إن الصلاة هي أعمق صور ممارسات العبادة وأشدها تأثيرًا في بنيان الكنيسة بصورة عامة، ونموّ الفرد بصورة خاصة. ومع أن هذه الحقيقة الجوهرية ظاهرة بارزة في تعليم الكتاب المقدس بعهديه، فإن اللفيف الأكبر من المؤمنين يتهاونون في ممارستها وكأنها تقليد تافه يمكن أن يُهمل لأن لا جدوى منه. ودليلي على هذا الوضع المؤسف هو أن اجتماع الصلاة في معظم الكنائس هو أضعف الخدمات العبادية التي تقوم بها الكنيسة.
ولو قمنا بإحصاءٍ موضوعيٍّ بين الكنائس وطرحنا على رعاتها هذا السؤال الخطير: كيف حال اجتماع الصلاة في كنائسكم؟ لجاء الجواب محزنًا، مؤلمًا يدعو للرثاء. ولديّ الثقة الكاملة أن معظم قلوب الرعاة مثقلة بالأسى لضآلة تجاوب أعضائهم لدعوة الصلاة.
هناك إشارات واضحة وملزمة في الكتاب المقدس عن ضرورة الصلاة الفردية والجماعية لأن الصلاة هي القناة الحية للاتصال برب الكون خالق السماوات والأرض. والواقع أنه ليست هناك وسيلة أكثر فعالية للمثول أمام الحضرة الإلهية من وسيلة الصلاة.
نحن نعلم، رعاة وأعضاء، أن المسيح الأقنوم الثاني في الوحدانية الإلهية قد اعتمد من حيث هو ابن الإنسان، على الصلاة ليلقي علينا درسًا بليغًا في علاقة الآب مع خليقته البشرية. فنراه، وهو المثال الأعلى، يذهب إلى الخلاء، أو يرتقي إلى قمم الجبال لينفرد، في اعتكاف روحي بعيد عن ضوضاء الحياة اليومية، ليصلي ويتناجى مع الآب السماوي. فنقرأ في مواضع كثيرة نظير هذه الآيات: "وبعدما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفردًا ليصلي." (متى 23:14)؛ وورد في إنجيل مرقس 46:6 "ومضى إلى الجبل ليصلي." وفي موضع آخر يقول الكتاب المقدس عنه أنه ذهب "إلى موضع خلاء ليصلي." (وراجع أيضًا لوقا 16:5؛ 18:9 و28) لأنه كان للصلاة دور مهم في حياة المسيح حتى في ليلة القبض عليه وصلبه.
وليس ذلك فقط، فإن المسيح ورسله علّمونا دائمًا أن نصلّي بلا انقطاع (1تسالونيكي 17:1). ونقرأ في إنجيل لوقا وصية المسيح "أنه ينبغي أن يصلّى كل حين ولا يُملّ." وفي إنجيل متى 26:24 يوصي المسيح تلاميذه والكنيسة من بعدهم "اسهروا وصلوا." وأكثر من ذلك، فإن بولس الرسول يلحّ على أعضاء الكنائس بقوله "وأما نحن فنواظب على الصلاة." وفي كولوسي 2:4 يحثهم قائلاً: "واظبوا على الصلاة ساهرين." وما أروع قول صاحب المزامير عندما يقول "أما أنا فصلاة." (مزمور 4:109) بل إن المسيح الذي ثارت نفسه غضبًا على الباعة، والغنم، والصرافين فطردهم من الهيكل في سورة غضبه المقدس هاتفًا: "بيتي بيت الصلاة يُدعى،" بمعنى بيت العبادة. لم يقل إنه بيت الوعظ، أو أي شيء آخر، بل أكّد أن هذا هو بيت الصلاة والعبادة، وكأنه أراد أن يذكِّر الكهنة والكتبة والفريسيين، بقداسة الله وجلاله وأنه قد أقام الهيكل ليكون مكان صلاة وعبادة وخشوع أمام الحضور الإلهي، بل إن قدس الأقداس كان عرش الله في الهيكل ورمزًا لبهاء مجده.
ولكن لا بدّ لنا أن نتوقّف هنيهة لنتأمل في سؤالين خطيرين أولهما: لمن نصلّي؟ وثانيهما: كيف نصلي؟ ويمكننا أن نضيف سؤالاً ثالثًا هو: ماذا نصلي؟
"وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ، لَمَّا فَرَغَ، قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلاَمِيذَهُ». فَقَالَ لَهُمْ: «مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ..." (لوقا 1:11-2) وفي إنجيل متى يقول المسيح: "وأما أنت فمتى صليت... صلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء..." (6:6)
فالمؤمنون، رعاة وأعضاء، يصلّون إلى الله الحي في وحدانية ثالوثه؛ وهو أيضًا بفضل محبته ورحمته، يتعامل مع المؤمن كما يتعامل الأب مع ابنه. لأن "كل الذين قبلوه فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ..." وهذه العلاقة الروحية المقدسة هي علاقة تبنّي يتمتّع فيها المؤمن بجميع امتيازات البنوّة التي حرم منها العبد الذي يخدم في منزل سيده. ومن هنا، إن المؤمن بالمسيح قد شُرّعت في وجهه أبواب اللقاء المستمر بأبيه السماوي، وظلّت خطوط الاتصالات اليومية مفتوحة لا تغلقها سوى الخطية.
