"قد أبقيت في أسرائيل سبعة آلاف، كل الركب التي لم تجثُ للبعل وكل فم لم يقبِّله" (1ملوك 18:19).
سبعة آلاف، أقليّة لا تكاد تُحسب وسط أغلبية تركت الرب وعبدت الأوثان، وكلمات آية الرسالة قالها الرب لإيليا النبي.
ونحن نعيش في زمن كزمن إيليا النبي، الذي عاش في أيام حكم الملك الضعيف الشخصية أخآب، وزوجته الشريرة إيزابل.
عندما هرب إيليا النبي بعدما هددته الملكة إيزابل بأنها ستقتله كما قتل هو أنبياء البعل، وصل بعد يوم من مسيرته في البرية حتى أتى وجلس تحت رتمة. والرتمة شجرة كثيرة الأغصان، وهناك سأله الرب: "ما لك ههنا يا إيليا؟ فقال: غرت غيرة للرب إله الجنود، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك، ونقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف، فبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" (1ملوك 13:19-14). وهناك قال الرب لإيليا: "أبقيت في إسرائيل سبعة آلاف، كل الركب التي لم تجثُ للبعل (إله الإخصاب) وكل فم لم يقبِّله".
هذه الأقلية اتصفت بثلاث صفات:
هم مختارون: أبقاهم الرب نفسه لنفسه
وهم معدودون: سبعة آلاف
وهم محفوظون: لم تجثُ ركبهم للبعل
وإذ نتلفّت حولنا في هذا العصر، نرى أن التاريخ يعيد نفسه، فنحن نعيش وسط أغلبية ارتدّت عن الله، وقالت له بوقاحة: "أبعد عنا، وبمعرفة طرقك لا نسرّ. من هو القدير حتى نعبده؟ وماذا ننتفع إن التمسناه؟" (أيوب 14:21-15).
ومع ذلك ففي وسط تدهور ووقاحة الأغلبية، فهناك أقلية أمينة، وهم مختارون، ومعدودون، ومحفوظون.
كتب بيتر روكمان Peter Ruckman في كتابه "شرح إنجيل متى" ما يلي:
من بين 1000 خادم للإنجيل في ولاية سنسناتي بأمريكا، أقلّ من 50 خادمًا اعترفوا بأنهم مولودون ثانية، ومن بين هؤلاء الـ 50، لا يوجد أكثر من 20 خادمًا يؤمنون بالكلمات: "وهذه هي الشهادة: أن الله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة، ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يوحنا 11:5-12)، أو بالكلمات: "وكان عيد التجديد في أورشليم، وكان شتاء. وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سليمان، فاحتاط به اليهود وقالوا له: إلى متى تعلّق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرًا. أجابهم يسوع: إني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي، كما قلت لكم. خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد" (يوحنا 22:10-30). ولا يؤمنون بسفر رؤيا يوحنا.
لقد أخبرنا الرب يسوع المسيح أنه في الأيام الأخيرة "يقوم أنبياء كذبة ويضلون كثيرين" (متى 11:24). وكتب بولس الرسول إلى تيموثاوس قائلاً: "أنا أناشدك إذًا أمام الله والرب يسوع المسيح، العتيد أن يدين الأحياء والأموات، عند ظهوره وملكوته: اكرز بالكلمة. اعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب. وبّخ، انتهر، عظ بكل أناة وتعليم. لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق، وينحرفون إلى الخرافات" (2تيموثاوس 1:4-4).
وكلمة "مستحكّة مسامعهم" تعني أن آذانهم مصابة بالحكة أو بالجرب، فهي لا تحتمل سماع الحق، وتحب سماع الخرافات، أي الأساطير، والقصص الخيالية، والمعجزات التي تُنسب إلى القديسين الذين ماتوا، والتي تلهب خيالهم المريض، وتبعدهم عن الحق المعلن في الكتاب المقدس.
هذا يأتي بنا إلى حديث بولس الرسول إلى قسوس كنيسة أفسس، إذ قال لهم:
"احترزوا إذًا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه (والحديث هنا عن الله الابن يسوع المسيح). لأني أعلم هذا أنه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم. لِذلِكَ اسْهَرُوا (كونوا متيقّظين)، مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي ثَلاَثَ سِنِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا، لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ. وَالآنَ أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي للهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، الْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ مِيرَاثًا مَعَ جَمِيعِ الْمُقَدَّسِينَ" (أعمال 28:20-32).
هذه كلمات تهزّ الكيان، ولكنها تحذّرنا من الذئاب الخاطفة التي ستدخل بين خدام الله... تحذّرنا من أولئك الذين يتكلمون بأمور ملتوية... تحذّرنا من الذين يعلنون أنهم إنجيليون، وفي ذات الوقت يقولون أنهم يؤمنون بظهور مريم العذراء في عدة أماكن وهم يعرفون بأن مريم أم يسوع ماتت، وأخفى الله قبرها فلم يذكر مكانه في سفر أعمال الرسل حتى لا يتعبّد لها الناس، أو يلجأون إليها ويطلبون شفاعتها.
وخدام الإنجيل الذين يتلاعبون بالحق الكتابي، ويجعلونه موضوع مساومة يقولون أنهم يفعلون هذا في سبيل وحدة الكنائس الكاثوليكية، والأرثوذكسية، والإنجيلية، لتقف ضد التيارات المعادية. ولا أدري كيف تحدث هذه الوحدة، والاختلافات بين الكنائس الإنجيلية والكنائس التقليدية اختلافات جوهرية.
قال تشارلس سبرجن الذي خدم جيله بمشورة الله في إنجلترا: "على كل مؤمن حقيقي بيسوع المسيح، أن يعلن أن انفصاله واعتزاله عن العالم والجماعات المتلاعبة بالحق لا رجوع فيه، وأن ينادي بكلمات لا غموض فيها: أنا مع المسيح، والصليب، والحق المعلن في الكتاب المقدس".
وقال دوايت لريمان مودي الذي ربح الألوف للمسيح: "من بداية الكتاب المقدس لنهايته، ينادي الكتاب المقدس بالولاء للحق المعلن فيه، وباستحالة التلاعب بمحتوياته، أو بالثقة في إله غير الإله المعلن على صفحاته".
فيا خادم الإنجيل، احذر التلاعب أو التساهل مع الحق، لئلا تضع نفسك بين الذئاب الخاطفة التي لا تشفق على الرعية، وتعرّض نفسك للدينونة الأبدية.
شريككم في الخدمة المقدسة
القس لبيب ميخائيل