كان شاول الطرسوسي يهوديًا متعصبًا، وذهب إلى دمشق ومعه رسائل من رئيس الكهنة ليقبض على المسيحيين ويسوقهم موثقين إلى أورشليم... وحين اقترب إلى دمشق أبرق حوله نور من السماء، فسقط على الأرض، وسمع صوتًا قائلاً: شاول، شاول. لماذا تضطهدني؟"
. فقال: من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده... وأدرك شاول أن يسوع الذي صُلب على الصليب، قد قام، وصعد إلى السماء، وهو الذي ظهر له بنوره الأفضل من لمعان الشمس، وعندئذ قال: "يا رب، ماذا تريد أن أفعل؟". وأعلن له الرب أنه سيرسله لليهود والأمم، وأن هذه رسالته:
"لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ" (أعمال 18:26).
والرسالة التي أعطاها الرب لشاول الذي صار اسمه بولس الرسول هي ذات الرسالة التي يعطيها لكل خادم أمين:
1- "لتفتح عيونهم"
هذا أول جزء في هذه الرسالة: الخاطئ أعمى، والعمى نوعان: عمى البصر الذي يحرم الإنسان من رؤية النور، والأشجار، والجبال، والمخلوقات الحية، والزهور...
وعمى الذهن، وهو العمى الذي يحرم الخطاة المساكين من رؤية نور إنجيل المسيح، كما قال بولس الرسول: "وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ". (2كورنثوس 3:4-4)
وعمل خادم الإنجيل الأمين أن يفتح عيون الهالكين، وهنا على خادم الإنجيل أن ينادي بالحق المُعلن في الكتاب المقدس ويتوسّل إلى الرب أن يفتح أذهان سامعيه كما فتح قلب ليدية بياعة الأرجوان لتُصغي إلى ما كان يقوله بولس... ولما فتح الرب قلبها آمنت بالرب يسوع المسيح، وبعد إيمانها اعتمدت بالماء (أعمال 11:16-15).
2- "كي يرجعوا من ظلمات إلى نور"
هذا هو الجزء الثاني من رسالتك... فالخطاة يعيشون في الظلمات... بمعنى أنهم يعيشون في أكثر من ظلمة واحدة. فهم يعيشون في:
ظلمة العيون المشتهية: "سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا". (لوقا 34:11)
ظلمة البغضة: "مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ". (1يوحنا 10:2-11)
ظلمة الجهل: الخاطئ يعيش في جهل تام بمشورة الله، إلهه بطنه ومجده في خزيه، ولذا فهو يجهل علامات قرب المجيء الثاني للمسيح، ويحتاج إلى من يهزّه بعنف ليعرف أن مجيء الرب قد اقترب، وهذا ما قاله بولس للتسالونيكيين: "وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ. لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: ’سَلاَمٌ وَأَمَانٌ‘، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ. وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ كَلَِصٍّ". (1تسالونيكي 1:5-4)
عملك يا خادم الإنجيل أن تخرج الخطاة من الظلمات - وما أكثرها - إلى نور المسيح العجيب.
3- "ومن سلطان الشيطان إلى الله"
هذ هو الجزء الثالث في هذه الرسالة: سلطان الشيطان، سلطان رهيب! فهو يستعبد إرادة الخاطئ، ويتسلّط على أفكاره، ويهين جسده، ويعذّبه. وفي صورة المجنون الذي عاش في كورة الجدريين، نرى أن أحدًا لم يستطع أن يربط هذا المجنون الذي سكنته الشياطين ولا بسلاسل.
الشيطان هو محرّك كل الآثام، والجرائم، والاغتصاب، والشرور التي تملأ العالم... ويحتاج الخطاة إلى أن يتحرّروا من سلطان الشيطان، ولا يقدر أحد أن يحرّرهم إلا الرب يسوع المسيح، فهو الذي "إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ" (كولوسي 15:2). وهو الذي قال: "فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا" (يوحنا 36:8).
4- "حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبًا مع المقدسين"
هذا هو قلب رسالتك، يا خادم الإنجيل، أن تقود الخطاة إلى الإيمان بالمسيح لينالوا الغفران والحياة الأبدية.
وهذا ما قاله بطرس الرسول لرؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل، بعد شفائه الرجل الأعرج منذ ولادته: "فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا... وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أعمال 10:4-12).
رسالتك يا خادم الإنجيل هي أن تنادي بالمسيح المصلوب، وأن تقول مع بولس الرسول: "لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا". (1كورنثوس 2:2)
هذه رسالتك يا خادم الإنجيل، عليك أن تتمّمها لتنال إكليل المجد الذي لا يبلى. (1بطرس 1:5-4)
شريكك في الخدمة المقدسة
القس لبيب ميخائيل