أيلول (سبتمبر) 2005
جميعنا ننشُدُ الاستقرار. وجميعنا نتمنى أن يستمر هذا الاستقرار في حياتنا. خصوصاً في وسط عالم ساقط مليء بالمفاجآت، ووسط أوضاع غير مستقرة، تخبِّئ في طيّاتها المجهول.
نحن ننشُدُ الراحة. فالله دعانا إليها، إذ أراحنا من خطايانا ومن قصاصها. لكن الراحة الكاملة هي في المجد مع المسيح.
حالياً، نحن نعيش مع المسيح، ضمن خطة يدخل فيها الألم والتجارب. نُشَكَّل معها على شَبَه المسيح. فنكون "إناءً... مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح"
(2 تيموثاوس 21:2). فنحن إذاً، معرّضون لضرب الاستقرار. لأننا في حركة مستمرة، وجهاد متواصل، نسعى لتحقيق أهداف معيّنة. "مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدّها لكي نسلك فيها" (أفسس 10:2).
لا شيء يستطيع أن يضرب استقرار الثوابت الإلهية: فنحن مخلّصون مرة وإلى الأبد، نحن أولاد الله، وهو معنا كل الأيام وإلى انقضاء الدهر. ولا شيء يستطيع أن يفصلنا عن محبة المسيح. فهذه الثوابت هي صمّام الأمان عندما يهتزّ الاستقرار في حياتنا.
كان يسوع وما زال يحب هذه العائلة التي دخلت في خطة المسيح لكي تكون المثال الصالح الذي يُقتدى به. لقد مدَّ النسر العظيم يده وحرّك العش. فحلّ الانزعاج بدل الراحة، والحيرة والتساؤل بدل السكينة والاستقرار.
ما الذي يجعل من هذا الحدث عنصر مفاجأة؟ لأننا لم نحسب له حساباً. ولأننا كنا ننتظر شيئاً وحصل شيء آخر. ذلك لأننا لا نقرأ التاريخ الروحي قراءة صحيحة. هل فوجئ الرسول بولس بالجوع والعطش واللكم وبالصيت الرديء؟ بل كانت هذه من مستلزمات الإيمان والخدمة والحياة مع الرب.
نحن نتبع خطوات المسيح الذي ظُلم وضُرب وعُيِّر وأُهين وأُسيء فهم كلامه، وتصرّفاته وشخصيته. لكنه، "من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل..."
(عبرانيين 2:12).
لدى الله معاملات خاصة وبرامج معينة، وامتياز لنا أن نكون نحن الأداة لتتميم هذه المقاصد الإلهية. إن العنوان الذي اختاره المسيح لهذه الدراما هو: "هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله، ليتمجّد ابن الله به".
على أي مقياس نقيس معاملات الله معنا؟ أن تعمل لخيرنا، لصالحنا، لمستقبلنا، أو لمجد الرب؟! فنحن للرب وكل ما لنا يخصّ الرب. والرسول بولس وعى هذه الحقيقة وعاشها عندما قال: "الآن يتمجد المسيح في جسدي سواء كان بحياة أم بموت" (فيلبي 20:1). الموت والحياة سيّان، وعلى المستوى نفسه، أمام الغاية العظمى من وجود الكنيسة، ألا وهي أن تأتي بثمر، ليتمجّد الآب.
عندما تَبَلَّغ المسيح نبأ مرض لعازر مكث في الموضع الذي كان فيه ولم يتحرّك. سمع صلاة الأختين فالتحف بالسحاب كي لا تنفذ الصلاة (مراثي إرميا 44:3)، وبقي صامتاً.
هل نحسّ أحياناً بأن السماء نحاس والأرض حديد، وصلاتنا ترجع إلى حضننا؟ ألا نشعر أحياناً، كما شعر المرنم قديماً عندما تفوّه بهذه الكلمات: "يا رب لماذا تقف بعيداً، لماذا تختفي في أزمنة الضيق" (مزمور 1:10)؟
نشكر الرب أن بعض الصلوات غير مستجابة. لو قال المسيح كلمة من بعيد وشفى لعازر، لما كانت هذه الحادثة التي قال أحدهم عنها: إنها أجمل قصة في الكتاب المقدس. ولكان لعازر انضمّ إلى لائحة: "... وجميع المرضى شفاهم" (متى 16:8) وانتهى. وكنا خسرنا الكثير وخسر التاريخ المسيحي الكثير.
