تشرين الثاني November 2011
يحاول الشيطان دائمًا إخفاء الحقائق عن الإنسان، وأهم ما يحاول إخفاءه هو حقيقة الإنسان نفسه. ويتبع في ذلك طرقًا كثيرة أذكر بعضًا منها على سبيل المثال:
- يعمي ذهن الإنسان حتى لا يرى عيوبه "الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ".
- وأيضًا يحاول إقناع الإنسان ببساطة الخطايا التي يرتكبها وأنها لا يمكن أن تؤدي به إلى العذاب الأبدي.
- وبجانب هذه المحاولة يضع الشيطان أمام الإنسان خطايا الآخرين، حتى الأنبياء منهم والرسل. فمنهم من كذب، ومنهم من زنى وقتل، ومنهم من عبد الأصنام، ومنهم من شك، ومنهم من أنكر معرفته بالرب يسوع، بل سبّ ولعن وحلف أنه لا يعرفه.
- وأيضًا يحاول الشيطان أن يقنع الإنسان أن الله طيب القلب ومحب ورحوم، فلا يمكن أن يضع من يحبهم في النار!
والسؤال الذي يفرض نفسه هو، لماذا يفعل الشيطان هكذا؟ الجواب، هو حتى لا يكتشف الإنسان حقيقته فيعرف حاجته ويبحث عن العلاج...
وهناك سؤال آخر وهو: ماذا يفعل الشيطان إذا اكتشف الإنسان نفسه وعرف حاجته؟
الجواب: سيقوده إلى اتباع طرق خاطئة لا تقوده للعلاج، وهذا عين ما فعله مع أفرايم ويهوذا "وَرَأَى أَفْرَايِمُ مَرَضَهُ وَيَهُوذَا جُرْحَهُ، فَمَضَى أَفْرَايِمُ إِلَى أَشُّورَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكٍ عَدُوٍّ. وَلكِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْفِيَكُمْ وَلاَ أَنْ يُزِيلَ مِنْكُمُ الْجُرْحَ" (هوشع 13:5).
وللفائدة سنتأمل في ثلاثة أمور:
أولاً: شرور وآثام
ثانيًا: لجوء لجنود الظلام
ثالثًا: فرصة تستحق الاغتنام
أولاً: شرور وآثام
وصلت حالة أفرايم ويهوذا إلى أسوأ ما يكون من الشر والفساد.
1- الارتباط بالعبادة الوثنية: نقرأ عن أفرايم ويهوذا: "وهم ملتفتون إلى آلهة أخرى" (هوشع 1:3). وفي هوشع 17:4 "أفرايم موثق بالأصنام. اتركوه".
غريب هذا التحوّل من مجرد الالتفات إلى آلهة أخرى إلى الارتباط والالتصاق بها! عبدوا الأصنام بكل أحاسيسهم وجوارحهم... يذبحون أمامها ويبخّرون لها، ويطلبون مشورتها وينسبون لها الخيرات التي أعطاهم إياها. يا له من جهل مطبق أن يعبد الإنسان آلهة من صنع يديه! قال عنها الكتاب المقدس: "أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ... مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا".
ربما يقول البعض: إننا لا نعبد إلا الله، ولم تنحنِ ركبنا أمام وثن. أقول لمثل هؤلاء أنه توجد صور متعددة للعبادة الوثنية: عبادة الرب بالشفتين دون القلب، والطمع، والاهتمام بالمصالح الشخصية التي تسلب كل أوقاتنا، ومحبة أي شيء أكثر من الله هي في الحقيقة عبادة وثنية.
