كانون الأول (ديسمبر) 2009
لقد جاءني طالب من الجامعة الأمريكية المجاورة للكنيسة العربية في واشنطن العاصمة وسألني سؤالاً لا بد وأنه خطر على بال الكثيرين: "لماذا وُلد المسيح من عذراء وليس كباقي البشر؟" فأجبته: إن هذا السؤال مهم جداً لأنه عليه يتوقَّف الإيمان المسيحي، وإليك الجواب.
البداية انطلقت من جنة عدن، عندما خلق الله آدم على صورته كشبهه، اذ قال الله: ”نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا... وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ“... في هذه الجنة التي فيها كل ما تشتهي النفس من كل ما لذ وطاب. ولكن الله أراد أن يمتحن آدم ليرى مقدار محبته له فمنحه حرية الاختيار... إما أن يقدّم الطاعة لربه وإلهه أو أن يعصاه، وذلك عندما قال له: "وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (تكوين 17:2).
لقد أباح الله لآدم أن يأكل من جميع شجر الجنة، ولكنه حرّم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. وكان قصد الرب الإله من هذا لكي يذكّره بأنه هو صاحب السلطان المطلق وأن له الكلمة الأخيرة، ثم لكي يمتحن ولاءه وإيمانه بكلمته.
لكن مع الأسف سقط آدم في الامتحان، وعصى ربه، وانتقل من حالة البراءة والطهارة الى حالة النجاسة والانحلال، وانفصل آدم عن مصدر الحياة الذي هو الله، وصار ميتاً بالذنوب والخطايا. "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ". وبذلك زُرع في جسد الإنسان بذور الانحلال والفناء، وصار وارثاً لجميع الأوجاع والأمراض والويلات التي اعترته واعترت نسله من بعده.
ولكن ربما تسأل: وما ذنبنا نحن لكي نحمل ذنب آدم وحواء؟ ألم يكن من الأصح أن يحملا ذنبهما ويقتصّ الله منهما ويحصدا ثمر خطيتهما؟ والجواب عن ذلك: بما أننا من ذرية آدم وحواء، وبما أن الله خلقنا على شبهه وطبيعته، فكما سرت سموم الخطية في عروق أبوينا الأولين هكذا انتقلت سموم الخطية إلى عروقنا نحن. والبرهان على ذلك أننا لسنا أفضل منهما لأننا نقع في نفس الخطية كل يوم. ومن منا يقدر أن يتغلّب على الخطية ويحفظ نفسه معصوماً عنها؟ وصار الإنسان لا حول له ولا قوة. حتى قال أحد الإخوة الأفاضل: ”نحن لا نخطئ لأننا خطاة، بل لأننا خطاة نحن نخطئ، ولأن الخطية تجري في دمائنا“.
لكن الله المحب الذي خلقنا على صورته وشبهه لم يرضَ أن يتركنا نهيم على وجوهنا بلا رجاء، بل دبّر لنا طريقاً لخلاصنا. فأرسل المسيح لكي يولد ليس كما وُلدنا نحن من أبوين خطاة، بل جاء مولوداً من عذراء لم تعرف رجلاً. وُلد وليس فيه خطية، لذلك عندما بشّر الملاك مريم العذراء المطوّبة بأنها ستحبل وتلد ابناً سألت الملاك: "كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟ فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" (لوقا 34:1-35).
نعم لقد وُلد المسيح ليس كما ولدنا نحن في الخطية، بل وُلد من عذراء بدون زرع بشر لأنه قد حُبل به من الروح القدس - بلا خطية - والسبب في ذلك لكي يقدر أن يدفع دين الخطية الذي هو الموت الفدائي عنا، لأن المديون لا يقدر أن يدفع دين مديون آخر. فالمسيح وحده يقدر أن يسدد دين الخطية لأنه هو بلا خطية.
"مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ... لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ! وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هكَذَا الْعَطِيَّةُ. لأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ! فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا“ (رومية 12:5 ، 10-16).
ثم يقدّم السبب:
"وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا"(رومية 8:5).
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 16:3).
ومع أن الله قد أحب كل العالم، لكنه لا يقدر أن يخلص كل العالم، إلا الذين قبلوا وآمنوا بموت المسيح بديلاً عنهم. لأن العطشان لا يقدر أن يرتوي ما لم يشرب من الماء، والمريض لا يمكن أن يُشفى ما لم يتناول الدواء، والإنسان لا يمكن أن يخلص ما لم يقبل المسيح المخلص. لذلك جاء قول الكتاب: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ" (يوحنا 12:1-13). لكن الذين لم يقبلوا خلاص المسيح فلا خلاص لهم. ومثال ذلك أن الذين دخلوا الفلك خلصوا والذين لم يدخلوا الفلك هلكوا.
فيا عزيزى القارئ، ادخل فلك النجاة الذي دبّره لك الله بموت المسيح بديلاً عنك... نعم، لقد مات المسيح البار من أجل الأشرار لكي يجعلهم أبراراً وتكون لهم الحياة الأبدية.