نشرة مع الخدام
نرى في كتابنا المقدس آيات وعجائب كثيرة صنعها الرب يسوع المسيح وكلها فوق الإدراك والمنطق، حتى يكاد لا يصدّقها العقل البشري، كفتح عينَي الأعمى،
وشفاء الأبرص، وقيامة لعازر وغيرها... ومما لا شك فيه أن كل هذه الأمور حدثت، ولكن كان حدوثها بطريقة لا يستطيع الإنسان أن يأتي بها على مرّ العصور والأجيال، لكي يرينا الرب بواسطة أبسط أعماله جزءًا من عظمته اللامتناهية وقدرته غير المحدودة.
ولكن، ليس كل ما ورد في الكتاب المقدس هو فوق المنطق، إذ أن هناك أشياء كثيرة جدًا منطقية. منها كلام الرب يسوع المسيح: «وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ، لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟ ...» أو «مَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ.»
هذا الكلام منطقي، وإذا ما أخذنا هذا الكلام نفسه نراه يُثبت لنا أن لكل عمل يعمله الإنسان كلفة، وبقدر ما تزيد أهمية الشيء الذي نعمله تزيد كلفته. ونحن كمسيحيين متجددين اختبرنا نعمة الخلاص المجاني نجد أنفسنا مكلَّفين من الرب يسوع المسيح أن نسعى لخلاص النفوس بحسب مأموريته لنا:
«لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ.» والآن إذا تساءلنا:
من هو الإنسان الكفوء لهذا العمل؟
لا شك، بأن الأجوبة ستكون كثيرة جدًا، ولا بدّ أن تتخلّلها هذه الأفكار. بالدرجة الأولى، يجب أن يكون مؤمنًا، وله معرفة كتابية صحيحة، ومن الأفضل أن يكون فصيح اللسان قويّ المنطق، ولا بأس أن تدلّ ملامحه الخارجية على بشاشته، وزد على ذلك أفكارًا وأجوبة كثيرة جدًا. وفي الواقع، كل هذه الأشياء ضرورية، ولكن الجواب الواحد الوحيد هو الذي صدر من الرب يسوع المسيح الذي قال: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي.»
ذلك لأن اتّباع المسيح يعني بالتالي الانخراط بخدمة ربح النفوس. هذا هو الشرط الأساسي لربح النفوس للمسيح، الشرط المبني على التضحية، لأن أساس عمل الرب يسوع المسيح لخلاص العالم هو تضحيته بنفسه كما قال: «الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف.» ولم تكن بداية تضحية الرب يسوع المسيح هي الصليب، بل كان الصليب نهايتها، لأن تضحيته ابتدأت من ترك عرش السماء وكرسي العظمة وتسبيحات الملائكة، راضيًا أن يأخذ صورة عبد، وأن يصير في شبه الناس مع أنه رب السماء والأرض، وقد ضحّى بأثمن ما عنده إذ اشترانا بدمه وقرّبنا إلى الله بواسطة صليبه، فكيف نستطيع نحن أن نربح نفوسًا بدون تضحية؟ وإن كنا نريد أن نُدعى تلاميذ الرب يسوع فعلينا أن نشابهه في التضحية ونضحي بأغلى ما عندنا حتى بنفوسنا، لكي تهون بعدها كل تضحية أخرى. وهذا ما نراه في قول الرسول بطرس للرب: «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك.» نعم، لقد ترك الرسول بطرس ورفاقه كل شيء، ولكنهم قبل كل شيء أنكروا ذواتهم لذلك استطاعوا أن يقلبوا المسكونة. فكل مؤمن يصل إلى هذا المستوى المجيد، لا بدّ أن يتغلّب على مشاعره روح المسيح ومحبته، فيتّصف بصفاته وعندها يستطيع أن يسلك كما سلك ذاك محبًّا للنفوس، ويصبح له اشتياق عظيم لخلاص كل نفس - لأنه يعلم أن الله لا يُسرّ بموت الخاطئ - ويصبح شعوره أيضًا شعور قلب الله من أجل النفوس التي لا تعلم ما هو لسلامها منجرفة في تيارات العالم الذي وُضع في الشرير. عندئذ، لا يسع ذلك المؤمن إلا أن يردّد: «ويل لي إن كنت لا أبشّر.»
من هو العامل؟
ولا ننسى أن عملية ربح النفوس هي عمل إلهي قبل أن يكون عملاً بشرّيًا، ولا شك أن خلاص النفس هو كفتح عينيّ أعمى، وتطهير أبرص، وقيامة ميّت؛ أي، إنه لا يستطيع أن يعمله الإنسان مهما بلغت درجة علومه، ومهما سمت أخلاقه، ومهما تعدّدت لغاته. ولكن يستطيع الرب يسوع أن يعمله بواسطة أبسط مؤمن متكرّس له، لأن الله اختار جهال العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود. والذي استطاع أن يستخدم بطرس ويوحنا وأندراوس يستطيع أن يستخدمك ويعمل بواسطتك ما عمل بواسطتهم، لأن «الرب يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد.»
فإن كنا نريد فعلاً أن نكون رابحي نفوس علينا أن نضع نفوسنا بين يدَي فاديها وراعيها على مذبح الخدمة لكي يستطيع أن يعمل بواسطتنا مسرّة قلبه، لأنه واضح أننا بدونه لا نستطيع أن نعمل شيئًا، لأنه مكتوب: «لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود.»
فهل نحن مستعدون للتضحية المطلوبة ولدفع الثمن؟
فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً:«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ. (متى 18:28-20)