Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الأول (أكتوبر) 2006

إن الأمثال التي نطق بها الرب يسوع لهي قصص تنطبق في معظمها على أحداثٍ من الحياة البشرية ولكنها تستهدف إلى إبراز معانٍ روحية يُسهِّل المثل فهمها. فكلما تكلم الرب بمثل، صوّر حقيقة روحية بحيث نستطيع إدراك مقاصد الله الصالحة من خلال ذلك المثل.

 

وتتصف أمثال المسيح بأنها بسيطة جداً في ظاهرها يستطيع الطفل فهمها، وعميقة جداً في غورها يُحار فيها العلماء والفلاسفة.

في مثل الابن الضال المدوّن في الأصحاح الخامس عشر من بشارة لوقا، يصوّر لنا المسيح غفران الله بكرمه وكماله العجيب، إذ يرينا صورة الأب المنتظر بترقّب وشوق عودة ابنه الذي ضلّ في الكورة البعيدة. ويصوّره مندفعاً بمحبة لا مثيل لها لكي يستقبل هذا الولد الذي أساء إليه إساءة كبيرة، فيضمّه إلى صدره الحنون، ويقع على عنقه، ويقبّله، ويغفر الإساءة التي أساء إليه بها غفراناً كاملاً. ثم يسبغ عليه من عطايا النعمة فيُلبسه الحلّة الأولى كناية عن البر لستر عري الخطية التي غشيته، ويضع خاتماً في يده رمزاً لعهد جديد يعيد له الاسم الحسن كالابن الحقيقي، وحذاء في رجليه رمزاً لحماية مسلكه الجديد من التهوّر في طرق إبليس، ويذبح له العجل المسمن ليشبعه شبعاً كاملاً فينسيه جوع الماضي وخرنوب الخنازير!

يريد المسيح بهذا أن يظهر لنا الكلفة الهائلة للغفران الإلهي، فنحن نعلم أننا بالطبيعة البشرية عاجزون عن تقديم غفران كهذا الذي كلف الله موت المسيح مصلوباً مهاناً بأيدي الخطاة، ليعلن للذين أهانوه ورذلوا كلامه أنه يصفح عنهم، ويقبلهم من جديد في ملكوته إن قبلوا غفرانه، واعترفوا بزلاتهم أمامه كما قال اللص على الصليب، وكما قال العشار "ارحمني يا رب أنا الخاطئ".

فذلك الابن الأصغر أساء وتجنّى على حقوق الأب وكرامته ومحبته، فهو:

1- ملّ وجوده في محضر أبيه.

2- أخذ ما لا حقّ له به من مال الأب كإرث وما زال أبوه على قيد الحياة.

3- بذّر أموال أبيه بعيش مُسرف.

4- أساء إلى سمعة وكرامة أبيه بمعاشرته الأشرار الأردياء.

وطبيعيّ أن يحصد الخاطئ في الحياة نتائج ما جنت يداه، فلقد عاش هذا الولد العاق في الكورة البعيدة بعيداً عن دفء محبة الأب الحنون، وعن صدق مشورته؛ فقيراً، جائعاً، يحسد الخنازير على طعامها؛ مدنَّساً حيث أن الخنزير في عُرف اليهود وفي التوراة، حيوان نجس ومن يتعامل معه يصبح نجساً، فكيف براعٍ للخنازير عارياً، حافي القدمين تجرح الأشواك قدميه ويلهب الحرّ ظهره كما يُضني البرد أعضاء جسده.

وذلك الأب الذي استقبله لم يخجل بأن يعانقه ويقبّله رغم حالته المزرية تلك.  نحن كبشر حينما نريد أن نصفح عن إنسان لإساءة كبيرة آذانا بها نقول له: "أنا أريد أن أسامحك متحمّلاً الخسارة بنفسي لكي تستمر علاقتنا حسنة"؛ فيتوجّب على الطرف الآخر:

1- أن يقبل هذا العرض، فإن رفضه كانت الإساءة مضاعفة. لذلك يقول الرب في إنجيل يوحنا 8:16 عن الروح القدس: "ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة". وفي عدد 9 "أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي"  أي يرفضون عرض الصفح والمسامحة بدم المسيح، الذي يعتبره الرب أعظم الخطايا.

2- أن يقدّر كرم الأخلاق، وهكذا فالله أيضاً يريد من الإنسان الخاطئ أن يقدّر غنى النعمة ومحبة الله ويعتبر نفسه غير مستحق لهذه المحبة والغفران.

