Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار May 2010

في حلقة سابقة، تحدثنا عن الثبات في الإيمان كإحدى الخطوات التي لا بدّ منها للمؤمن؛ ما هي ضرورته وعوامله التي تساعدنا في مسيرة حياتنا الأرضية إلى أن يبلغ المؤمن فيصبح شخصية روحية راسخة في الإيمان الصحيح، تنتظر الرجاء الأسمى، والميراث الأبدي المبارك، والأكاليل المعدة للوجود في أمجاد الرب يسوع المسيح.

ولأهمية هذا الموضوع الحساس في حياتنا كبشر ضعفاء، نتعرض لهزات التجارب وعثرات المسير، فلا بد لنا من التوسّع فيه لنرى جوانب أخرى هامة، والروح القدس يساعدنا على استقراء الحقائق والوقائع من كلمة الله الحية.

يشبّه الكتاب المقدس بناء الشخصية الروحية بالبناء المادي الذي يبنيه بنّاء... أو الزرع الذي يغرسه زارع... وحيث أن عناصر هذا الموضوع تستند كلية إلى توجيهات الرب وتنبيرات الكلمة المقدسة، فلنتأمل من خلالها بعناصر ثبات المؤمن:

1- مؤسِّس البناء

لا بد لكل بناء من مؤسِّس يقوم بعملية البناء. وتتوقف مواصفات هذا البناء على قدرة ذلك البنّاء وحكمته وعلمه. تقول كلمة الله: "لأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَبْنِيهِ إِنْسَانٌ مَا، وَلكِنَّ بَانِيَ الْكُلِّ هُوَ اللهُ" (عبرانيين 4:3). أما من حيث تشبيه الشخصية الأدبية بالغرس، فحين ذكر التلاميذ للرب يسوع أن الفريسيين نفروا من كلامه وتوبيخاته، أجاب له المجد: "كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ" (متى 13:15).

لقد حاول الكثيرون خلال عصور التاريخ البشري أن يبنوا أبنية حسب استحسانهم فصارت لعمل الشيطان، أو آلت للفناء والدمار. وهكذا فلقد حاول كثيرون من أجيال عديدة أن يبنوا نماذج لشخصيات أدبية تتلاءم مع مقاسهم الشخصي فكانت شخصيات فاسدة آيلة للسقوط والدمار في نظر الله. كما أن المسكن يصبح له اعتبار أهم على قدر أهمية الساكن فيه. تقول الكلمة الإلهية: "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كورنثوس 16:3). لا شك أن ساكن البيت هو الذي يصونه ويعتني به لئلا تتسرب إليه عوامل السقوط والانهيار... أما ذلك الساكن المبارك فهو أيضاً المؤسِّس العظيم نفسه.

2- مخطط البناء

كما أن المخطَّط هو أساسي جداً في البناء المادي، فكذلك البناء الروحي الذي يُبنى على مخطط صحيح مدروس بعناية، ويحدد جميع الشروط الأساسية؛ التي نجدها في طيات الكتاب المقدس الثمين المكتمل المواصفات كدستور لكل بنيان حي. وإن راسمه وخاتمه هو الروح القدس المبارك. والبنّاء الذي يبني مستنداً إلى إرشاداته وتحذيراته يثبت ضدّ جميع المكائد والصدمات.

3- الأساس

لا شك أن الأساس هو أهم عناصر الثبات. تكلم الرب يسوع في أمثاله عن بيتين ربما لا ينمّ منظرهما الخارجي عن أية فروقات تُذكر. ولكن، حين مرّت عليهما الاختبارات القاسية، سقط الذي كان مبنياً على الرمل، وثبت الذي كان مبنياً على الصخر. إن الأساس المتين الصامد للبناء الروحي هو صخر الدهور الرب يسوع المسيح. يقول الرسول بولس بالروح القدس: "فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (1كورنثوس 11:3). والواضح أن الرسول هنا يخصص حديثه فيؤكد على فرادة ووحدانية الأساس الروحي - لأنه كما تقدم توجد أساسات كثيرة فاسدة على قدر ما توجد أبنية فاسدة مشيّدة عليها - ويقول في مكان آخر: "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" (أفسس 20:2).

عوامل الثبات للبناء الروحي

وتحت هذه النقطة نتأمل في:

أ- مواد البناء: إن مواد البناء ذات أهمية خاصة لبقائه. فهي كما يصفها الرسول بولس بقوله: "وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي عَلَى هذَا الأَسَاسِ: ذَهَبًا، فِضَّةً، حِجَارَةً كَرِيمَةً، خَشَبًا، عُشْبًا، قَشًّا، فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ" (1كورنثوس 12:3-13). فهو يقارن بين مجموعتين من مواد البناء، مشيراً إلى حياة المؤمن العملية التي لها أثر هام في ثبات الشخصية الروحية، ويشبّه الاختبارات التي تتعرض إليها هذه الشخصية بالنار التي تحرق الخشب والعشب والقش بسهولة فلا يبقى لها أثر سوى الرماد.

