Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيلول - تشرين الأول Sep - Oct 2012

الدكتور صموئيل عبد الشهيدعلى قدر المحبة يكون الألم.
كلمة مأثورة لا يدركها إلا من أحبّ كثيرًا وتألم كثيرًا. ومما لا شك فيه أن المشاعر البشرية لا يمكننا أن نراها ولكننا نعاين مظاهرها، ونشهد تفاعلاتها في أثناء الكوارث والنكبات. أما الأحاسيس الكامنة والواعية فهي تظل دفينة في الصدور يتعذّر على المشاهد أن يسبر أغوارها.
أقول هذا لأن الآية الواردة في إنجيل يوحنا تلخّص عواطف المسيح من نحونا  وتعرب عن عظم المحبة التي يكنّها المسيح من أجلنا إذ تقول: "... وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى" (يوحنا 1:13). ولكن هذه المحبة التي لا قرار لها لم تكن مشروطة، بل كانت محبة تفوق كل خيال وتصوّر.
فدعنا يا قارئي أن نقوم برحلة في عالم الحب. أريد منك أن تجنح معي إلى دنيا غريبة عنك لا تعرف عنها شيئًا، ثم تلتقي بمن يحدثك عن ابن ملك الذي من فرط محبّته لأبناء مملكته كان على أتمّ استعداد لكي يضحّي بنفسه. وإذ تسأله عمّا جرى فيجيبك:
ذات يوم أقبل جيش جبار مدمّر يقوده ملك ظالم لا يهمّه من الدنيا سوى الاستيلاء على الممالك، وتحويلها إلى أنقاض، فاستولى الرعب على المواطنين المسالمين، وامتلأت قلوبهم بالفزع، وتساءلوا: ما العمل؟ ولم يكن هناك من مجيب، فكان لا بدّ لهم أن ينطلقوا إلى قصر الملك، لعلّهم يجدون حلاً لهذه الداهية التي ألمّت بهم. ساروا في شوارع العاصمة منكّسي الرؤوس، تدور في نفوسهم خواطر مؤلمة، وتطغى عليهم مشاعر رهيبة. حدّثوا نفوسهم: ماذا في وسع ملك البلاد أن يفعل؟ هل لديه القوة على إنقاذنا، والدفاع عنّا، وقهر جحافل هذا العدوّ الظالم؟ أسئلة حائرة راودت قلوبهم، ولم يجدوا لها جوابًا.
وإذ بلغوا أسوار القصر، شاهدوا الحراس والجنود قابعين في أماكنهم، تبدو على وجوههم سيماء الكآبة والانقباض، فتقدم أحد زعماء هذا الجمهور المرتعب من قائد الحرس ليطلب مقابلة الملك، غير أنه قبل أن ينطق بكلمة رأى ابن الملك يخرج من القصر ويُقبل إليه فاتحًا ذراعي المحبة ويسأله بكل دعة ولطف: لماذا تريد مقابلة الملك؟ فأجابه الرجل: إننا هنا كغنم بلا راعٍ، ضائعون، خائفون، لا ندري ماذا نفعل وجيوش الأعداء تهاجمنا وليس لدينا السلاح ولا القوة العسكرية القادرة على ردّ الأذى عنا فجئنا هنا نستغيث بالملك ولنستأنس برأيه.
صمت ابن الملك لحظة، ثم لاحت على محياه الوضيء ابتسامة مُطمئِنة، وأجاب:
أنتم أحبائي، أنتم أبناء وطني، أنتم خاصتي، وقد أحببتكم إلى المنتهى. وقد خرجت إليكم، لأعلن لكم، أنني، أنا ابن الملك، سأبذل نفسي عنكم جميعًا؛ سأقف في وجه هذا العاتي الظالم، وأتحدّاه، سأحمل بذاتي راية الخلاص، وحيدًا، مجاهدًا لأتمم جميع ما ورد عني بالنبوءات. إنني أحبكم إلى المنتهى. فسأله: كيف بوسعك أن تصدّ هذا المدمّر وتمنعه من الهجوم على هذه المدينة وأنت وحدك تقف في الثغرة؟
ابتسم ابن الملك وقال: أنا لست وحدي، إنني أحمل في قلبي كل ذرة من محبتكم، أنتم سلاحي، وقوتي. إن محبتي لكم تحفزني على التضحية بذاتي وإنقاذكم من شر هذا الداهية. إن أكثر ما يخشاه هذا العدو هو فدائي لكم. سأقول له: إنني مستعد أن أقدّم نفسي فدية عن أبناء وطني، خاصتي وأحبابي. لهذا أنا جئت. إنني سأدفع الثمن... وأراد أن يستطرد، ولكن الرجل قاطعه: لا يمكن أن يحدث هذا، فأنت أمير البلاد ونحن في حاجة إليك. لا نرضى لك أن تموت من أجلنا.
نظر إليه ابن الملك وأجاب: إنني لن أموت لأن تضحيتي من أجلكم ستعيش في قلوبكم، بل إنني سأعيش معكم وفيكم في كل يوم؛ سترونني بينكم أسير في دروب حياتكم لأنني أحببتكم إلى المنتهى.
