أيار May 2005
تبدأ هذه الدراما الحقيقية بمأساة ولكنها تنقلب إلى كوميديا تفضي إلى نهاية سعيدة. تُقرأ معاملات الله مع أولاده بالعكس أي من آخرها إلى أولها، وما يبدو أنه ضرب للاستقرار ما هو إلاّ ترسيخ للاستقرار الروحي. تنقسم هذه الدراما إلى عشرة فصول
عنوان الفصل الأول: محبة يسوع لمرثا وأختها ولعازر (يوحنا 5:11).
بهذه الروح وبهذا الواقع نقترب من هذه الدراما. فالمحبة التي استُخدمت هنا هي المحبة العميقة والطاهرة والسامية، هي المحبة العاطفية النظيفة، المحبة الإلهية الصادقة والثابتة التي لا تتبدل، المحبة التي لا تزيد ولا تنقص. "هكذا أحب الله العالم..." (يوحنا 16:3)، محبة من دون أجر أو مقابل، لا تتأثر بردّة الفعل، محبة عفوية معطاءة ومضحية. تصيبنا أحياناً أمور صعبة قاسية وضاغطة: شدة، ضيق، جوع، خطر، سيف، موت، مخاوف حاضرة ومستقبلة، لكن لا شيء يفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا. إلهنا محبة، وقد أعلن نفسه كما هو من دون تصنّع ومن دون تملّق، لأن هذا نابع من طبيعته.
كانت هذه العائلة مستريحة وسعيدة. وكل شيء على ما يرام، اجتماعياً، وعائلياً، ومادياً، ونفسياً، وروحياً. النقطة المهمة: يسوع أحبها والعائلة تعرف ذلك. يسوع يحبنا، هذا شعار، لكن السؤال المهم: هل هذا الشعار حقيقة في حياتنا؟ هل نختبره كل يوم؟
هذه المحبة أيضاً يجب أن تكون متبادَلة، المحبة الجامدة ناشفة، لا تتحرّك ولا تحرك العاطفة والعقل والحياة. هذه المحبة الجافة هي حوالة بريدية بمبلغ ضخم على حسابنا موقّعة من السماء، لكن تحتاج إلى من يوقّعها ليقبضها ويستخدم المبلغ، وإلاّ بقيت حبراً على ورق. بقي الرب يسوع يحاور الرسول بطرس حتى انتزع منه هذا الاعتراف: "أنت تعلم كل شيء، أنت تعلم أني أحبك .." (يوحنا 17:21)، وقالها ثلاث مرات، وهكذا ارتقت المحبة إلى مستواها الرفيع حيث يجب أن تُمارس.
غالباً ما نردد هذه الآية: "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (رومية 28:8)، إلا أننا نرددها باستخفاف وبلا جدّية. مشكلتنا نحن ليست محبة المسيح لنا، بل المشكلة في محبتنا نحن للمسيح "... ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبونه" (1كورنثوس 9:2). أي الذين يشتاقون إلى الله ويشتاقون إلى الوجود معه والانطلاق إليه. لا شيء يلهي المسيح عن محبته لنا، لكنّ أموراً كثيرة تلهينا نحن عن محبتنا له.
هذه العائلة استضافت المسيح. وكان يسوع يزورها ويشاركها في الصداقة وحياة الإلفة. يشاركها أحاديث واختبارات العائلة الواحدة. مريم تجلس عند قدميه للعبادة والسجود والتعزية والتعظيم. تصغي إليه بشغف، وبقلب مفتوح، وذهن مفتوح، وعاطفة مسترسلة. مرثا تخدم بنشاط وبحماسة وغيرة حتى التعب؟ لعازر المدلَّل يتكئ قبالة يسوع، يتفرَّس فيه وفي جماله. يحب الشركة معه، والمكوث في حضرته، والتشبُّه بشخصه. وهكذا تتوالى الزيارات، لأن يسوع يريد أن يكون مع هذه العائلة، وهذه العائلة تريد أن تكون معه.
يظنّ بعض الناس أنه إذا تمادت علاقتنا بالمسيح قد تؤدي بالفريقين إلى الملل، ولذلك يجب أن تكون العلاقة بتحفّظ، والرجل ”عزيزة“ (أمثال 17:25). يعلّم الكتاب العكس، والاختبار يؤكد لنا ذلك. "وعبيده يخدمونه (أي يعبدونه).. إلى أبد الآبدين" (رؤيا 3:22و5). "أدخلني إلى بيت الخمر وعلمه فوقي محبة" (نشيد الأنشاد 4:2). "يا الله إلهي أنت إليك أبكِّر عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء" (مزمور 1:63). تزداد سعادة هذه العائلة يوماً بعد يوم، وتتوالى الزيارات ويدخل المسيح بسلامه وبتعزياته بأفراح السماء وبكلام النعمة المشجّع، بشخصيته المباركة المحبوبة، وبفضائله التي لا نظير لها، وبمعاملاته الطيّبة وحسناته التي لا تُنسى.
الله يبارك أولاده المحبين، المطيعين المعطائين المضحّين، الذين لا يمسكون عنه شيئاً. ولنَرَ ماذا حصل لأيوب. كان أيوب شخصاً كاملاً باراً، يتقي الله ويحيد عن الشر، يحذر من الخطايا الظاهرة والخطايا المستترة، يقدِّم الذبائح ويعبد الله. وهكذا أصبح أيوب مهيأ لمهمة شاقة وصعبة. أمور مبهمة تجري ثم تتكشف في النهاية وإذا هي مجلبة للسعادة والبركة. قصة أيوب والخسارة الكبيرة، وما تعرّض له من مآسٍ وصعوبات، كانت نتيجتها أن: "بارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه" (أيوب 12:42). نُشفق أحياناً على نفوسنا وعلى غيرنا أكثر مما يجب، ونظن أن الله يقسو علينا وعلى أولاده وعلى العائلات التي لا تستحق هذا النوع من القسوة، ذلك لأننا لا ندرك غايات هذه المعاملة الإلهية.
عمّن قيل: "إلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونعرى ونُلكم وليس لنا إقامة.. نُشتم فنبارك نُضطهد فنحتمل. يُفترى علينا فنعظ. صرنا كأقذار العالم ووسخ كل شيء" (1كورنثوس 11:4-13)؟ قيل عن أعزّ الأعزاء عند يسوع. وكذلك يذكر الوحي عن الرسل أنهم خرجوا فرحين من المجمع؛ هل لأنهم وزّعوا عليهم الأوسمة؟ كلا. بل لأنهم أهينوا، وجُلدوا وهُدِّدوا، لكنهم فرحوا لأنهم "حُسبوا مستأهلين أن يُهانوا من أجل اسمه" (أعمال الرسل 41:5).
الرب يستخدم الأشخاص القريبين منه، والعامل يستخدم في عمله العدة الموضوعة قربه وحوله، فلا يذهب إلى الرف في كل مرّة. كانت مرثا ومريم قريبتين من يسوع. فالعدة التي هي للاستخدام وليست للمنظر، لا توضع على الرف بل على الأرض وعلى التراب. كم من المؤمنين ينشدون الراحة على الرف ويهربون من التعب والانزعاج.
بعد الزيارات المتتالية، بعد التعليم، بعد العبادة، بعدما تشكلت هذه العائلة على شبه المسيح وبعدما اختبرت محبة المسيح، وأحبت المسيح كثيراً، جاء الآن دور خدمة مهمة. تمتدّ يد النسر وتحرِّك العش، فيمرض لعازر.