من الأمور التي لا غنى عنها لكل خادم، والتي هي مصدر من مصادر المعرفة عامل المطالعة. ولست أقصد هنا أي صنف من المطالعة، إنما ما أعنيه المطالعة التي تفتح أمام الخادم آفاقًا جديدة غنية بالمعلومات الروحية أولاً ثم المعارف الحياتية التي تمدّه بفيض من الاختبارات والأمثلة التي من شأنها أن تلقي أضواء ساطعة على ما يريد إيضاحه أو ترسيخه في عقول المستمعين.
الكتاب المقدس: وإذا أردنا أن نتمثّل بالمسيح – وهذا ما يجب أن نفعله دائمًا – نراه يقتبس من العهد القديم، ويستوحي من الطبيعة، ومن التجارب اليومية ما يسعفه على تبيان ما يرغب أن يشرك به الجماهير التي كانت تتزاحم حوله، بأسلوب مبسط شيّق يسلب قلوب الكثيرين، ويثير فيهم الفضول ويلهب قلوبهم بالأشواق. ومع أن وسائل الإعلام الحديثة كالصحف والمجلّات والإذاعة والتلفاز وغيرها من مخترعات الحقب المعاصرة لم تكن متوافرة في زمن المسيح، فإن رؤياه التي كانت تستهدف تحرير البشرية من عبودية الخطيئة حملته على استخدام الأساليب والمفاهيم الصالحة لتبليغ بشارة الخلاص لهذه النفوس الجائعة التي راحت تلتهم كلمات النعمة من شفتيه.
ولأن ما كرز به المسيح كان يتجاوب مع أشواق الجماهير، اخترقت تعاليمه شغاف قلوبهم، وأضرمت فيها اللهفة، وكانت الصفة الغالبة على مواعظه أنه كانت يتكلم بسلطان.
ومن هنا، في رأيي المتواضع، وفي هذا العصر الذي نعيش فيه الذي أصبح فيه العالم قرية كبيرة، وتعاقبت فيه الأحداث بسرعة غريبة، وانتشرت فيه الأنباء المحلية والعالمية كومض البرق، يتوجّب على الخدام أن يكونوا على اطّلاع واسع بما يجري حولهم، ليستفيدوا مما توفِّره ظروف الحياة من أمثلة تترك صدى أعمق في نفوس الحاضرين.
ولكيلا يسيء أيّ قارئ ما أعنيه، أودّ أن أتحدّث عن مصادر المعرفة التي في وسع أيّ خادم أن يعتمدها لإثراء ما يلقيه على مستمعيه.
إن كل خادم يعرف تمام المعرفة أن الكتاب المقدس هو دستورنا لكل تعليم أو موعظة أو دراسة روحية، ويعلم أيضًا أن محور هذا الدستور الإلهي هو الرب يسوع المسيح. ومعنى ذلك أن الأساس الأصيل الذي نبني عليه مواعظنا وتعاليمنا هو الكتاب المقدس الموحى به من الله الذي لا يعروه تغيير ولا تبديل. قد تختلف التفاسير أحيانًا، ولكن النصوص لم يطرأ عليها التحريف. فإذًا، إن المطالعة الأولى الأساسية التي تحتّمها الحقيقة هو الكتاب المقدس؛ وعلى كل خادم أن يتعمّق في التأمّل بآياته تحت إرشاد الروح القدس من غير أن يتأثّر بآراء أصحاب النظريات التي تحاول أن تقوّض ما جاء به الوحي الإلهي ولا سيما في العقائد التي بني عليها إيماننا المسيحي. فالكتاب المقدس هو المصدر الأول والأخير الذي نحتجُّ به ونستلهم تعاليمه، ونطبّق وصاياه، ونرفض ما يخالفه لأن الله لا يخطئ أبدًا.
ومن هنا، على الخادم أن يكون متضلّعًا بالكتاب المقدّس لأنه مرجعه الأول والأخير. فعندما جابه الرب يسوع المسيح رؤساء الكتبة والفريسيين وأتباعهم الذين سعوا لاضطهاده وانتقاده، قال لهم بكل صراحة: "فتّشوا الكتب لأنكم تظنّون أن لكم فيها حياة... لا تظنّوا أني أشكوكم إلى الآب. يوجد الذي يشكوكم وهو موسى... لأنكم لو كنتم تصدّقون موسى لكنتم تصدّقونني لأنه هو كتب عني..." (يوحنا 39:5-46) وعندما تتوافر المعرفة الكتابية يشرع الروح القدس في عمليّة الإرشاد التي تلبّي احتياجات المستمعين وتخاطب قلوبهم.