إذًا نحن نصلي إلى إله حيّ محب وهو الذي يعلن: "وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ" (إرميا 12:29) وفي إرميا 20:9 يردد النبي: أتكلم وأصلي وأعترف..." والرب يسمع ويستجيب لأنّات قلب الإنسان المؤمن.
ولكي يستجيب الله لهذه الصلوات عليها أن تكون بالروح كما يشير الرسول بولس: "أصلي بالروح." (1كورنثوس 15:14) ومن شأن المؤمن أن يصلي إلى الله كما يقول صاحب المزامير: "لهذا يصلي لك كل تقيٍّ." (6:32)
وفي مزمور 2:5 نقرأ: "يا ملكي وإلهي، لأني إليك أصلي." ومن حق الله علينا أن نصلي له لأنه خالقنا ولأنه افتدانا في شخص ابنه يسوع.
فالمستقيمون يطلبون مرضاة هذا الإله الرحوم (أمثال 8:15)؛ كما يستمع الله إلى صلوات الصديقين ويستجيبها. وعندما نصلي إلى الآب فإننا نصلي أيضًا للابن القائل: "أنا والآب واحد."
ولكن كيف نصلي؟
إن الصلاة المقبولة لدى الله هي الصلاة النابعة من القلب المؤمن المتيقّن بالإيمان بأن الله يدرك ما هي احتياجاتنا روحية كانت أم جسدية، وأنه يعرف ما هو الأفضل لنا؛ وأننا مستعدون دائمًا للتسليم الكلي لإرادته ومشيئته ونتقبّلها برضى وغبطة. أي أن تكون صلواتنا في انسجام كامل مع الإرادة الإلهية. عندئذ تضحي هذه الصلوات كبخور زكي تتصاعد أمام عرش الله. هي صلوات ترتفع فيها أعيننا إلى الجبال من حيث يأتي عوننا، ونضع فيها كل اتكالنا على الله وحده.
ولكن إذا كانت خطوط الاتصال معطلة من جراء الخطيئة فإن الله يقول: "وإن كثّرتم الصلاة لا أسمع." (إشعياء 25:11) وعلينا في مثل هذه الحالة أن نتنقّى متوسلين إلى الله، كما فعل داود النبي، أن يخلق فينا قلبًا نقيًّا. "قلبًا نقيًا اخلقْ فيّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدّد في داخلي." إن الله يستنكر صلوات المرائين والمتظاهرين بالتقوى لأنه يطلب دائمًا قلوبًا تائبة، ونفوسًا متشوّقة للشركة معه.
وكذلك، فالصلاة هي جهاد وممارسة مستمرّة في كل يوم لأننا في معركة يوميّة طاحنة مع قوات الشر الروحية، ومن غير قوة الصلاة نجد أنفسنا في مواقف الهزيمة. نعم، إن الصلاة جهاد حق وممارسة حق.
أما مضامين الصلاة فهي تتعدّد بتعدّد الظروف والأحوال، وسأورد هنا بعضًا منها على سبيل المثل:
صلوات التوبة والغفران.
صلوات من أجل خلاص النفوس.
صلوات في أثناء الضيقات والاضطهاد.
صلوات من أجل النهضة في الكنيسة.
صلوات من أجل ربح النفوس.
صلوات من أجل طلب الإرشاد الإلهي.
صلوات من أجل الآخرين من المتألمين والحزانى.
صلوات من أجل خدمات الكنيسة المختلفة.
صلوات الراعي من أجل الرعية (عدد 7:21).
صلوات الرعية من أجل الراعي وعائلته.
صلوات لكيلا ندخل في تجربة (لوقا 40:22).
صلوات من أجل المسيئين إلينا.
صلوات من أجل الرؤساء والسلاطين.
صلوات من أجل أفراد عائلاتنا.
صلوات من أجل استتباب الأمن والسلام.
صلوات الشكر والحمد والتسبيح لله.
وأخيرًا، عندما تجتمع الكنيسة راعيًا ورعية وتصلي بروح واحدة وقلب واحد، يتزعزع المكان، وتفكّ الأغلال، وتتفتّح أبواب السجون، ويتمجّد الله.
أخوكم في خدمة الرب،
صموئيل عبد الشهيد