3- أن يعترف ويعتذر عن إساءته وهذا يستلزم من الخاطئ التوبة الحقيقية وعدم العودة إلى الفعل الرديء والعصيان مرة أخرى.  وفي المثل يصعب أن يتصور أحد من قرائه أن ذلك الابن يمكن أن يعود إلى كورة البعد ورعي الخنازير مرة أخرى.

ويرينا المثل تلك الصورة الرائعة لإرادة  الصفح  والغفران  الموجودة دائماً لدى الآب السماوي، كما يرينا أن المصالحة مع الله تتم حين تلتقي إرادة الإنسان التائب المعترف بذنبه مع إرادة الله، فنحن نقرأ عن ذلك الولد: أنه رجع إلى نفسه وحاسبها عن الخطأ:  "كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاً؟"، وصمم في قلبه "أقوم وأرجع إلى أبي وأقول له: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أُدعى لك ابناً". وقام ورجع معترفاً مفضلاً أن يعيش ولو أجيراً في بيت أبيه بعد أن عانى الأمرّين في تلك الكورة البعيدة.

ويصوّر لنا أيضاً صفح الآب الكامل، فذلك الأب لم يطلب من ابنه أن يعوّض ما قد فُقد ولم يُهنه لأجل فعلته، ولم يرض أن يجعله خادماً في بيته، أجيراً ليستوفي دينه منه، بل ترك له كل هذا وتحمّل بنفسه كل نتائج عناد ابنه وعصيانه.

هذا هو عمل الصليب ولا سيما وأن الإنسان كائناً من كان ليس عنده ما يعوّض لله عما سبّبه من إهانة للعدالة الإلهية.  ولكن المسيح الذي ليس هو من بذرة آدم بل من روح الله فقد ملك الكمال الأدبي الذي به يستطيع أن يقدّم كفارة نقية مقبولة على مذبح عدالة الله كافية لتغطية خطايا كل الذين يُقبلون إليه من أفراد الجنس البشري. وكونه ابن الله المتجسد فهو إنسان كامل بصفات الجسد "مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية". وكونه الوحيد من ذوي الأجساد البشرية الذي يقدر على عمل الفداء فقد ألزم نفسه بالطاعة الكاملة لمشيئة الآب منفّذاً خطة الله لفداء الجنس البشري التي وُضعت وصُممت في المشورات الأزلية، إذ عرف الله بسابق علمه ما سيؤول إليه حال الإنسان الذي سيخلقه في الأرض من عصيان لوصية الله بتحريض من عدو الخير إبليس.

وبموت ابن الله المتجسد على الصليب صار لنا القبول في ملكوت الله بكفارة دم المسيح، الذي قَبـِل - رغم كونه الله الذي ظهر في الجسد - أن يتحمّل نتيجة عصيان بني البشر فقدّم ذاته بديلاً عن الخطاة لإرضاء عدالة الله، واستجلاب صفحه وغفرانه كما تقول كلمته الإلهية: "ولكن الكل من الله، الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمة المصالحة، أي إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعاً فينا كلمة المصالحة" (2كورنثوس 18:5-19).

ويصوّر لنا هذا المثل الأب مستخدماً كل أعضاء جسده عند استقبال ابنه العائد: "وإذ كان لم يزل بعيداً رآه أبوه [العينان] فتحنن [القلب] وركض [الرجلان] ووقع على عنقه [اليدان] وقبّله [الفم]"، واستخدم فكره لتجديد الهبات، وعواطفه للرضى والقبول.  فما أعظم تلك المحبة الإلهية! وما أمجد غفران الله وصفحه دون أن يطالب بتعويض الماضي أو عمل شيء سوى الاعتراف والتوبة!

قارئي الكريم، إن رفض هذا الغفران المقدَّم إليك من الله يُعتبر إهانة له، وطعنة لكرمه ومحبته، وجحوداً لعمل المسيح على الصليب الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم من أجل تبريرنا. وما أجمل - في نظر الله - قول الخاطئ "اللهم ارحمني أنا الخاطئ"! فيقبل  بذلك هبة الله بالحياة الأبدية وميراث ملكوت السموات حيث الفرح والسعادة الأبدية. إذ تقول الآية الأخيرة في المثل فابتدأوا يفرحون، ولم نسمع أن فرحهم هذا قد انتهى.

المجموعة: تشرين الأول October 2006

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

130 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578443