تشرين الأول (أكتوبر) 2006
تواردت حشود الناس الهاربة من جنوب لبنان إلى المناطق الأكثر أماناً في بيروت، جماهير من الرجال والنساء والأطفال، تركوا بيوتهم وأملاكهم، هربوا خوفاً من القنابل والموت ولم يأخذوا إلا الثياب التي تغطي أجسادهم المتعبة في حرارة شهر تموز. وسرعان ما تجلت محبة المسيح من خلال أولاده الذين فتحوا بيوتهم ومدارسهم وكنائسهم لإضافة المهجّرين وشعارهم كلمات المسيح، "جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريباً فآويتموني، عرياناً فكسوتموني، مريضاً فزرتموني." (متى 35:25، 36) فما هي الضيافة الصحيحة بحسب كلمة الله؟
معنى الضيافة
تأخذ هذه الكلمة مفهومها الأصح من أسلوب الحياة القديمة، عندما كان الناس يرتحلون من بلد لآخر بواسطة وسائل بدائية كالدواب، ويستغرق سفرهم مدة من الزمن. ولم يكن في ذلك الوقت مطاعم وفنادق وأماكن استراحة على الطرقات. ولهذا كانت الضيافة ضرورية جداً، ولكن هذا لا يعني أن أسباب إضافة الغرباء قد انعدمت في أيامنا بسبب سهولة التنقل ووجود وسائل الراحة. فهي شرط يجب توافره في راعي الكنيسة، "يجب أن يكون الأسقف... مضيفاً للغرباء" (تيطس 8:1؛ 1تيموثاوس 2:3)، ووصية لكل أولاد الرب.
فوائد الضيافة
1- ضيافة الناس تسد حاجة إنسانية
يرجع اشتقاق كلمة الضيافة في الإنكليزية hospitality إلى نفس مصدر كلمة hospital، فكما أن الإنسان المريض يدخل إلى المستشفى للمعالجة، فإن الضيف يدخل بيتنا ليحظى بعناية واهتمام هو في أمس الحاجة إليهما في بعده عن بيته وربما عن أهله أيضا، فهو يحتاج إلى أكثر من سرير وطعام يمكن للفندق والمطعم أن يؤمنهما له.
ها هي المرأة الشونمية تجلس مع زوجها في بيتهما تخطط معه لبناء غرفة على سقف البيت لرجل الله أليشع، "لنعمل له علّية على الحائط صغيرة، ونضع له هناك سريراً وخواناً وكرسياً ومنارة، حتى إذا جاء إلينا يميل إليها" (2ملوك 10:4). إن العلية هي أجمل غرفة تبنى في البيوت القديمة، لأنها مرتفعة ومنيرة، ويكون لها عادة درج مستقل. لقد فكرت بكل ما يحتاجه النبي في خدمته وسط شعبه.
قد اختارت عائلتنا السكن بقرب الجامعة التي يعمل فيها زوجي في الأردن أستاذاً. وعندما كان بعض الأساتذة يأتون من بلاد متعددة فإنهم يتركون عائلاتهم لمدة أسبوعين أو ثلاثة. هل يمكن أن تتخيل الفراغ الذي يشعر به المرء في يوم العطلة مثلاً وهو يجلس وحيداً بعيداً عن زوجته وأطفاله وأصدقائه في بلد لا يعرف لغته ولا طرقاته ولا شعبه؟ هل يمكن أن تتخيل يا عزيزي القارئ لو كنت مكانه ودعاك جيرانك لتناول الطعام معهم، ثم تجلس وتتحدث معهم فيمر الوقت وتنسى الوحدة. جلست ابنتي الصغيرة في حضن أحد الأساتذة الزائرين من أميركا فقال: إنها في عمر ابنتي تماماً، كم أنا سعيد لأنها تجلس في حضني لأنني أشعر كأنها ابنتي التي أفتقد إليها كثيراً.
2- ضيافة الغرباء بركة للمضيف
يميل بعض الناس إلى دعوة أصدقائهم فقط إلى بيوتهم وفي ذلك خسارة عظيمة إذ تتحوّل الضيافة إلى واجبات اجتماعية مملّة فيها تسابق على تزيين المنزل وتنويع أصناف الأكل وحسن التقديم. لقد علّمنا المسيح أن ندعو من لا نتوقّع منهم أن يردوا الدعوة بالمقابل "إذا صنعت غذاء أو عشاء فلا تدعُ أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء لئلا يدعوك هم أيضاً فتكون لك مكافأة، بل إذا صنعت ضيافة فادعُ المساكين" (لوقا 12:14-13). فعندما نضيف آخرين من ثقافات مختلفة فإننا نشعر بالغنى عندما نسمع عن تقاليدهم وعوائدهم ونتعلّم منهم.
