كتب بولس الرسول إلى ابنه في الإيمان تيموثاوس يقول: «إلى أن أجيء اعكف على القراءة والوعظ والتعليم.
لا تهمل الموهبة التي فيك... اهتم بهذا. كن فيه لكي يكون تقدمك ظاهرًا في كل شيء.» (اتيموثاوس 13:4-15)
ليس سرًّا أن أقول إن كثيرين من خدام الإنجيل أهملوا القراءة، والبعض يقرأون ما لا يفيد... وبولس الرسول عرف قيمة القراءة فقال لتيموثاوس خادم الرب: «اعكف على القراءة...» وأنا أعيد هذه الكلمات ليذكرها كل خادم من خدام المسيح.
من بداية الخليقة، ربط السيد الرب الرجل بالمرأة بعلاقة حميمية عندما قال: "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا." (تكوين 24:2) وأكّد السيد المسيح هذه العلاقة بقوله: "إذًا ليسا بعد اثنين بل جسدٌ واحدٌ. فالذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان." (متى 6:19) وفي حال انفصال الاثنين، يعتبر هذا زنا. لذلك من الضروري أن يكون للاثنين علاقة تلاحم، علاقة حبّ وترابط وثيقة.
ومن جهة أخرى، ارتبط الابن بالآب في علاقة حميمة منذ الأزل. "الله لم يرَهُ أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب (المتّحد بالآب) هو خبّر." (يوحنا 18:1). وقال الرب يسوع: "صدقوني أنّي في الآبِ والآبَ فيّ." (يوحنا 11:14)
وكذلك، الكنيسة مرتبطة بعلاقة حميمة مع رأسها الذي هو المسيح. "وإيّاه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكلّ." (أفسس 22:1-23)
هذه المقدمة حوّلتها تشبيهًا إلى العلاقة الحميمية بين الخادم وسيّده الرب الحبيب يسوع المسيح، الذي دعاه لخدمته وحمل رسالة الإنجيل، الخبر السار للآخرين. وإن كان كل وقت الخادم وحياته يجب أن تكون مكرّسة لشخص الرب تمامًا، فإن هذا يبدأ بالعلاقة اليوميّة الحميميّة معه التي نبدأ بها يومنا، وما يُطلق عليها "الخلوة الشخصيّة اليوميّة"، الشركة الشخصية معه. وكما تعلمون أن كلمة "خلوة" تأتي من "اختلى" التي تعني انفرد، أي أن ابتعد عن الأنظار، كما قال الرب يسوع المسيح: "وأما أنت فمتى صلّيت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك، وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية." (متى 6:6) إن نجاح خدمتنا يتوقّف على وقت الاختلاء مع الرب ومدى عمق العلاقة الحميمية معه. ومهما تكلمنا عن نجاح كثيرين من الخدام بسبب ما لهم من عمق العلاقة مع الرب، يبقى مثالنا الفريد والمتفرّد هو شخص ربنا يسوع المسيح، له كل المجد. فهو كان يقضي الوقت الباكر من الصبح على الجبال في خلوة مع الآب، فيقول الوحي عنه: "وفي الصبح باكرًا جدًا قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء، وكان يصلّي هناك." (مرقس 35:1؛ متى 13:14، 23) فقد تعوّد يسوع أن يبدأ برنامجه اليومي بالخلوة مع الآب.
لا نضع رؤوسنا في الرمال كما تفعل النعامة، بل لنعترف أننا قد انشغلنا نحن معشر الخدام بالخدمة كثيرًا وأهملنا وقت الخلوة، أو اختصرناه لدقائق، وربما نقضيها في السيارة ونكتفي بذلك بحجة أنه لا يوجد وقت، والبرنامج اليومي مزدحم، فجاءت نتائج الخدمة ضحلة جدًا، ولا سمك في شباكنا. فلندخل إلى العمق ونلقي شباكنا للصيد الوفير. فإن كان اهتمامنا بالخدمة ضروري ومهم جدًّا، إلا أن الأكثر أهمية هو وقت الخلوة الشخصية مع الرب، فلا يأخذ المهم وقت الأهم، ولا الحسن وقت الأحسن. وصدق من قال: المهمّ عدوّ الأهم والحسن عدوّ الأحسن.
زميلي العزيز،
الخلوة اليومية مع شخص الرب مبنية على أساس العلاقة الحميمية معه، أي الارتباط الوثيق به في شركة لا انفصام أو انفصال فيها، نكون واحدًا فيه وهو فينا، بحياة تكريس وقداسة. وبدون هذه العلاقة تكون الخلوة مجرّد روتين تعوّدنا عليه. بل لتكن الخلوة هي وقت تلذُّذٍ وشبعٍ بالرب، كما يقول الكتاب: "تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك." وكما قالت عروس النشيد: "ما دام الملك في مجلسه" (أي على مائدته) أفاح نارديني رائحته." (نشيد 13:1) "تحت ظلّه اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي." (نشيد 3:2)
والخلوة هي المستودع أو المخزن الذي نتزوّد منه ونأخذ حاجاتنا اليومية الروحية والزمنية.
والخلوة هي البخور اليومي المرفوع على مذبح الله الذي منه تنبعث رائحة الخدمة القوية المثمرة. فانطفاء نار الخلوة اليومية في حياتنا لا يُمكّننا من أن نشتمّ رائحة البخور في خدمتنا أو في الكنيسة.
وأيضًا، الخلوة هي القوة المحرّكة لعمل الروح القدس واستدعائه ليملأ حياتنا كما حدث للتلاميذ يوم الخمسين، حينما انطلقوا مبشرين وفتنوا المسكونة. بدون الخلوة الحقيقية مع الرب تكون خدمتنا شكلية وبلا ثمر.
والخلوة أيضًا هي جهاز الأشعة الذي يكشف لنا نقاط الضعف في حياتنا، فنأتي بها أمام الرب في تواضع وانكسار فننال قوة من الرب وعونًا في حينه للتغلّب على ضعفاتنا.
والخلوة هي حائط الصدّ لعدوِّ نفوسنا، الذي لا يتوقّف عن الهجوم على أفكارنا، وأجسادنا، وبيوتنا، واجتماعاتنا، لأنه كأسد زائرٍ يجول ملتمسًا من يبتلعه هو: فلنقاومه بالكلمة والصلاة، وهنا يصدق القول المأثور: "الركب الساجدة أقوى من الجيوش الزاحفة."
كل خادم أمين محب للرب يعرف جيدًا أهمية الخلوة اليومية وتأثيرها على حياته وأسرته وخدماته في كنيسته وخارجها.
أحبائي، كلنا في نفس القارب - أنا وأنتم - نحتاج أن نجدّد علاقتنا بالرب، وندخل عرش النعمة. فلنبدأ برنامجنا اليومي بلقاء الرب أولاً، قبل أي خدمة أو أي عمل ننشغل فيه أو به، فنجد نعمة وعونًا في حينه. آمين. زميلكم في الخدمة المقدسة، القس منير سليمان
الكنيسة المسيحية العربية – هيوستن، تكساس