شباط February 2011
الحلقة الأولى
مقدّمة: كتبتُ هذه السلسلة من الدراسات حول سفر الأمثال في حلقات إذاعية، بُثَّت من بعض الإذاعات المسيحية الموجّهة إلى العالم العربي. وسأحاول صياغة بعضًا منها في سلسلة مقالات متتالية.
من المعروف أن الملك سليمان، كاتب معظم أصحاحات سفر الأمثال، هو الذي طلب من الله أن يعطيه الحكمة. وفعلاً اشتُهر سليمان بحكمته في كل العالم القديم. وقد دوّن لنا سفر الملوك الأول 16:3-28، عن حادثة الخلاف الذي حصل بين المرأتين الزانيتين حول الطفل الذي بقي حيًا. وكيف استطاع الملك سليمان أن يحكم للأم الحقيقية بالطفل. وكان ملوك الأرض يأتون ليسمعوا حكمة سليمان، ومن بين هؤلاء أتت ملكة سبأ من اليمن، لكي تسمع وتتأكد من حكمته (1ملوك 1:10-13).
يقدّم لنا سفر الأمثال نصائح عملية على شكل أمثال تحمل حقائق أخلاقية. وهدفها تعليم الناس كيف يحيون حياة نقيّة صادقة وأمينة، بتكرار الأفكار الحكيمة. وكلمة "مثل" تعني يوجّه أو يحكم. أي توجيه الناس نحو الطريق القويم.
يبحث سفر الأمثال في مواضيع متعددة منها: الشباب، الحياة الأُسروية، ضبط النفس، مقاومة التجربة أي الشهوات والرغبات الفاسدة، شؤون الأعمال، الأقوال واللسان، معرفة الله والزواج، البحث عن الحق، الثروة والفقر، والفجور.
يتضمن سفر الأمثال: شعر، أمثال قصيرة، أسئلة محددة، المتناقضات، والمقارنات. ولقد اقتبس الرب يسوع المسيح والرسل الأوائل من سفر الأمثال وإن بطريقة غير مباشرة. ولجأ الرب يسوع المسيح إلى استعمال الأمثال كوسيلة لشرح مفهوم ملكوت الله للجموع.
يُقسَّم سفر الأمثال إلى:
أولاً: مقدمة
ثانيًا: حكمة للشباب وهي عبارة عن ثلاثة عشر درسًا في الحكمة
ثالثًا: حكمة لجميع الناس
رابعًا: حكمة للقادة
خامسًا: ختام عن المرأة الفاضلة وصفاتها.
يبدأ سفر الأمثال بالمقدمة التي تشتمل على سبعة أعداد من الأصحاح الأول، والتي تُعتبر من أطول المقدمات، مقارنة بمقدمة أي سفر آخر في الكتاب المقدس. وهذا ما جاء في المقدمة:
"أمثال سليمان بن داود ملك إسرائيل: لمعرفة حكمة وأدب. لإدراك أقوال الفهم. لقبول تأديب المعرفة والعدل والحق والاستقامة. لتُعطي الجهّال ذكاء، والشاب معرفة وتدبُّرًا. يسمعها الحكيم فيزداد علمًا، والفهيم يكتسب تدبيرًا. لفهم المثل واللُّغز، أقوال الحكماء وغوامضهم". وتُختم المقدمة بالقول: "مخافة الرب رأس المعرفة، أما الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب" (أمثال 1:1-7).
لقد دعت المقدمة القارئ لكي يتعلّم من السفر الحكمة والأدب، وليدرك أقوال الفهم، وليقبل تأديب أو تدريب المعرفة وهو: العدل والحق والاستقامة.
إن هدف كل إنسان أن يدرك الحكمة الحقة الصالحة التي تساعده في حياته اليومية. وأن يتدرّب في طريق المعرفة لكي يحصل على الفضائل المثلى، ألا وهي العدل والحق والاستقامة. فمن المهم جدًا أن يكون الإنسان عادلاً في حكمه، وأمينًا صادقًا، ومستقيمًا في معاملاته.
