Voice of Preaching the Gospel

vopg

نيسان April 2011

ابنُ زبدي أنا، أمتطي البحرَ ومن الغرقِ لا أخشى. وبيتُ صيدا مدينتي وهي التي تقع على ساحل بحر الجليل حيث مسقط رأسي. وهناك يحطُّ مركبُنا، وإليه أتَّجه مع أخي يعقوب في كل يوم يَطلُّ علينا، لكي نُعينَ أبانا ونراقب المأجورين العاملين معنا في صيد السمك. وبينما كنت يومًا أتحدّث مع أخي، ونحن نصلحُ شباكنا المخرَّقة من السمك الكثير، عن موضوع هامٍ شغل بالنا معًا، إذا بنا نفاجأ بيسوع نفسه محطِّ اهتمامنا ومحور حديثنا، يمشي عند البحر، فتسمَّرنا كلانا في أماكننا. ثم رأيناه يلتفتُ إلينا ويدعونا نحن الاثنين معًا لكي نتبعه. بادئ ذي بدء، لم نصدِّق أذنينا، لأنَّ دعوته تلك فاجأتنا ونظرتَه إلينا بهرتْنا، فتركنا للحال السفينة على الشاطئ، وتخلَّينا عن أبينا وكلِّ الأُجراء، وتبعناه.

 

أجل، تبعناه على الرغم أنه لم يكن له مكان معيّن يبيتُ فيه، كما اكتشفنا سابقنا. تركنا السفينة للحال ولم تردعْنا من ذلك صيحاتُ الوالد زبدي المعترضة. وهرعْنا وراءه تابعَين، خاضعَين، وسامعَين وعاملَين. لقد سمعنا عنه مسبقًًا من معلّمنا يوحنا، الذي أشارَ إليه يومًا وقال: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 1:29).

لم نفهم يومها ماذا كان يعني المعلم يوحنا بتسميته تلك "حمل الله"، وظلَّت هذه الجملة تشغلُ حيِّزًا من تفكيري أنا وأخي. وسرعانَ ما بدأت تنكشفُ أمام ناظرينا معانيها العميقة إثرَ اتِّباعنا له والتصاقنا به ومكوثنا معه وإلى جانبه. وراحت تتبيَّن لنا حقائقُ عجيبة ومبهرة عن شخصيته الفريدة حين شَرعْنا نجولُ المدن والقرى نستمع له وهو يعلّم ويكرز، ويشفي كل مرض وكل ضعف. حتى إنَّ جميع السُّقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة وكذا المجانين والمصروعين والمفلوجين كان يمدُّ إليهم يده ويشفيهم. وعلى أثر ذلك تبعتْهُ جموع غفيرة من الجليل والمدن المجاورة ومن عبر الأردن. ولا يمكن أن ننسى ذلك اليوم الذي كنا نلازمُه فيه مع بطرس وباقي التلاميذ وكيف أنَّ "واحداً من رؤساء المجمع واسمه يايرس جاء إليه وخرَّ عند قدمي السيد وطلب إليه كثيراً قائلاً: ابنتي الصغيرة على آخر نسمة. ليتك تأتي وتضع يدك عليها لتشفى فتحيا." ولكن "وبينما هو يتكلم إذا برجل من دار رئيس المجمع قد أتى وقال: ابنتك ماتت لماذا تتعب المعلم بعد؟" أما يسوع ذو القلب الشفوع التفت إلى يايرس وقال: "لا تخف آمن فقط." عندها لم يسمح لأحد أن يدخل البيت سوى يعقوب وبطرس وأنا. وفوجئنا بالناس حينذاك وهم يولولون ويبكون. ولما قال لهم "الصبية نائمة"، ضحكوا عليه. فأخذ والديّ الصبية "ودخل حيث كانت مضطجعة وأمسك بيدها قائلاً: يا صبية لكِ أقول قومي. وللوقت قامت الصبية ومشت لأنها كانت ابنة اثنتي عشرة سنة" (مرقس 5). نعم، بُهت عندها الجميع. أما نحن فلقد عمِّت الفرحة قلبينا وازداد فخرُنا بانتمائنا لهذا السيد العظيم، وكانت تلك مرة أخرى تتَّضح لنا معالمُ شخصيته الفريدة والمميّزة.