ب- دعائم البناء ومرتكزاته: تلك أيضاً من أهم عناصر الثبات. فكما أن البناء المادي يقوم على دعائم راسخة ومرتكزات قوية فكذلك أيضاً الحياة الروحية، ونقرأ عن هذه الدعائم في كلمة الله.

أولاً - الإيمان: هو الركن المهم والدعامة الأساسية التي تتركز على الأساس المتين الرب يسوع المسيح. يقول الرسول بولس: "إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ" (كولوسي 23:1). ويقول أيضاً: "لأَنَّكُمْ بِالإِيمَانِ تَثْبُتُونَ" (2كورنثوس 24:1ب).

ثانياً - كلمة الله: وعملها في حياة المؤمن متبادل الأثر. فهي أولاً تثبت فيه ثم تثبّته كما هو وارد في قول الرب: "فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يوحنا 31:8-32). وقال أيضاً: "إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ" (يوحنا 7:15).

ثالثاً - المحبة: يشترط الله المحبة له من كل القلب والفكر والنفس والقدرة. يقول الرب يسوع: "كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي" (يوحنا 9:15)، أي بنفس الطريقة التي أحببتكم بها. ويقول أيضاً: ”تحب قريبك كنفسك“، موسّعاً نطاق المحبة الأفقية أيضاً نحو الآخرين. ويقول الرسول يوحنا: "اَللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ. إِنْ أَحَبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَاللهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ فِينَا" (1يوحنا 12:4). والموضوع الخطير الذي نقرأه عن أهمية المحبة الشاملة يوجد في سفر الرؤيا في الرسالة الموجهة من الرب إلى ملاك كنيسة أفسس، فيعدد الرب بشكل يدعو للفخر والإعجاب أعمال تلك الكنيسة: "أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ الأَشْرَارَ... وَقَدِ احْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي وَلَمْ تَكِلَّ" (رؤيا 2:2-3). ولكنه يتابع بشكل يدعو للتأمل والحذر: "لكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ: أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى. فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى، وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ" (رؤيا 4:2-5).

رابعاً - النور: من أعجب المعاني في هذا المجال موضوع "الثبات في النور" أي الابتعاد عن الظلمة بشكل دائم. ففي الظلمة يعبث الشيطان بالفكر وفيها تتأسس الهرطقات والبدع، وفي الظلمة تُمارَس الموبقات والشرور، وفيها تختفي الشهادة الحية ويصمت صوت الحق.

يقول الكتاب المقدس: "مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمِنُوا بِالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ" (يوحنا 36:12). ومن المعاني الجميلة أن "من يعيش في النور ينير"، لأنه يصبح هو أيضاً نوراً كالقمر الذي يعكس نور الشمس. وقد قال الرب أيضاً: "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل" (متى 14:5).

وهنالك دعائم أخرى يصفها الكتاب المقدس فيقول: "فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ" (أفسس 14:6).

وفي معرض كلامه عن كيفية الثبات، يقول الكتاب أيضاً عن برنابا: "الَّذِي لَمَّا أَتَى وَرَأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ، وَوَعَظَ الْجَمِيعَ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الرَّبِّ بِعَزْمِ الْقَلْبِ" (أعمال 23:11). ويقول بولس الرسول: "يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبَفْرَاسُ، الَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِالصَّلَوَاتِ، لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ" (كولوسي 12:4). ونقرأ أيضاً: "وَإِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ" (1بطرس 10:5).

وأخيراً وليس آخراً قول الرسول بولس: "الَّذِي سَيُثْبِتُكُمْ أَيْضًا إِلَى النِّهَايَةِ بِلاَ لَوْمٍ فِي يَوْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1كورنثوس 8:1).

تلك هي بغية وهدف حياة المؤمن كما هي صلاتنا لأجل كل واحد أيها القراء الكرام. وليمنحكم الله نعمة الثبات الراسخ غير المتزعزع لنصل جميعاً بنعمة المسيح الغنية التي تثبتنا وتقوينا إلى شاطئ الأمان ونتمتع بجميع هبات الرب الرائعة في هذه الحياة، وأخيراً بالحياة الأبدية مع الرب في السماء وله كل المجد والكرامة.

المجموعة: 201005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

153 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10539997