Voice of Preaching the Gospel

vopg

نشرة مع الخدام

بينما كان موسى يرعى غنم حميه يثرون في البرية لاحظ شجرة تشتعل دون أن تؤذيها النار فلم تحترق. عندها اقترب موسى من المشهد ليتحقّق من الأمر، فناداه الله من قلب الشجرة:

«لا تقترب إلى ههنا. اخلعْ حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرضٌ مقدسة.» (القدسية حينها لم تكن لتربة الأرض أو لجغرافية المكان بل لأن الرب حالٌ فيه). وكلّمه الرب من وراء حجاب الشجرة الملتهبة، وعرَّفه بذاته، ودعاه لقيادة شعبه، وحمَّله المسؤولية لتحريرهم من عبودية فرعون.
عندها حاول موسى أن يتهرّب من المهمة، وطلب أن يُعفيه الرب وينتدب غيره، فطمأنه بتكليف هرون ليقف معه ويسانده.
ورجع موسى عند المساء واسـتأذن حميه ليعود إلى مصر ويلتقي بأهله ويتفقد أحوالهم. وفي اليوم التالي أخذ امرأته وبنيه ورجع إلى مصر بعد غياب دام أربعين سنة، والتقى بأخيه هرون.
وبدأ موسى وهرون بحوارات مضنية مع فرعون ليطلق الشعب ولم يتوصلا إلى نتيجة، فأنزل الله على فرعون الضربات العشر وبقي فرعون يعاند، وبعد الضربة العاشرة دعاهما فرعون وتوسّل إليهما أن يخرجا وشعبهما من أرض مصر، فبدأت مسيرة العودة باتّجاه كنعان.
حقيقة أن موسى لمِنْ أعاظم رجال الله في الكتاب المقدس، ولنا من سيرته كخدام للرب، وقياديين في حقول الخدمة، بل وحتى كأفراد عاديين من شعب الرب، لنا في سيرته العِبَر الطيِّبة والقدوة الحسنة، لنتوقّف عندها ونتأمّل، فلا تكون سيرته لمجرّد الاطّلاع على أحداثٍ من سِيَر الماضي، دون أن تترك فينا انطباعًا يُحدث التغيير في حياتنا وسلوكنا فتدفعنا للأفضل.
تميَّز موسى النبي بما لم يُعطَ لغيره من أنبياء، فلُقِّب بكليم الله يكلِّمه الربّ وجهًا لوجهٍ دون وسيط ملائكيّ لينقل له الخبر. وموسى هو أول نبي تسلم شريعة من الله وكتبها في كتاب. وهو أول من نادى بوحدانية الله، وأول نبي في تاريخ البشرية قام بتنظيم أمة قادها لعبادة ربٍّ واحد لا ربَّ سواه، في زمن سادت فيه الوثنية وتعدّد الآلهة الوهمية، فتجربته كانت رائدة في هذا المجال. ما أعجبني في موسى أنه:

أولًا، وهو ربيب القصر الفرعوني تمتّع برفعة المقام ورفاه العيش، لكنه «لما كبر أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مفضِّلًا بالأحرى أن يُذلّ مع شعب الله على أن يكون له تمتّعٌ وقتيٌّ بالخطية، حاسبًا عار المسيح غنىً أعظم من خزائن مصر.» (عبرانيين 24:11-26) فسموّ المقام لم يُلهه عن أن يكون من شعب الرب.

ثانيًا: عندما اتّخذ قراره بأن يتخلّى عن أمجاد القصر الملكي غادر المكان، وارتضى بمهنة مُتواضعة لم يكن له خبرة فيها، فقبِلها ولم يتذمّر. وجاء وقت اضطرّ فيه فرعون عندما قست عليه الضربات أن ينحني أمام موسى ويتوسّل إليه أن يرحل مع شعبه ويغادر البلاد.

ثالثًا: أعجبني في موسى عدم تهافته على الزعامة، فالزعامة الناجحة قوامها التواضع والطيب والخُلُق العالي وحبّ الخير للناس، أما الجبابرة المتعظّمون فأيامهم قصيرة ولو طالت، وزمن سلطانهم محدود وهم غافلون، وغالبًا ما تخلوا نهاياتهم من التكريم الذي عاشوه في زمن سلطانهم، والتاريخ سجل الكثير من ذلك وما زال. أما موسى، فعندما تراءى له الله في العلّيقة الملتهبة، وطرح عليه عباءة النبوّة ليقود شعبه في مسيرة التحرير، أحسّ بعدم الأهليّة للقيام بالمهمة (سفر الخروج الأصحاح 3 و4) فهذا رجل نشأ وتربى وتهذب في قصور الملوك، فطموحاته لا يمكن أن تكون أقلّ من زعيم لشعبه، وعندما جاءته الزعامة تلعثم وتردّد ووجد نفسه غير مؤهَّلٍ لها! وفي تردّده لم يكن معاندًا لله، ولم يكن يُنافق مُتظاهرًا بالتواضع، بل كان يُعبِّر عن حقيقةٍ يُصارح بها ربّه بنيَّةٍ صادقةٍ لا تعرف النفاق! وقرّاءُ التاريخ يلاحظون أن معظم الحروب التي تسبَّبت بسفك دماء الملايين، كان دافعها التنافس على السلطة وحبِّ الظهور، وحتى لو كانت بغطاءٍ أو دوافع ظاهرها ديني!

