صرخة مؤلمة من حنايا النفس. نداء جريح من روحانية الضمير. صورة كئيبة تعكس العالم الروحي. عمل الروح يتلألأ في الآفاق البعاد وراء قبس الإيمان الضئيل. انتفاضة الحياة دواخة بمغريات العالم. نفوس تعيش على حضيض الخدمة. نمو في حركة عكسية نحو التقاعس والكسل.

في ميدان العالم أبطال مشردون. شخصيات روحية تدور في فلك الحياة على عقم وفراغ..! هدف الأعالي يتكوّر على ذاته في زاوية الفتور. لكن الأبدية تتلقف الإنسان، ويطويه التاريخ، في حومة هذه المعركة الرهيبة والمصير المحتم..!
من يتحفّز للوثبة الجبارة وإغاثة هذا الكائن الهالك؟..
إذا خضنا قلب المعضلة التي نعانيها اليوم، وصلب الموضوع الجدير بالاهتمام والدرس، لا بد لنا من كشف نفوسنا أمام منظار الرب، وقياسها حسب قامة ملء المسيح. إذا دخلنا كور التنقية والتمحيص، وعلمنا مقدار استجابتنا السلوكية الواقعية لصوت الله في حياتنا، ننقلب في لحظة إلى شخصيات استفهامية دهشة، ونثور على أوضاعنا الراهنة التي تجرّ ذيول العار على خدمة الرب.
إذا غربلنا المؤمنين في مجتمعنا الروحي، وكنائسنا المتعددة، فهل هناك من يعلو ثقوب الغربال الضيقة؟.. هل من رجل يسد ثغرة القرن الحادي والعشرين؟ هل من جبار يبني جدار النهضة والنمو الروحي؟؟ هل من يقف صامداً ضدّ تيارات العالم وجواذبه واستحساناته؟...
لنجرّد شخصياتنا في هيكل الرب! ونستفهم الأوضاع في مقياس الحق الروحي والمنطوق الكتابي.
إلى متى يتلهى المؤمنون؟ ويرون النفوس تسير سراعاً إلى هلاك أبدي وعذاب لا نهائي! يغطّون في سبات عميق وعن المسؤولية العظمى لاهون؟!
لماذا تعقم الكنائس وتجدب في حقل الخلاص الذي هو إرادة دائمة عند الله؟ تنعكف على ذاتها، وتتلهّى بأعضائها، وتنشغل بترتيبات عالمية نافلة؟...
لماذا تعقد الاجتماعات، وتنسج على نول الروتينية المقيتة التي تُنضِب نبع البركات، وتحوِّل الخدمة إلى ملاطفة الخطاة، وعدم صراحة البشارة أو تقديم الحق الجلي الذي يُظهر شناعة الخطية، ويحطم كبرياءها؟
إلى متى تختفي قوة الفداء عن الوجود، وتتوارى فاعلية الدم التي بها ينخس الروح قلوب الألوف في وقفة واحدة؟!
لماذا يضيع الكتاب المقدس بين الفلسفات المخطئة، والمبادئ الهدامة، والنظريات الارتجالية السخيفة؟ تتباعد قوة الحق الأوحد عن مسرح الكون، مع أنه الأساس الذي قَنْوَن الأمم، وأصّل العدل، وأحقّ الحق، ومحا نزعة الوحشية من قلب الإنسان، ودفع رعونة البُطل الغاشم؟!
لما لا تثور كنيسة الرب وسط تغلغل الشر، وتعلن قدسية الحياة؟ وتقف سداً منيعاً إزاء تفشّي الشر المستفحل؟.. لتُبرز القيم المعنوية والإنسانية، وتعكس المفاهيم الكاذبة والمقاييس المغلوطة، وتغيّر الأوضاع الفكرية المستغرقة في نتانة الفساد الآسن!...
متى ينقلب أولاد الله جبابرة فيكونون كالضراغم النهمة، رابضين على منعطفات الحياة، لينقضّوا على عدوّ الخير ويهزموه منقذين من براثنه عبيد الخطايا وأسرى الذنوب؟
لماذا لا ينهض المؤمنون ويعيدون ذكرى التاريخ مجددين ثورة الناصري ورسله؟ فيفتنون المسكونة، ويشعلون الثورات الروحية في المجتمعات، ويقودون انقلابات في مراكز العمل والمدارس؟
إلى متى يتربّع الظلم على عرش الناس، ويحيك المؤامرات على أبناء النور دون وازع أو رادع؟ دون صرخة ضمير أو ارتفاع صوت؟
لمَ لا تستفيق كنائس الرب وتجدّد عهودها وتسير في ركاب النموّ المستمرّ والحيوية الدائمة؟ فتخلع عنها إزار العالميات، وزخارف المدنيات المزيفة، وابتكارات العالَم الخدّاعة، والحضارات العصرية الآثمة؟...
لمَ لا تستند على محورها، وتستعيد مكانتها القوية، وتلقِّن العالم الأمثولات الروحية، بدلاً من خوض الجواذب العالمية، والانحراف عن استقامة الخط الإيماني، وصوابية الإعلان الكتابي؟...
لماذا لا تنشد التدقيق في حياتها، وتعيشه دوام أيامها، وتعلن من أجله الحروب الشعواء؟ وتخرس الافتراءات العصرية، والاعتداءات المتمدّنة - المتأخرة؟...
لماذا لا ترسم التدقيق مثالاً أعلى ومقياساً أسمى؟ وعلى نسقه تتطوّر وتتركز في عرش النصرة، فتلمع لآلئ وضّاءة بين الدوامس، وترسل الإشعاعات المبدعة، وخيوط القداسة المثلى، وانعكاسات الجمال الأخّاذ؟...
وأخيراً، محطة التحويل الهائلة... نقطة الانطلاق العنيد... يقظة الشخصية السَحَرية... تكامل الكيان الروحي... انتفاضة الحياة وثّابة إلى الحصاد الواسع... بعث عملية التجدّد المستمر... تحقيق رسالة يسوع المخلص... إيقاظ الإنسانية روحياً... كل هذا، وقف على سؤال علوي يتحدّاك كلياً في مسؤوليات جسام! ويستصرخ ضميرك المتجدّد!...
إلى متى تقف هنا بطّالاً؟!!!

• السابق
• التالي