2- الانغماس في الملذات الجسدية: انغمس الشعب في خطيتين شنيعتين وهما الزنى والخمر... انغمسوا في خطية الزنى "لأَنَّ أُمَّهُمْ قَدْ زَنَتِ. الَّتِي حَبِلَتْ بِهِمْ صَنَعَتْ خِزْيًا. لأَنَّهَا قَالَتْ: أَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيَّ...". إن خطية الزنى لها عقاب في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ولنسمع ماذا يقول الكتاب عن عقاب خطية الزنا: "لأَنَّهُ بِسَبَبِ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ يَفْتَقِرُ الْمَرْءُ إِلَى رَغِيفِ خُبْزٍ... أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَارًا فِي حِضْنِهِ وَلاَ تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟ أَوَ يَمْشِي إِنْسَانٌ عَلَى الْجَمْرِ وَلاَ تَكْتَوِي رِجْلاَهُ؟"؛ "والزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ". هذا إلى جانب الأمراض الخطيرة التي تصيب الزناة مثل الإيدز والزهري وغيرهما...
وشرب الخمر لا تسفر عنه غير المصائب والبلايا والعار... فنوح سكر وتعرّى داخل خبائه، ولوط أسكرتاه ابنتاه وفعلتا معه الشر! ويذكر الكتاب نصًا يبيّن الأضرار الناجمة عن شرب الخمر، "لِمَنِ الْوَيْلُ؟ لِمَنِ الشَّقَاوَةُ؟ لِمَنِ الْمُخَاصَمَاتُ؟ لِمَنِ الْكَرْبُ؟ لِمَنِ الْجُرُوحُ بِلاَ سَبَبٍ؟... لِلَّذِينَ يُدْمِنُونَ الْخَمْرَ، الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي طَلَبِ الشَّرَابِ الْمَمْزُوجِ".
رأى أحد شريبي الخمر حلمًا، وقصّه على أحد الحكماء: رأيت في حلم ثلاث كائنات حية: الأول أعمى والثاني سمينًا والثالث هزيلاً. فقال الحكيم: الكائن الأعمى هو أنت شارب الخمر، والثاني السمين هو صاحب الخمارة الذي يكسب من ورائكم المال الوفير، والكائن الهزيل هو أسرتك... فما كان من ذلك السكير إلا أن توقّف عن شرب الخمر تمامًا وسلم حياته للمسيح.
3- كسر الوصايا الإلهية: رأينا ارتباط الشعب بالأصنام وانغماسه في الملذّات الجسدية، فيكون بذلك قد كسر وصيّتين، غير أن هناك ستة من الخطايا ذكرت في هوشع 1:4-2 "إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ، لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللهِ فِي الأَرْضِ. لَعْنٌ وَكَذِبٌ وَقَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ". وبهذه يكون قد كسر بقية الوصايا الإلهية. لقد تعدّوا كل الحدود وألقوا بالشرائع الإلهية خلف ظهورهم وضربوا بها عرض الحائط. ومع كل أسف اشترك جميع الشعب في ارتكاب هذه المعاصي "فَيَتَعَثَّرُ إِسْرَائِيلُ وَأَفْرَايِمُ فِي إِثْمِهِمَا، وَيَتَعَثَّرُ يَهُوذَا أَيْضًا مَعَهُمَا"، "وَكَمَا يَكُونُ الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ".
ويذكر الوحي المقدس تعبيرات صعبة عن هؤلاء العصاة فيقول: "جَمَحَ إِسْرَائِيلُ كَبَقَرَةٍ جَامِحَةٍ"؛ "تَوَغَّلُوا فِي ذَبَائِحِ الزَّيَغَانِ"؛ "قَدْ غَدَرُوا بِالرَّبِّ"... وإن كانت هذه الخطايا ارتكبت ضدّ الرب إلا أنها أضرّت بهم ضررًا شديدًا.
ثانيًا: لجوء لجنود الظلام
"فَمَضَى أَفْرَايِمُ إِلَى أَشُّورَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكٍ عَدُوٍّ"، وحدث ذلك بعدما اكتشفوا حالتهم. ترى، كيف عرف أفرايم مرضه ويهوذا جرحه؟ في ذلك أقول إن الرب اتّبع وسيلتين في إيقاظهما: الأولى هي الأصوات الناتجة عن القرن والناي وصوت الصراخ، والثانية هي التأديبات الخفيفة التي أوقعها الله على الشعب. "اِضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي جِبْعَةَ، بِالْقَرْنِ فِي الرَّامَةِ. اصْرُخُوا فِي بَيْتِ آوَنَ"؛ "فَأَنَا لأَفْرَايِمَ كَالْعُثِّ، وَلِبَيْتِ يَهُوذَا كَالسُّوسِ".