رابعًا: أعجبني في موسى أنه من خلال معركته مع خصمه، لم يحمل سيفًا في وجه فرعون ولا نادى بحربٍ، ولم يحشد جيشًا ليُرغم عدوَّه على إطلاق أسراه، ولم يشحن شعبه بالخطب الرنّانة ليثير فيهم الروح القتالية، ولم يُكفّر عدوَّه أو يشتمه بكلمة نابية ويتفاخر عليه. ومع ذلك نجح موسى في مسعاه ونال مرماه دون أن تسيل قطرة دم واحده من طرفي النزاع، فقدَّم بذلك أفضل نموذج يُحتذى للحوار وحقن الدماء في الوصول إلى الهدف المنشود.

خامسًا: أعجبني في موسى تسامحه وطول أناته مع من اختلف معه. أشير هنا إلى حالتين سجّلهما الكتاب المقدس: الأولى، عندما انتقدته مريم أخته بسبب اتّخاذه امرأة كوشيَّة زوجة له. فمع أن النقد أصابه في صميم خُصوصيّاتِه العائليّة، لم تصدر منه ردَّة فعلٍ غاضبة ولم يُعاتبْ أو يُدافعْ عن موقفه، ولم يقل كلمة احتجاجٍ تدين من أخطأ إليه، فقال فيه الوحي: «وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًّا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض.» (العدد 3:12)
أما الحالة الثانية فوردت في سفر الخروج 32 حين استطْوَلَ الشعب غياب نبيِّهم في الجبل لتسلُّم الوصايا العشر، فطلبوا من هرون أن يصنع لهم صنمًا يعبدونه! حينها قال الله لموسى (ليختبر ردَّة فعله فتُسجَّل مثالًا للأجيال القادمة): «اتركني ليَحمى غضبي عليهم وأفنيهم، فأصيِّرَكَ شعبًا عظيمًا.» (خروج 10:32) فتضرّع موسى بحُرقةٍ إلى الرب ألّا يحمَى غضبه على شعبه الذين أخرجهم من مصر بقوةٍ عظيمة، فيقول المصريون: أخرجهم بخبثٍ ليقتلهم في الجبال، ويفنيهم عن وجه الأرض. فاستجاب الرب لتوسّلاته وعفى عنهم. فقلب الرجل كان على شعبه كقلب الأب الحاني رغم أخطائهم، وهذه أيضًا من شيمِ القائد النبيل المؤهّل للقيادة.

سادسًا، أعجبني في موسى موقفًا تشارك فيه مع حميه يثرون في سفر الخروج 18. جاء يثرون وبرفقته زوجة موسى وولديه جرشوم وأليعازر، إذ يبدو أن موسى تركهم لفترة ما لدى حميه خلال فترة الحوار مع فرعون. فقصّ موسى على يثرون سلسلة الأحداث التي انتهت بتحريرهم من الأسر، فكانت تلك شهادة حسنة شهد بها موسى عن عظمة إلهه أمام رجل لم يكن يعرف حقيقة الإله الذي ينتمي إليه موسى صهره؛ والدليل هو فيما علق عليه يثرون كردة فعل عما سمعه، فقال الكتاب: «ففرح يثرون... وقال... الآن علمت أن الرب أعظم من جميع الآلهة، لأنه في الشيء الذي بَغَوْا به كان عليهم.»
وحدث في الغد أن جلس موسى من الصباح إلى المساء ليقضي في النزاعات التي تنشأ عادة بين أفراد الشعب، ولاحظ يثرون أنه كان أصحاب الدَّعاوي يقفون في صفوف طويلة لساعات من النهار في انتظار عرض ما لدى كلٍ منهم من شكوى. وبعد انتهاء العمل، اقترب يثرون من صهره وقال: «ما هذا الأمر الذي أنت صانعٌ للشعب؟ ما بالك جالسًا وحدك وجميع الشعب واقف عندك (لتقضي بينهم) من الصباح إلى المساء؟» هذا مُتعبٌ لك ولشعبك. جيّدٌ أن تُعلّمهم الفرائض والشرائع ليسلكوا فيها، إنما أقترح عليك أن تختار من بينهم أناسًا مُؤهّلين يخافون الله ويبغضون الرشوة، فتُوزّع عليهم المسؤولية كقُضاة مُساعدين لك في القضايا الصغرى ليحكموا فيها، أما القضايا الكبرى فيأتون بها إليك فتُخفّف عن نفسك وتُريح شعبك.
سمع موسى لصوت حميه وفعل كل ما نصحه به (الخروج 18).
فما أعجبني في موسى هنا، هو حُسنُ الاستماع للآخر والانفتاح عليه، وهذه من صفات القائد الناجح. ولم يتردّد موسى من قبول نصيحة حميه، مع أنه هو كليم الله، ونبي الأمة، والقائد الملهم، وصاحب المعجزات! ومع ذلك، فمقامه العالي لم يمنعه من تقبُّل نصيحة قُدِّمت له من بدويٍّ كهل لم يكن من شعبه، فتقبَّلها بتواضعٍ وباشر العمل بها بلا تردد.
أما يثرون حمو موسى، فهو مديانيًّا من سكان سيناء، والمديانيّون ليسوا يهودًا، وليسوا على دينهم، وما عرضه يثرون من نصح كان في منتهى الحكمة! فرجال القبائل هؤلاء، وشيوخ العشائر حتى يومنا هذا، فيهم من الذكاء والفطنة والحكمة والخبرة والجرأة من قول أو نُصحٍ ما يستحقّ التقدير، فلا نستهين بهم! وبدورنا نشهد لهم ونقدِّم ما لدينا كما قدّم موسى لحميه شهادة حقّ، لعلّها ساهمت في جذبه للتعرّف على الإله الحقّ.

المجموعة: 2021

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

100 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11761733