خيم الصمت على الجماهير المحتشدة، وسالت العبرات على وجوههم. لم يستطيعوا أن يعوا كيف يمكن لابن الملك أن يبذل نفسه من أجلهم. لم ير أحدهم حبه المتأجج في قلبه، ولا ذلك الإشفاق عليهم من الهلاك. إن بيده راية الخلاص، وهي التعبير الحيّ عن تلك المحبة التي تحمل في ذاتها الفداء والنجاة من الموت الأبدي. لم يخطر ببال أحدهم أن في مثل هذه المحبة تكمن الغلبة على قوات الشر التي تَهُمُّ أن تجتاح المملكة، ولا يوجد من يصدّها أو يردعها. وليس في هذا الأمر من عجبٍ فإن هذه المحبة تختلف عن غيرها من المحبة، إنها محبة القوة التي تتلهّب شوقًا لخلاص الجنس البشري. إنها الكنز المرصود الذي يحمل في طياته المجد الإلهي. لقد كان "الفعل" هو التعبير الأسمى عن هذه المحبة. لم تكن تلك المحبة مجرد كلام لا طائل منه، بل كانت فعلاً حيًا، تجسّد حقيقة، لعبت دورًا باهرًا في تاريخ البشرية...
وفي لحظة انكشاف روحي أدرك "أبناء الملكوت" ما معنى تضحية ابن الملك. إن تلك التضحية التي كان لا بد منها تتضمن في ذاتها قوة الحياة وانتصارها.
إن آلام أبناء المملكة واحتمال هلاكهم كانت الصرخة التي استدعت التدخّل الإلهي، ولا سيما أن كل فردٍ من مواطني تلك المملكة كان يحمل جنسية المواطنية وهي أنه مخلوق على صورة الله ومثاله، ولا يمكن لخالق الإنسان المحب أن يترك لقوى الشر أن تقوّض ما أنعم الله به على البشرية. إن المحبة هي محبة أزلية – أبدية متوافرة تفيض بقوة من قلبه. ولكن تلك المحبة تفقد فعاليتها عندما يتنكر لها الإنسان، ويركلها بقدميه.
إن ابن الملك أقدم على التضحية طوعًا وليس مكرهًا! فقد آلمه أن يرى هذا المخلوق على صورة الله ومثاله يهرع إلى درب الهلاك الأبدي. ولشد ما تألم قلبه من فرط محبته فأفصح عن أشواقه لخلاص الإنسان من الدينونة. فورد في الكتاب المقدس أروع آية لأروع "فعل حياة" عندما قال: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 16:3).
إن هذه العلاقة التاريخية-العاطفية ما بين الله والإنسان لم تكن علاقة وهمية، أو ترديدًا أجوف، ولكن عندما جاء ملء الزمان فإن ما كان نبوءة تحوّل إلى "فعل" تمّ تحقيقه بفضل تلك المحبة وذلك الألم.
إن ابن الملك الذي وقف في الثغرة وحمل الصليب قبل أن يحمله، حقق في لحظة موته ما لم يستطع أحد أن يحققه منذ خلق آدم إلى يومنا هذا – والواقع أنه لم يكن في وسع أحدٍ أن ينفذ الخطة الإلهية في الانتصار على الخطيئة، والموت، وتحرير الإنسان من إثمه ومعاصيه، وتأمين الحياة الأبدية إلا ابن الملك البار، النقي، القدوس الذي غلب الموت بالموت.
هذا موقف لم يتكرر في التاريخ لأنه لا نظير لتلك المحبة المتألمة الصادرة من قلب الله المحب والغفور. ومما يلفت الانتباه أننا لم نكن ولن نكون جديرين بهذه المحبة ولا بذلك الألم، ولكن نعمة الله هي التي رحمتنا بفضل محبة المسيح المتفوقة. فكلمة الله تقول: "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان" (أفسس 8:2). وهذه النعمة من جراء سخاء الله ومحبته وغفرانه.
أجل إن الله الرحيم تألم لمصير الجنس البشري الذي خلقه فضلاً وحبًّا، ولكن الإنسان في تمرّده وعصيانه فجّر في قلب الله ألمًا يعسر على تصورات الإنسان إدراكه. بيد أن محبته المتدفقة امتدّت بفعل أشواقه وآلامه لتنقذ خاصته، أولئك الذين أحبهم إلى المنتهى. فهل أنت من خاصته؟

المجموعة: أيلول-تشرين الأول Sep-Oct 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

444 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10474702