وبلغ إعجابُنا بالسيد أوجَهُ حين اصطحبنا وبطرس في أحد الأيام إلى جبلٍ عال منفردين وهناك "تغيَّرت هيأته قدامنا، وصارت ثيابه تلمع بيضاء كالثلج". فخفنا جدًا، وظهر لنا إيليا مع موسى وكانا يتكلمان معه. فطاب لبطرس الرفيق المقام هناك على الرغم من الاضطراب الشديد الذي حل بنا جميعًا، وطلب منه المكوث هناك وَصُنْعَ ثلاث مظال لكل واحد منهم مظلة. وللوقت ظللتنا سحابة وسمعنا صوتًا من السحابة قائلاً: "هذا هو ابني الحبيب. له اسمعوا". نظرنا للحال من حولنا فلم نرَ أحدًا غير يسوع وحده. وأوصانا يومها بأن لا نخبرَ أحدًا بما حدث، إلا متى قام ابن الإنسان من الأموات (مرقس 9). وهكذا بقينا متعجبين من قوله عن القيامة من الأموات، لأننا لم نفهم عند ذاك ماذا كان يعني بالفعل!!

ثمَّ أذكرُ مرة حين حدثت مشاجرة بيننا نحن التلاميذ، تُرى من هو الأعظم فينا؟ ولكوني وأخي ننحدر من أسرة غنية، ولكون أبينا زبدي يملك عمَّالاً وأجَرَاء كثيرين، قلنا في أنفسنا: من تُراه أعظم منا أنا وأخي يعقوب؟ بالطبع نحن. لكنّ يسوع المعلم أدهشنا يومذاك إذ عرف أفكارنا والتلاميذ، وللوقت "أخذ ولداً وأقامه عنده وقال: مَنْ قََِبل هذا الولد باسمي يقبلني ومن قبلني يقبل الذي أرسلني. لأن الأصغر فيكم جميعًا هو يكون عظيمًا" (لوقا 9). وليس هذا فحسب بل عندما أرسل المعلم رسلاً إلى أورشليم ليمهِّدوا له الطريق دخلوا قرية للسامريين. لكن السامريين لم يقبلوه. وللحال احتدَّت روحُنا فينا أنا وأخي، وامتلأنا غيرةً على السيد وحقدًا على السامريين واندفعنا بحماسٍ وقوة قائلَيْن له: "يا رب، أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضًا؟". لكن ما حدث في تلك الساعة فاجأنا جدًا وجوابه لنا أخمدَ فينا كلَّ روح للانتقام، إذ قال منتهرًا إيّانا: "لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليهلك أنفس الناس بل ليخلص" (لوقا 9). نعم، بدأت كلماتُه تلك تنخس قلبينا المملوئَين بالغضب والاندفاع الأحمق. حقًا لقد صدَقَ حين دعاني وأخي "بوانرجس" أي ابني الرعد. فهدَّأنا نفوسنا للحال، وتعلّمنا شيئًا فشيئًا الحبَّ مكانَ الكُره والازدراء، والرحمةَ محلّ القسوة، والعدلَ والإحسان بدلَ الحكم على الإنسان. وفي كلِّ يوم كان يمضي كنا نُعجب بشخصه الفريد، وصرتُ أنا يوحنا متعلِّقا به إذ وجدتُ فيه المحبة الخالصة. وبادلني هو أيضًا حبًّا بحب.

ومرةً أخرى، اشتركَتْ أمي في تلبيةِ رغباتنا الجامحة لنحتلَّ المركز الأول إلى جانبي السيد والمعلم في ملكوته. ألسنا نحن بالأولى؟ وَلِما لا؟ ألم نكن من أوائل الذين دعاهم؟ إذن يحقُّ لنا الجلوس عن يمينه ويساره بحق الأولوية. فتقدَّمت سالومة أمي برفقتِنا وسجدت له وطلبت منه ذلك. لكن يسوع لقننا درسًا لا يُنسى في ماهيّة الرئاسة الحقيقية داحضًا بذلك كل ما لدينا من اعتدادٍ بالنفس والنرجسيّة. إذ قال موضحًا فيما بعد: "لا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا. ومن أراد أن يكون أوّلاً فليكن لكم عبدًا. وترك لنا مثالاً عن نفسه إذ قال: لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (متى 20).

