شباط (فبراير) 2008
قرأت الكتاب المقدس أكثر من خمسين مرة، وحفظت الكثير من أصحاحاته عن ظهر قلب، وآياته تملأ عقلي وتعلمني الجواب حين أحتاج إلى جواب.
في كل مرة كنت أقرأ الكتاب وفي قلبي الصلاة: ”اكشف عن عينيّ فأرى عجائب من شريعتك“ (مزمور 18:119). وكان الرب يستجيب صلاتي، ويراني أن هناك نبوات مستترة، ودروساً عميقة وراء قصص ومعجزات الكتاب المقدس. ووصلت بعد قراءتي، ودرسي، وتأملاتي إلى قرار أخير: الكتاب المقدس هو إعلان الله عن ذاته ومشيئته.. وأن كل نظرية علمية أو تقليد كنسي تخالف ما جاء في الكتاب المقدس يجب أن يرفضها المؤمن الذي يحب الرب يسوع. فالمؤمن الحقيقي يجب أن يتخذ الكتاب المقدس - والكتاب المقدس وحده - دستوراً لإيمانه وسلوكه.
والآن يأتي السؤال: ما البراهين التي تؤكد أن الكتاب المقدس موحى به من الله؟
وسأذكر هذه البراهين على التوالي:
أولاً: البرهان النبوي
وأعني بذلك أن الكتاب المقدس قد ذكر نبوات عن الأمم والشعوب تمت بعد النطق بها بعشرات ومئات السنين، وتتم في زماننا.. وسوف يتم ما لم يتم منها.
فالنبي دانيآل تنبأ عن زوال الإمبراطورية البابلية، وإمبراطورية مادي وفارس (الأكراد والإيرانيين)، والإمبراطورية اليونانية. وتظهر الدقة النبوية فيما حدث للإمبراطورية اليونانية؛ فقد أسس الإسكندر الأكبر هذه الإمبراطورية - ولو سار التاريخ سيراً طبيعياً لتوارثها نسله من بعده - ولكن النبوة أعلنت أن مملكة الإسكندر ستنقسم إلى رياح السماء الأربع، وأن نسله لن يرثها (دنيآل 4:11). وقد تمت النبوة بدقة تامة، فبعد موت الإسكندر تقاسم الإمبراطورية أربعة من قواد جيشه: ”سيلوكس“ الذي أسس مملكة السلوقيين، و”بطليموس“ الذي أسس مملكة البطالسة التي حكمت مصر، و”ليسيماخوس“ الذي حكم البلاد التي تقع شمال شرق اليونان وجزءاً من بلغاريا، و”كاسندار“ الذي أمر بقتل ابن الإسكندر الأكبر، وقتل ”روكسان“ أمه، وأسس مملكته في اليونان، وهكذا تم ما قاله الله بالحرف الواحد.
ومع نبوات دانيآل، تنبأ إشعياء، وإرميا، وحزقيال، والأنبياء الذين كتبوا الأسفار الصغيرة عن الأمم والشعوب.. ومن يقرأ نبوات الأنبياء عن الرب يسوع، وإتمام هذه النبوات في شخصه الكريم يحني رأسه أمام صدق كلمة الله.. فإشعياء تنبأ أن يسوع سيولد من عذراء (إشعياء 14:7)، وأنه سيتألم آلاماً شديدة لأجل آثامنا ومعاصينا (إشعياء 5:53)، وأنه سيُدفن في قبر رجل غني (إشعياء 9:53). وميخا النبي تنبأ عن ولادته في بيت لحم (ميخا 2:5). وداود النبي تنبأ أنه سيموت مصلوباً (مزمور 16:22)، وأنه سيقوم بعد موته ودفنه (مزمور 10:16). وزكريا النبي تنبأ عن مجيئه الثاني وهزيمته للمجتمعين لمحاربته في معركة هرمجدون (زكريا 3:14-4). وقد تمت كل النبوات التي قيلت عن مجيئه الأول. ولا بد أن تتم النبوات التي قيلت عن مجيئه الثاني في وقتها.
إن صدق النبوات الواردة في الكتاب المقدس يؤكد حقيقة وحيه.
ثانياً: البرهان العلمي
ومع أن الكتاب المقدس ليس كتاباً علمياً، إلا أن كل ما ذُكر فيه من الحقائق العلمية أثبتت الاكتشافات الحديثة دقتها وصدقها.. ونذكر منها:
1- كروية الأرض: قبل أن يكتشف ”جاليليو“ أن الأرض كروية، ويقدم ”ماجلان“ برحلته لإثبات كرويتها، قال إشعياء النبي الذي جاء قبل العلماء بمئات السنين أن الأرض كروية: ”الجالس على كرة الأرض“ (إشعياء 22:40).
2- الأرض معلقة على لا شيء: عندما ذهب ”نيل آرمسترونج“ رائد الفضاء في رحلته إلى القمر، وعاد... سألوه: ما هو أعجب ما رأيت في رحلتك؟ أجاب: الأرض المعلّقة على لا شيء.. وقبل اكتشاف آرمسترونج بألوف السنين قال أيوب: ”يمد الشمال على الخلاء، ويعلق الأرض على لا شيء“ (أيوب 7:26).
3- ضربة القمر: عرف الناس في كل الأزمان تأثير ضربة الشمس.. أما ضربة القمر فلم تخطر على بال أحد.. وفي سنة 1959 اكتشف أطباء الأمراض النفسية والعقلية أن ضربة القمر أشدّ من ضربة الشمس. فهناك كثيرون أصيبوا بالجنون بتأثير ضربة القمر.
