Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران (يونيو) 2007

جلست في مقعدي في قطار سان فرانسيسكو السريع متلفّتاً هنا وهناك كالمعتاد، ومتأملاً فيما يدور حولي مضيعة للوقت، أو إن شئت فقل بحثاً عن إعلان لطيف اقرأه. ولفت نظري رحلة لأولاد صغار وهم يتسامرون، ويتشاجرون، ويقفزون من مقعد إلى آخر، يبتسمون تارة ويتخاصمون تارة أخرى وعلامات البراءة تعلو قسمات الوجوه الغضة. وتزاحمت الأفكار فإذا بي أرجع إلى قول المسيح: "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات… ومن لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله". إنها فلسفة الدين عندما تتلاقى مع العلم، أو طريق السعادة من المهد إلى اللحد أو ماهية الحياة الدنيا والآخرة في كلمات. وتذكرت قول فيلسوف المسيحية  بولس عندما قال: "لما كنت طفلا كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفتكر وكطفل كنت أفطن، و لكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل".

ودفعني هذا الهاجس إلى رؤية طفل صغير يقبع في أعماقي، يداعبني إذا بكيت، ويؤنسني إذا اختليت، ويضج على مضجعي إذا زلّيت. ولم أكن أصدِّق مطلقاً أن هذه هي الحاسة السادسة التي دوّخت الإنسانية جمعاء.

 

هنا مربض الفرس، فالإنسان الذي لا يعرف كيف يتوافق وقانون الفطرة أو الحدس الكوني أو الضمير الرباني أو التوأم المقارن، قد يصاب بالأمراض النفسية العصابية أو الشيزوفرونيا أو الاكتئاب أو التخلف الفكري والدمار العائلي. وبقدر معرفة الإنسان لنفسه أو عن نفسه بقدر ما تزيد عقده النفسية أو مشاكله العاطفية أو نظراته التائهة وانعدام توازنه. والسبب يكمن في الطفل الكامن في أعماقنا. لذلك فإن قلنا إن الله قادر على كل شيء وأن التفكير البشري محدود، فإن هذا يعنى أن هناك خطة مقررة في حياتنا منذ الأزل ترجع إلى الخالق عز وجلّ. وهذا الإحساس يدل على مسؤولية شخصية عن أعمالنا الرديئة التي نعزوها للآخرين أو ننسبها إليهم. بيد أن للمسألة وجهة أخرى، فقد يكون الشر أساساً لتحسين الحياة الإنسانية إذا سما بالنفس إلى التعقل والرفعة والنضوج.

ووجدت نفسي أضحك في داخلي لأنه عندما يكبر المرء ينحني معدل الحياة احتراماً ليعود إلى مرحلة الطفولة، الطفولة المتأخرة. فهل يمكن للمرء أن يتصرف تصرفات الرجال بينما ينعم باللعب على شاطئ الرمال، ويمعن النظر في جمال الطبيعة، والمشاركة في ألعاب الصغار، ويتساءل عن الغوامض التي تسبق جيله، والتحدث عن أحلام أشبه بأحلام اليقظة، وينام على كرسي هزاز، ويأكل في الشارع بدون اكتراث، ويركب دراجته بشغف واتزان، ويرقص على أنغام الموسيقى، ويطرب للصوت العذب، ويتحدى إلامة النفس عن التصرفات البريئة وغير المقصودة، ويشارك الآخرين بما في يده، ويصارح الغير بمشاعره، و يصلي قبل أن ينام، وينام كالطفل على وسادته.

ولكن يصير الرجل طفلا؟ أو "كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ. ألعلّه يدخل بطن أمه ويولد ثانية؟" لا يا صديقي! إنه يمكن أن يولد في كل يوم جديد، إنها ولادة روحية، بالروح والحق، بالحب والإيمان كالريح "لا تعلم من أين تذهب ولا إلى أين تأتي"، بمجرد لقاء مع المسيح مخلص الأنام. والآن دعونا نصل إلى حل وسط بين العقلانية والروحانية، بين التلقائية والانبساطية، بين الواقعية والاختبارية. فإن نوعية الحياة التي نحياها قد تنتج اضطرابات القلب أو الهضم أو التفكير وتؤدي بالتالي إلى تغيير المقاييس الحياتية برمتها حيث لا ينفع الدواء ولا رجاء في الشفاء. فلكي تتجنب التوتر والأزمات القلبية والانفعالات النفسية والأمراض العضوية فما عليك إلا أن تعيش بعقل رجل وقلب طفل. حسِّن علاقتك بالأطفال لتتعلّم منهم، وقلد بساطة الأطفال لكي تختبر سلامهم، فقد وُلد "الكلمة" طفلاً، وحاور صبيا، وعلم الإنسان ما لم يعلم.

ما هو الإنسان؟ وكيف نعرف أنفسنا؟ إننا غالباً ما نعرف أنفسنا بالقياس بشيء آخر له علاقة بنا أو نتصوره كأفضل معيار للتقنين والتحديد كتقدير مستوى الجمال أو المعرفة أو المستوى الاجتماعي. لقد كان مقياس المسيح في الصفح والغفران مشابهاً لمقياس الله صافح الزلات، فما هو مقياس حياتنا؟ إن المبادئ الأخلاقية لا تتغير لأنها أمر طبيعي في الإنسان. إنها الطفل الذي يكمن فينا، بل والروح الإلهية التي ترقى بالنفس إلى قمة السعادة. ولقد صدق من قال: "إن الجنة والنار حالة نعيش في وسطها"، بل إنها تعيش فينا. ولكننا نبني صرحها يوما فيوم نحو أبدية يبدو فيها أبناء الله أطفالاً أطهاراً بلا عيب ولا غضن. وهذه هي الطفولة المتأخرة.

المجموعة: 200706

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

762 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578142