Voice of Preaching the Gospel

vopg

نشرة مع الخدام

أشرت في مقال سابقٍ إلى أنّ الدعوة إلى التوبة لم تعُدْ تلعب دورًا هامًا في حياة المؤمن اليوميّة عندما يقول أنّه مسيحيٌّ قد اختبر نعمة الخلاص.

والواقع أن الإيمان الحقيقي في ذهن من اختبر، أو كما يقول المؤمن، هي صورة تلاشى بريقها المتوهّج، وتلفّعت بغمامة داكنة لم تعُد تترك أي أثرٍ إلا في حالات نادرة إذ سبق لها أن كفّنت حياته بظلمة دامسة قبل أن يتعرّف على شخص المسيح تعرُّفًا شخصيًّا نقله من وضعٍ أليمٍ تذوّق فيه التعاسة المرّة. وهو، في مثل هذه الحالة، يستطيع أن يتبيّن الفارق الكبير بين الوضع الفكري والنفسي، والجسدي الذي كان عليه، والحالة الجديدة التي أصبح عليها.
غير أن الخطيئة هي خطيئة ولا يستطيع أحدٌ أن يتحرّر منها، أو يَفُكّ أغلالها عن نفسه إلّا إذا وقف ذلك المرء أمام مجزرة الصليب التي استطاعت أن تزيح تلك الغمامة الداكنة وتكشف للخاطئ عن نتائج الخطيئة، فتثير في نفسه كل غضبٍ وسخطٍ على الواقع الرهيب الذي يراه حيًّا أمام عينيه في مجتمعٍ قد تلوّث بالمفاسد والإثم. والإثم هو الخطيئة بعينها التي يشمئزّ منها القلب المُدمّى الذي وقف وجهًا لوجهٍ أمام حقيقة راهنة تبعث على الرعب والتمرُّد. ولكن هذا الرعب والتمرّد يعجزان أن يفعلا أيّ شيءٍ من غير أن تتجلّى مظاهر الخطيئة التي تولّد في أعماقه كل مقت وكراهية، والتي تبدو لها في الصليب تلك القوة القاهرة التي في وسعها أن تمدَّه بالقوّة وتنقذه من فعاليتها. فالخطيئة في حدّ ذاتها هي قوة جبّارة تتراءى للمرء في بداية عهدها مُبهرجة بالأضواء، والألوان البرّاقة، وتلوح للمرء من بعيد برّاقة مثيرة، ولكن ما أن يقترب المرء منها، ويلمسها بيديه تنقلب إلى نار آكلة تتملّك كيانه، وتشعل فيه لهبًا رهيبة يخفق في القضاء عليها، بل تتحوّل إلى وهج حارقٍ تفضي بالإنسان إلى نيرانها الملتهبة التي لا يخمد أوارها أو يستكين.
غير أن الصليب المدمّى هو القوة الوحيدة التي في وسعها أن تطفئ هذه النيران، وتقضي على أجيجها، وتنقذ الإنسان من الكارثة الرهيبة التي أصبح عليها، لأن موت الصليب، وتدفّق الدماء الطاهرة الزكية من جسد المخلص الفادي، يجعلان فيهما القوة للقضاء على قوة أبدية الجحيم، بل تنقل تلك الطبيعة المحكوم عليها بالعذاب الأبدي إلى فردوس الله لأن ملكوت الله يحلّ في قلب المؤمن، فيحيا فيه المسيح الذي مات من أجله على الصليب.
وفي هذه الحالة المدهشة تتراجع قوى إبليس إلى مصادرها ولا تستطيع أن تتجاوز حدودها المفروضة لأن القلب البشري آنئذٍ قد تمّ اقتطاعه من مملكة الإثم وأصبح الآن يتمتّع بأمجادٍ سماويةٍ حتّى في أثناء وجوده على هذه الأرض. ولست أشكّ لحظة أن ملكيّة القلب البشري التي أصبحت مسيّجة بقوّة الملكوت السماوي قد أصبحت الآن مضمونة في ظلال رأفة القدير ومحبته ورحمته.
لم يكن في وسع الخطيئة أن تفنى بحدّ ذاتها. ولكن في طوقها أن تظلّ رهينةَ قبضة إبليس، لقد أصبحت في تلك اللحظة الممجّدة خارج ملكوت خالق السماوات والأرض. أصبح الله هو المحافظ على طهارة النَّفس التي يقدّسها بحنانه ورحمته وجلاله، ويغدق عليها بدفق محبته كل ما تحتاج إليه من عطفٍ وصبرٍ ولطفٍ، وحتى من تأديبٍ. فالرب، الإله الحيّ، يؤدّب أولاده وهم ما برحوا على قيد الحياة لأنه يحبهم، ولا يُسلّمهم إلى يدٍ أثيمةٍ تعبث بمصائرهم، وتختطفهم من يده. فهو في ظلال محبّته يترأّف عليهم، ويشذّب مساوئهم، وينعم عليهم ببركاته ورحمته. وعندما ينتقلون من مقرّهم الأرضي المؤقت ويصعدون إلى شواهق سمائه يتمتّعون حينذاك بأمجاده التي يعجز إبليس عن البلوغ إليها.
إلا أن هذه الحقائق الجوهرية التي لا بدّ للمؤمن الحقيقي أن يتنعّم بها، يجب أن تمرّ أوّلاً بالصليب، وتغتسل بالدماء النازفة من جراح فادي العالمين. هذا الاغتسال الحيّ هو الخطوة الأولى بعد إدراك شناعة مظاهر الخطيئة ونتائجها المرعبة. إن التحرّر منها – وهو ما يتمّ فعلاً – هو السبيل الأوحد بعد الاطّلاع على وجودها، للبدء في درب النجاة للحياة الأبدية. فالخاطئ، مهما بلغ من القوة الجسدية يعسر عليه أن يتقدّم خطوة واحدة وهو مثقل بخطاياه. عليه أولاً أن يدرك أن الدم المسفوك هو الذي يحرّره من أثقال آثامه ونقائصه، وعندئذٍ يضحي في وسعه أن يجتاز الطريق إلى حيث يستكين إلى سلام المسيح. هل هناك مخاطر أُخرى تحاول أن تعترض حياة المؤمن المتجّدد؟ نعم، وهي كثيرة، ولكنه في مسيرته الأبدية في الدرب الجديد يعبر الطريق غالبًا.
أخي الحبيب، يا من تتوق نفسك أن تختطف أي إنسان جانح مغلول بالخطيئة، أضعُ مثل هذا الإنسان بين يديك. وفي وسعك، بنعمة المسيح أن تدعوَه إلى التوبة والاغتسال بالدماء النازفة لكي ينجوَ من مصيره الأبدي الرهيب. فقد اجتزت أنت من قبله من عالم مظلم إلى نور هداية المسيح. ومن ثم حملت منارة النور الباهرة لكي تجتذب إليه الضائعين السالكين في الظلمات كي ينتقلوا إلى مجد نوره العجيب، فهل نسيت الطريق؟

المجموعة: 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

188 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10663190