وقبل هذا الاكتشاف بمئات المسنين، قال كاتب المزمور: ”لا تضربك الشمس في النهار، ولا القمر في الليل“ (مزمور 6:121). ونذكر لضيق المكان، أن الكتاب ذكر حقيقة تفتيت الذرة (2بطرس 10:3)، وحقيقة تأثير الصواعق على نموّ النباتات (أيوب 25:38-27)، وحقيقة القيمة العظمى للدم لحياة الإنسان (لاويين 11:17)، وما اكتشفه علم الجينات أثبته الكتاب المقدس قبل اكتشافه بقرون (تكوين 11:1-12).
ثالثاً: البرهان الأخلاقي
لا يمكن أن تكون الوصايا التي جاءت في الكتاب المقدس والمتعلقة بالأخلاقيات والسلوك من صنع إنسان... إن طاعتها فوق قدرة الإنسان.
¨ خذ مثلاً هذه الوصية: ”اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك“ (تثنية 4:6-5).
أين هو الإنسان الذي يحب الرب من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قوته؟
الجواب الأمين: بغير نعمة خاصة من الرب لا أحد يستطيع أن يطيع هذه الوصية.
¨ وصية أخرى: ”قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزنِ. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه“ (متى 27:5-28).
¨ وصية أخرى: ”سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوّك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم“ (متى 43:5-44).
¨ وصية أخرى: ”إذا صادفت ثور عدوّك أو حماره شارداً ترده إليه. إذا رأيت حمار مبغضك واقعاً تحت حمله وعدلت عن حلّه فلا بد أن تحلّ معه“ (خروج 4:23-5).
هذه الوصايا طاعتها فوق قدرة الإنسان. فمصدرها لا يمكن أن يكون إنسانياً.. إن البرهان الأخلاقي يؤكد وحي الكتاب المقدس.
رابعاً: برهان شهادة المسيح الفادي
لقد شهد المسيح وهو الصادق الأمين لوحي أسفار العهد القديم، فاستخدم آية من سفر التثنية حين واجهه الشيطان في البرية إذ قال له: ”مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله“ (متى 4:4 وتثنية 3:8). وأثبت وحي سفر يونان فقال: ”لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال“ (متى 40:12). وأثبت وحي سفر دانيآل إذ قال: ”فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيآل النبي قائمة في المكان المقدس - ليفهم القارئ“ (متى 15:24). وأثبت وحي التوراة - كُتُب موسى الخمسة - فقال لليهود: ”لا تظنوا أني أشكوكم إلى الآب. يوجد الذي يشكوكم وهو موسى، الذي عليه رجاؤكم. لأنكم لو كنتم تصدِّقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني“ (يوحنا 45:5-46). وقد كتب موسى عن المسيح الكلمات: ”يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي. له تسمعون“ (تثنية 15:18).
إن شهادة المسيح الفادي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك صدق وحي أسفار العهد القديم.
خامساً: البرهان الترتيبي
وأعني به كيفية ترتيب أسفار الكتاب المقدس.
ترتيب أسفار الكتاب المقدس ترتيب أنيق، ودقيق. فقد بدأ الكتاب المقدس بسفر التكوين.. ومنه عرفنا بداية خلق السموات والأرض، وبداية وجود الإنسان، وبداية عصيان الإنسان ونتائج هذا العصيان، وبداية اختيار الرب لإبراهيم ليبدأ به الأمة الإسرائيلية التي خرج منها الأنبياء الأمناء، ومنها جاء الرب يسوع المسيح.. ويلي سفر التكوين سفر الخروج الذي يتحدّث عن تحرير الإسرائيليين من عبودية المصريين. ثم يأتي سفر اللاويين، سفر الذبائح التي كانت ترمز للمسيح ”الذبح العظيم“. وهكذا نستمر لنجد الأسفار التاريخية، والأسفار الشعرية، ثم أسفار الأنبياء الكبار والصغار.. وننتقل من العهد القديم إلى العهد الجديد الذي يتركز في الحديث عن الرب يسوع... عن ميلاده المعجزي وحياته المعصومة عن الخطأ، وصلبه ودفنه وقيامته.. إنه يشرح كيف أكمل المسيح بموته على الصليب، التدبير الأزلي لخلاص الإنسان.
وكما بدأ الكتاب المقدس فأرانا الفردوس المفقود، فإنه ينتهي بالحديث عن الفردوس المردود. وكما أرانا الإنسان بعصيانه مطروداً من الوجود في حضرة الرب في سفر التكوين، أرانا الإنسان سابحاً في هناء أبدي بالوجود مع الرب... ورؤية وجه الرب في سفر رؤيا يوحنا. إن ترتيب الكتاب ترتيب بديع، ظهرت فيه يد الرب الذي أوحى به.
ومن واجب كل مؤمن بالرب يسوع أن يقرأ الكتاب المقدس كل يوم.. وأن يفهم ما يقرأ.. وأن يتأمل ما يقرأ.. وأن يرى البركات المستترة في القصص والمعجزات. ومن واجبه بعد هذا كله أن يرفض بإصرار وحزم كل تقليد بشري يخالف ما جاء في الكتاب المقدس.. وأن يرفع قلبه للرب قائلاً:
”سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي“ (مزمور 105:119). ”أحكام الرب حق عادلة كلها. أشهى من الذهب والإبريز الكثير، وأحلى من العسل وقطر الشهاد“ (مزمور 9:19-10). ”كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً، متأهباً لكل عمل صالح“
(2تيموثاوس 16:3-17).
فإن أردت أن تكون كاملاً، أي ناضجاً تماماً في معرفة الحق... وأن تكون متأهباً لكل عمل صالح.. فاقرأ هذا الكتاب واعلم أنه الكتاب الوحيد الموحى به من الله، وكل كتاب يخالفه هو من تأليف الإنسان أو وحي الشيطان.