مراجع أخرى: ولكن إن كان الكتاب المقدس هو الدستور الذي نعتمده في كل مواعظنا، وإرشاداتنا في إعلان خطة الله للخلاص، والنموّ، والقداسة، وبناء جسد المسيح أي الكنيسة، فهناك مراجع أخرى مجدية تُسعفنا على توسيع مداركنا الروحية المستمدة من واقع الحياة اليومية، أو القائمة على اختبارات الآخرين الروحية، أو ما يمكن أن نسترشد به من جراء أحداث أخرى أصابتهم وكيف تعامل الله معهم. ويمكنني هنا أن أُقسم هذه المطالعات إلى قسمين رئيسين:
أ- المطالعات الروحية وهي كثيرة. فالمكتبة المسيحية، منذ نشأت المطبعة أصبحت تتراكم على رفوف المكتبات في جميع أنحاء العالم لا فرق في ذلك إن كانت كتب التفاسير، أو سِير المرسلين، أو الدفاعيات عن الدين المسيحي، أو المؤلفات القصصية المسيحية، أو الدراسات التي تتعلق بعلم النفس المسيحي، أو الإرشاد العائلي، وأصول التربية، وكتب التاريخ الكنسي، وقصص أبطال الإيمان، وأخبار النهضات وغيرها، فضلاً عن المجلات والصحف المسيحية، التي تحمل لنا أحداث ما يجري في أوساط الكنيسة المسيحية في العالم، وسواها من المراجع. إن الاطلاع على مثل هذه المؤلفات له تأثير فعّال في حياة كل خادم لأنها مصدر تشجيع للصلاة، والتعزية، والمشاركة، وتُعمِّق من اختبارات الكارز، والواعظ، والراعي، وتحفّزه على الإشارة إليها لأعضاء كنيسته وحثهم على مطالعتها لما تتميّز به من فوائد جمّة روحية وعملية.
ب- المطالعات العلمية والأدبية: قد يعتقد بعض المؤمنين أو حتى الخدام أن من الخطأ أن ينكبّ المؤمن على مطالعة المؤلفات أو الدراسات غير المسيحية خوفًا من تأثيرها على الحياة الروحية. قد يكون في ذلك كثير من الصحة إن كانت هذه الكتب تمسّ الفضائل والأخلاق والقيم الأدبية والمسيحية. في مثل هذه الحال من الواجب المحتّم أن يتفاداها المؤمن ويحذّر منها. غير أنه في وَسع الخادم أن يكشف عن مساوئ هذه المؤلفات ويؤكد بأمثلة كثيرة عن مدى تأثيرها الرهيب على حياة الإيمان وكيف أنها دمّرت حياة كثير من العائلات والشبان والشابات.
لكن ما أشجِّع عليه هو أن لا يعيش الخادم في قوقعة وكأن العالم الذي يحيط به لا وجود له، فهناك جانب آخر من المجتمع الذي تنعكس مظاهره في المؤلفات، والدراسات العلمية وما يتعلّق بالأمراض، والمخترعات، والاكتشافات الأثرية، والأحداث السياسية، والاتجاهات الفكرية على اختلافها والتي في طوق الخادم أن يحذّر أعضاء كنيسته من سموم بعضها لأنها تناقض تعليم الكتاب أو يتناول من البعض الآخر ما يعين على الفائدة ويستخدم هذه المعارف في نشر ملكوت السماوات فيكون كما قال المسيح: "من أجل ذلك كل كاتب متعلّم في ملكوت السماوات يشبه رجلاً ربّ بيت يخرج من كنزه جددًا وعتقاء." (متى 52:13)
وقصارى القول، إن اهتمام الخادم بالمطالعات التي تغذّي خدمته في نشر الملكوت، وتساعده أن يُخرج من كنزه جددًا وعتقاء له تأثير مجدٍ في نموّ الكنيسة واتساع آفاق السامعين.
أخوكم في خدمة الرب صموئيل عبد الشهيد