أما ما فعله هؤلاء بعد اكتشاف حالتهم واضح في قول الوحي المقدس: "فَمَضَى أَفْرَايِمُ إِلَى أَشُّورَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكٍ عَدُوٍّ". إلى أشور؟! أليست أشور هي التي فرض ملوكها الجزية على ملوك إسرائيل ويهوذا؟ وبدأ ملكها شلمناصر بحصار السامرة، وملكها سرجون أتمّ حصارها بالكامل، وملكها سنحاريب عيّر شعب الله وهدّدهم بالقضاء عليهم وقتلهم جميعًا لولا أن قتله ابناه أدرمَّلك وشرآصر؟! كان من المنطق أن يرتمي أفرايم ويهوذا في حضن الرب معترفين ومتذللين طالبين الخلاص والنجاة، فيتم المراد من رب العباد، ولكن بلجوئهم إلى أشور ساءت حالتهم وازدادت خطورتها، فكان ملك أشور وشعبه بالنسبة لأفرايم ويهوذا عبارة عن آبار مشققة لا تضبط ماء.
ثالثًا: فرصة تستحق الاغتنام
مع أن أفرايم ويهوذا يستحقان عقابهما الصارم إلا أن الله أعطاهما فرصة ثانية وذلك لأن الله يحب شعبه حبًا مطلقًا "لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ".
ربما يسأل أحد القراء: أين نقرأ عن منحهم فرصة أخرى؟
للجواب أقول: إنه في هوشع 15:5 قول الرب: "وَأَرْجعُ إِلَى مَكَانِي حَتَّى يُجَازَوْا وَيَطْلُبُوا وَجْهِي. فِي ضِيقِهِمْ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ". ولو قارنا هذه الكلمات بما جاء في إشعياء 21:26 "لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ"، سنصل إلى أمر هام وهو أن الله لكي يعاقب يخرج من مكانه، وعندما يتوقف عن العقاب يرجع إلى مكانه، وعندما يرجع الله إلى مكانه يكون قد حدث شيء من اثنين: إما أن يكون قد أتمّ العقاب، أو أن يكون قد منح المعاقبين فرصة ثانية. ولأن الله لم يتمم عقابهم فيكون قد منحهم فرصة أخرى... وهذا ما حدث مع أفرايم ويهوذا... يا له من إله محب ورحيم ورؤوف، طويل الروح وكثير الرحمة. نقرأ عنه في إشعياء 18:30 "وَلِذلِكَ يَنْتَظِرُ الرَّبُّ لِيَتَرَاءَفَ عَلَيْكُمْ. وَلِذلِكَ يَقُومُ لِيَرْحَمَكُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهُ حَقّ"، هللويا!
ويعجبني أن أفرايم ويهوذا اغتنموا الفرصة كما نقرأ في هوشع 1:6-3 "هَلُمَّ نَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ لأَنَّهُ هُوَ افْتَرَسَ فَيَشْفِينَا، ضَرَبَ فَيَجْبِرُنَا. يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا أَمَامَهُ. لِنَعْرِفْ فَلْنَتَتَبَّعْ لِنَعْرِفَ الرَّبَّ".
لقد أضاعوا الوقت والجهد بذهابهم إلى أشور ولكنهم أخيرًا لجأوا إلى لطريق الصحيح.
عزيزي القارئ، اعرف نفسك. اكتشف حالتك وحاجتك، ولا تضيّع وقتك في محاولات شخصية لخلاص نفسك، ولا في لجوئك لآخرين ليخلصونك، ولكن الجأ للرب يسوع المسيح وحده، فهو المخلص الوحيد الذي قال عنه الوحي: "ولَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ". ليس عليك إلا أن تأتي معترفًا بمرضك وجرحك طالبًا الخلاص وثق أن دم المسيح يطهر من كل خطية.