نحن نصلّي من أجل الفرج السريع والنهاية السعيدة، لكن المسيح يستجيب في الزمان الأنسب والوقت الأفضل. نحن نفكر عاطفياً، ولنا الحق، لأننا نحب نفوسنا ونعرف أن الرب حنون ويحبنا. لكن علاقة المسيح بنا ليست علاقة عاطفية فقط، لكنها علاقة مبدئية. نحن نفسّر المحبة بخلاف ما يفسرها المسيح، فمحبته لنا هي بقدر ما يرضى أن يستخدمنا ويباركنا ونكون بركة.
أحبّ الرب إبراهيم لدرجة أنه سمح له أن يقدِّم ابنه ذبيحة إذ سما إلى درجة عالية في الإيمان. وأحبّ أيوب لدرجة أنه سمح له أن يكون مثالاً في الصبر والتسليم للمشيئة الإلهية للأجيال المتعاقبة (راجع رسالة يعقوب 10:5و 11).
كم نُعجب من محبة الرب للرسول بولس الذي يقول: "أهُمْ خدام المسيح؟.. فأنا أفضل. في الأتعاب أكثر. في الضربات أوفر. في السجون أكثر. في الميتات مراراً كثيرة" (2كورنثوس 23:11). بالإضافة إلى الجلد، والضرب بالعصي، والرجم، والأخطار، والأسهار، والجوع، والعري وغيرها. ما هي هذه المحبة التي أحبك فيها المسيح يا بولس، حتى يعطيك الفرص المتتالية لتُهان من أجل مجده؟
لقد أحبّ الرب الرسول بطرس عندما أفسح له المجال للاستشهاد حين قال له: "لما كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شخت فإنك تمد يديك وآخر يمنطقك، ويحملك حيث لا تشاء. قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يمجِّد الله بها" (يوحنا 18:21و 19).
فإن أحبنا المسيح، يستخدمنا لمجده. ونحن لسنا في حاجة إلى امتحان محبة المسيح لنا، فهي مُمتحنة في الصليب. لكن المسيح له الحق في أن يختبر عمق محبتنا له. لقد امتحن محبة إبراهيم، فتفوّق بدرجة عالية، إذ فاقت محبته للرب، محبته لوحيده إسحق.
غالباً ما ترتبك أفكارنا عندما تتبدَّل الظروف. نحتار، وتتعب أعصابنا، ونتخبّط بين الأمل والفشل. تسيطر علينا الانفعالات والانزعاجات، لدرجة يصعب علينا معها أن نصلّي.
عندما توصد كل الأبواب، ولا ندري ماذا نفعل، "ولسنا نعلم ما نصلّي لأجله كما ينبغي" (رومية 26:8)؛ نصلّي صلاة اللاصلاة، فنصرخ: "لتكن لا إرادتي بل إرادتك" (لوقا 42:22).
وإن خبا الإيمان لا ينطفئ، وإن قلّ لا يندثر. وليس بالضرورة عندها أن يزحزح الجبال، بل يكفي أن يصمد في وقت الضيق: "الذي عندكم تمسَّكوا به إلى أن أجيء" (رؤيا 25:2).
الإيمان المتوتّر ينقصه الرجاء، والرجاء المستعجل ينقصه الإيمان. "ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقّعه بالصبر" (رومية 25:8). الرب يتدخّل عندما تنتهي إمكانياتنا وطاقاتنا. فالصلاة لا تقوم مقام ما يجب أن نعمله نحن. مريم ومرثا قامتا بعملِ كلِّ ما يمكن أن يُعمل في مرض أخيهما. والآن جاء دور انتظاره إرادة الرب، وعمله.