رأت الصبية الحسناء رجلاً متعباً على عين الماء، وعندما طلب منها أن تسقيه أسرعت فسقته واستقت لكل جماله أيضاً، وإذا عرفنا أنه كان معه عشرة جمال، وأن الجمل العطشان يشرب جرات من الماء فإننا ندرك أن رفقة نزلت إلى العين واستقت عشرات المرات لرجل غريب لا ترجو منه شيئاً (تكوين 19:24-20). ثم عرضت عليه أن ينزل في بيت أبيها، وماذا كانت النهاية؟ صارت كنة إبراهيم أبي المؤمنين وزوجة لإسحق ابن الموعد.
يعيش سمعان الدباغ في يافا، ولكنه قبل في بيته بطرس من الجليل، امتلأ البيت من الناس من يافا مع كرنيليوس قائد الكتيبة الإيطالية ومرافقيه، وماذا كانت النتيجة؟ حلّ الروح القدس على كل الذين سمعوا الكلمة، وكانت بداية تأسيس الكنيسة بين الأمم.
شروط الضيافة
1- برضى وفرح
"كونوا مضيفين بعضكم بعضاً بلا دمدمة" (1بطرس 9:4). قال أحدهم، "يمكنك أن تجعل ضيفك يشعر أنه في بيته، ويمكن أيضاً أن تجعله يتمنى لو كان في بيته.";
وفي الحقيقة يريدنا الرب أن نفعل كل شيء بدون تذمر فالمحبة الصادقة النابعة من القلب ستدفع بمعطيها لأن يفتح بيته للآخرين كما فعلت ليدية المؤمنة الأولى في أوروبة التي أصرّت على الرسول بولس وأصدقائه وألزمتهم (على الطريقة الشرقية) بأن يمكثوا في بيتها (أعمال 15:16)، ويا لها من بركة باستضافة رسول الأمم.
2. بحماس واجتهاد
قدوتنا هو أبونا إبراهيم الذي "رفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض وقال، يا سيد إن كنت وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك. ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم... وأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال أسرعي... واصنعي خبز ملّة، ثم ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلاً رخصاً وجيداً وأعطاه للغلام فأسرع لعمله، ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذي عمله ووضعها قدامهم" (تكوين 2:18-8). لاحظوا عنصر المبادرة عند خليل الله مع أنه كان بعمر 99 سنة في ذلك الوقت، فمع أنه الشيخ الجليل المهوب لكنه لا يتوانى عن الركض مرتين وتذكر مشتقات كلمة السرعة 3 مرات في القصة، أليست الإشارة إليه في العهد الجديد "لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون" (عبرانيين 2:13)؟
3- بلطف وحساسية
انكسرت السفينة في عمق البحر وعلى متنها 276 راكباً، لم تحمل قادة ومسؤولين فحسب ولكن أيضاً مساجين ومجرمين. ومن حسن حظهم وجدوا أنفسهم في جزيرة للبرابرة، وقد قام الأخيرون بالاهتمام بهم. ولكن أروع ما في القصة أن مقدّم الجزيرة دعاهم إلى بيته ويقول الطبيب لوقا: "أضافنا بملاطفة ثلاثة أيام" (أعمال 7:28). والعجيب في الأمر أن نكتشف أن أباه كان في البيت مريضاً جداً، أي أن له كل عذر لكي لا يقبل ضيوفاً في بيته ولكنه اختار أن يظهر كل لطف لأناس لا يتوقع منهم شيئاً، وماذا حدث؟ دخل بولس لرؤية والده وصلى من أجله فشفاه الرب.
دعوة الرب لجميعنا أن نتذكر أننا جميعاً نزلاء وغرباء على هذه الأرض فلنفتح قلوبنا وبيوتنا للآخرين ونضيفهم بمحبة صادقة، ووعد الرب هو بالبركة لنا ولهم إن أطعنا وصاياه..