وبالحق كانت هذه هي رسالة أنبياء العهد القديم من الكتاب المقدس. إذ دعا الأنبياء الشعب دائمًا لكي يبتعد عن الشرور والمظالم، ويعرف العدل والحق والاستقامة. إن هذه الفضائل هي من أسس ومميزات ملكوت الله في العهد الجديد، الذي أعلنه الرب يسوع المسيح.
إن هدف سفر الأمثال هو أن يعطي الجهّال ذكاء. وليس الجاهل هو مجرّد الشخص الذي لا يعرف الحقائق، لكنه هو أيضًا الشخص الذي يتشبّث برأيه، مدّعيًا المعرفة، ورافضًا المعرفة التي تُقدّم له. أي هو صاحب الرأي المتزمّت، المنغلق أمام كل شيء جديد.
وحكمة سفر الأمثال هدفها أيضًا مساعدة الشباب في مقتبل العمر - وهم أقل الناس خبرةً في الحياة - لكي يحصلوا على المعرفة ويدركوا السلوك الصحيح. وهذه الحكمة تزيد من علم الحكيم، وتكسب الفهيم المزيد من تدبير شؤون حياته.
وتعلن المقدمة أن سفر الأمثال كُتب لكي يُقدّم للناس جميعًا، مفتاحًا لكل أمثال الحكماء وأقوالهم وألغازهم الغامضة. وبتعبير آخر إن هدف سفر الأمثال هو شرح أمثال الحكماء، وكشف ألغازهم الغامضة حتى يفهمها الناس من مختلف أعمارهم.
لعلّ أهم ما في مقدمة سفر الأمثال هو تأكيدها أن: مخافة الرب رأس المعرفة. أي أن بدء المعرفة الحقة أو الحكمة الحقيقية هي مخافة الرب.
فما هو المقصود بمخافة الرب؟
وهل مخافة الرب هي مجرد الخوف من الله خالق السماوات والأرض؟
إن مخافة الرب تعني معرفة الله واحترامه، وجعله الأول في حياتنا. فبدون معرفة الرب الإله الواحد الحقيقي ومخافته، لا يمكن البدء باكتساب الحكمة التي تقدّم إرشادًا للحياة كلها. إن معرفة الله الحقة إذن هي بدء أو أساس الحكمة أو المعرفة الحقة.
لعلّ السؤال الآن:
كيف نعرف الله الواحد الحقيقي؟
وهل مجرّد الإيمان بوجود الله الخالق العظيم يكفي؟
هناك الملايين من البشر الذين يؤمنون بوجود الله لكنها لا تستطيع الادعاء بمعرفة الله. إذ أن الإيمان بوجود الله هو غير معرفة الله، أي معرفة الله الحقة بصفاته الإلهية ومميزاته الفائقة.
لقد أعلن الله لنا عن نفسه من خلال المخلص يسوع المسيح. فالمسيح هو كلمة الله الأزلي المتجسّد. ولهذا كتب البشير يوحنا قائلاً: "والكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًّا" (يوحنا 14:1).
لقد عرّف المخلص المسيح بتجسدّه عن حقيقة الله نفسه، لأن الله لم يره أحد قط، ولا يستطيع أحد أن يراه. فالمسيح كما تنبأ عنه إشعياء النبي وقبل تجسّده بمئات السنين أنه "يحلّ عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب" )إشعياء 2:11).
فإذا أردت أخي القارئ أن تعرف الله حق المعرفة، عليك أن تؤمن بالمخلص المسيح ابن الله الوحيد وكلمته الأزلي، الذي أعلن لنا عن صفات الله ومميزاته. وليس هذا فحسب، بل مات على الصليب لكي يكفّر عن خطايانا ويهبنا الحياة الروحية الجديدة والخلود.
وعندما تعرف الله من خلال المخلص يسوع المسيح، وتكون لك شركة حيّة معه، تستطيع أن تبدأ في طريق المعرفة أو الحكمة الحقيقية.
فهل تُراك تتجاوب مع نداء المعرفة الحقة؟ أم أنك تتشبّث بأفكارك الخاطئة عن الله، فتكون من أولئك الجهلة الذين يحتقرون الحكمة والأدب؟