وشيئًا فشيئًا راحت تتضّح لنا أشياء كثيرة فيما بعد، وبدأنا ندركُ سموَّ تعاليمه. ولكن يوم أمسكوه وألقوا القبض عليه هناك في بستان جثسيماني، شعرنا نحن الذين كنا قريبين منه، بأنَّ قلوبَنا قد اقتُلعت من بين صدورنا. ومضيتُ أنا يوحنا وراءهم إلى دار الولاية ودخلت إلى الداخل أراقبُ الحدث عن كثب. لكن ويا للأسف، وعلى الرغم من كل ما صنعهُ من خير ومعجزات، ألبسوه تهمًا زورًا وبهتانًا. وغصَصْتُ أنا لمَّا رأيته يُقتادُ إلى الصليب فلحقْتُ به لأننَّي لم أكن أتصوّر حياتي أبدًا بعيدًا عنه. وهناك عند الصليب، حيث كانت جراحه تسيل، نظَر إلى أمه نظرةً مفعمةً بالحنان والحب كعادته، وقال: "يا امرأة هوذا ابنك". وأشار إليَّ. ثم تطلَّع إليَّ وقال: "هوذا أمك"

(يوحنا 19) وهو في حال الأسى والحزن والألم العميق عهد بأمِّه إليَّ لكي أعتني بها وأكونَ مسؤولاً عنها. واتَّخذْتُ أنا الوديعةَ بكل فخر واعتزاز إلى خاصتي وتحتَ عهدتي.

ولكن، لمَّا أسلم يسوع الروح، وهو على الصليب، أبدت الطبيعة نفسُها حزنَها لفقدانه، كما اشتركت معنا في إظهار الأسى إذ لَبستِ الشمسُ ثوبًا حالكَ السواد حدادًا على انتقاله. حقًّا يا له من منظرٍ عجيب وكئيب ورهيب. إذ ماتَ المعلم ظلمًا بعد أن حُكم عليه بهتانًا وعدوانًا. ورأيت بأم عيني المحبة المتدفّقة تدفعُ الثمن غاليًا على صليب العار والهوان.

ولكن ما أن مضتْ أيام ثلاثة، حتى سمعتُ أنا يوحنا وفي فجر أول الأسبوع من مريم المجدلية بأنَّ جسد يسوع لم يكن في القبر. فقمتُ أركض مع بطرس إلى القبر لنتأكد من الخبر. وأخذ الدمُ يتدفّق بعنف في عروقي وصار قلبي ينبض بسرعة كبيرة. وإذ وصلتُ أنا أوّلاً إلى القبر، انحنيت فرأيت الأكفانَ موضوعة هناك بالحق، لكنني لم أدخل. ولما جاء بطرس دخلت معه ورأيت بأم عيني المنديل الذي كان على رأسه موضوعًا جانبًا. فارتعشْتُ للحال، ودبَّت في حنايا نفسي الداخلية الثقةُ الأكيدة بأنَّ ما قاله لنا المعلمُ إذن، باتً حقيقةً وأنه فعلاً قام من بين الأموات. عندها فهمتُ أقواله عن القيامة. فآمنتُ وصدّقت بكلامه الذي بقي حيًا في داخلي مما بعث الطمأنينة والأمان فيّ. وفاضت روحي فيَّ بكلماتِ شكرٍ وتقدير لمحبته الفائقة الوصف، ولاتضاعه العظيم، ولتميُّزه الفريد بانتصاره على الموت.

نعم، لقد سلَبَ معلّمي يسوع لُبّي وكياني، حتى طفِقْتُ أدوِّن بوحي الروح القدس فيما بعد، قصته المميّزة إلى العالم أجمع، قصةَ اللهِ الذي صارَ بشَرًا وحلَّ بيننا، قصةَ التضحية الإلهية بالمركز والسلطان، واتضاع الابن الذي أضحى في الهيئة ابنَ الإنسان. وصرت أنا يوحنا أشهدُ عن حبه العجيب قائلاً: أنا أحبه لأنه هو أحبني أولاً. وأراني الروحُ طيلةَ حياتي بعد ارتفاعه عنا، ما كان لا بدَّ أن يأتي على الكنيسة من اضطهاداتٍ وآلام لأجل حَمْلِ اسمِه العظيم. ونال أخي ورفيقُ إيماني يعقوب المحبوب تاجَ الشهادةِ الأول. فيا إخوتي وأخواتي، هذه هي وصيتي لكم، أن ثبتوا فيه حتى إذا أُظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه (1يوحنا 2: 28).

أخوكم وشريككم يوحنا الحبيب

المجموعة: 201104

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

119 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10560043