للتصميم الإلهي. يقول رجل الله سبيرجن: “صلّ لأجل القداسة وسوف ترى نفسك تسبِّح من أجل السعادة”.
ليس من باب المصادفة أبدًا أن يبدأ الكتاب المقدَّس بزواج آدم وحواء في جنة عدن؛ ثم يختم بحفل زفاف الكنيسة إلى عريسها المبارك (المسيح) في السماء.
إنَّ أقوى شهادة يمكن أن تقدَّم للعالم في هذه الأيام تأتي من خلال زوجين مؤمنين يحبان الرَّب ويحبان بعضهما بعضًا بشكل يجذب النفوس البعيدة إلى المسيح.
صلاتنا أن يستخدم الرَّب هذا الكتاب بطريقة مجيدة في تجديد وترميم الزيجات القائمة، وفي وضع أساس كتابي سليم للزيجات التي على وشك الإتمام.
دنيس وچـيل اينجنبورج
(إننا نقوم منذ عام 1967 برسم اللوحة في زواجنا)