أقول والأسى يملأ قلبي أن ليس كل من يدّعي أنه خادم للمسيح هو بالحقيقية خادم أمين.
ففي العصر الرسولي استدعى بولس الرسول قسوس كنيسة أفسس وقال لهم: "اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ. لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا:
أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ" (أعمال 28:20-30).
فإذا صدق هذا على عصر الكنيسة الأولى، فكم بالحري يصدق على كنيسة الأيام الأخيرة؟!!
والسؤال الآن: كيف نميّز خادم المسيح الأمين؟ والجواب هو:
1- خادم المسيح الأمين.. المسيح المصلوب محور رسالته
عندما ذهب بولس الرسول إلى مدينة كورنثوس ورأى الشرور والفجور والأمور المخزية التي أغرقت المدينة.. خاف وارتعد، ولكنه رأى أن المسيح المصلوب هو الذي يقدر أن يخلص الكورنثيين من شرورهم وفجورهم وخزيهم. وكرز بالمسيح المصلوب.. وغيّر المسيح المصلوب حياة الكثيرين في كورنثوس.. وكتب لهم بولس قائلاً: "وَأَنَا لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَتَيْتُ لَيْسَ بِسُمُوِّ الْكَلاَمِ أَوِ الْحِكْمَةِ مُنَادِيًا لَكُمْ بِشَهَادَةِ اللهِ، لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا. وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ. وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ" (1كورنثوس 1:2-4).
خادم المسيح الأمين.. المسيح المصلوب محور رسالته.. وهذا يعني أنه يعلن حقيقة المسيح.. ويؤكد أنه ابن الله الحي.. ويعني أنه يعلن بأن المسيح مات ليسدد أجرة الخطية التي هي موت.. ويعني أن أي إضافة لما عمله المسيح المصلوب من أعمالنا الصالحة.. هي إهانة للمصلوب، لأنها تعني أن موته على الصليب لم يكن كافياً لخلاصنا.
وخادم المسيح الأمين عليه أن يكرز بالمسيح المصلوب الذي تحدّثت عن صلبه نبوات أنبياء العهد القديم إذ قال عنه النبي إشعياء: "وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا" (إشعياء 5:53).
أعود مكرراً: إن خادم المسيح الأمين، المسيح المصلوب محور رسالته.
2- خادم المسيح الأمين.. الحياة المصلوبة مع المسيح حياته
هذا هو اختبار الرسول العظيم بولس، وضعه في الكلمات: "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي".
(غلاطية 20:2)
فخادم المسيح الأمين قد صلب الجسد مع أهوائه وشهواته، "وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ" (غلاطية 24:5).
أما أن يدّعي الإنسان أنه خادم للمسيح، وينصّبوه رئيس أساقفة وهو يمارس الشذوذ الجنسي مع رجل.. فهذا الإنسان من الذئاب.. وهذا ادعاء كاذب.. على كل مؤمن حقيقي أن يدينه ويرفضه.
خادم المسيح الأمين، صُلب العالم له، وصُلب هو للعالم.. وهذا هو اختبار بولس الرسول الذي عبّر عنه بكلماته: "وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ" (غلاطية 14:6).
هذا صلب مزدوج.. نرى فيه العالم مصلوباً لا صورة له ولا جمال.. ويرانا العالم فيه مصلوبين لا صورة لنا ولا جمال.
إن خادم المسيح الأمين.. الحياة المصلوبة مع المسيح حياته.
3- خادم المسيح الأمين.. الامتلاء بالروح القدس هو سر قوته
لن ترتفع الرعية فوق مستوى راعيها، "ليس التلميذ أفضل من المعلم" (متى 24:10). فخادم الكنيسة غير الممتلئ بالروح القدس.. كنيسته "ثلاّجة" تجد البرودة في ترنيمها، والجمود في رسائل خادمها.. هي كنيسة تُبعد الناس عن المسيح. أما خادم المسيح الأمين فالامتلاء بالروح القدس هو سر قوته.
في سنة 1973 دعاني الدكتور جون بوندس، وكان راعياً لكنيسة بيت لحم المعمدانية بفيرفاكس – فيرجينيا، أن أكون عضواً في لجنة ستقوم بفحص ثلاثة شبان أكملوا دراستهم اللاهوتية ورشحتهم الكنيسة أن يُرسَموا قسوساً.
وقف أمامي الشاب الأول فسألته: ما هو الفرق بين سُكنى الروح القدس والامتلاء بالروح القدس؟
ولم يستطع أن يجيب.. وللأسف أن الشاب الثاني والثالث لم يستطيعا أن يجيبا.. وهذا سر تدهور الكنيسة في الأيام الأخيرة.
إن التمييز بين سُكنى الروح القدس والامتلاء بالروح القدس أمر هام جداً.. سكنى الروح القدس عطية تُعطى للمؤمن حين يؤمن بالمسيح ابن الله مخلصاً لنفسه، فسكنى الروح القدس في المؤمن دليل على أنه صار ملكاً للمسيح "وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ [أي ليس للمسيح]" (رومية 9:8).
أما الامتلاء بالروح القدس فهو أمر إلهي للمؤمن الذي يريد أن يشهد للمسيح بقوة، وأن يعيش حياة النصرة.
"ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" (أفسس 18:5). ويتطلب الامتلاء بالروح القدس إعطاء السيادة الكاملة للروح القدس على حياتنا.. وقبل الامتلاء لا بد أن تحدث عملية تفريغ.. تفريغ من الذات.. تفريغ من الآلهة الغريبة.. تفريغ من كل ثقل ومن الخطية المحيطة بنا بسهولة.. خطية العمل.. وخطية الكسل.. وخطية الإهمال. وخادم المسيح الأمين يجب أن يُفرّغ نفسه من كل ما ذكرنا، وأن يطلب من كل قلبه أن يملأه الرب بالروح القدس.
لقد أحدث الامتلاء بالروح القدس تغييراً جذرياً في حياة الرسل والتلاميذ يوم الخمسين.. فقد تحوّل الجُبن إلى شجاعة، والخوف إلى شهادة فعالة عن المسيح المصلوب.. والانقسام إلى وحدة لم يحدث لها نظير في التاريخ "وجميع الذين آمنوا كانوا معاً وكان عندهم كل شيء مشتركاً" (أعمال 44:2).
فلنذكر أن خادم المسيح الأمين.. المسيح المصلوب محور رسالته.. والحياة المصلوبة مع المسيح حياته.. والامتلاء بالروح القدس سر قوته.
فليكن هذا شعار خدمتنا كخدام أمناء للمسيح.
زميلك في الخدمة المقدسة،
القس لبيب ميخائيل