كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013
لا أستطيع أن أطالب أي إنسان لكونه يُدعى مسيحيًا بالثبات في المسيح، لأنه ليس كل من يقول أنه مسيحي يكون مسيحيًا حقيقيًا. "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (متى 21:7).
فهناك دائرة تسمى دائرة الاعتراف المسيحي وتضم كل من يعترف بيسوع المسيح بفمه فقط وليس بقلبه، بل الأخطر من ذلك إن في هذه الدائرة أناسًا منتسبين لأسر مسيحية، وفي داخلهم لا يعلمون شيئًا عن المسيحية وبالتالي لا يؤمنون بشيء، لذلك يجب على كل إنسان مدعو للثبات في المسيح أن يخطو أولاً الخطوة الأولى وهي أن يأتي إلى الرب يسوع المسيح، ويعترف بخطاياه، ويتوب أمامه عن كل الذنوب، ويثق أن الرب يسوع المسيح هو المخلص الوحيد لحياته والضامن الوحيد لأبديته.
ولكن للأسف، هذه الخطوة غائبة عن مسيحيين كثيرين، الذين يحاولون أن يرضوا الله ويثبتوا فيه بمجهوداتهم الذاتية. بتعبير آخر، إن محاولة شراء إرضاء الله بالقيام ببعض الأعمال الصالحة أو تقديم الصدقات للفقراء أو المحتاجين لا تفيد أبدًا في خلاص الإنسان، لأنه بدون تسليم الحياة للرب يسوع المسيح لا خلاص! الخلاص يبدأ بالتوبة ويكمَّل بالإيمان الذي هو البداية الحقيقية للولادة الحقيقية. "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يوحنا 12:1). فجميع أعمال الإنسان - مهما كانت عظيمة - لا فائدة لها قبل قبول المصالحة أولاً مع الله. فالرب يسوع المسيح هو الإله المتجسد الذي قّدم نفسه كفارة عن جميع خطايا البشر، وصنع هذه المصالحة بين الله والإنسان؛ المصالحة التي طلبها رجل الله أيوب قائلاً: "لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا" (أيوب 33:9). وقال عنها الكتاب المقدس: "لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!" (رومية 10:5)؛ "أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ" (2كورنثوس 19:5).
إذن، فنحن بدون هذه المصالحة كنا أعداء لله، وهو بالتالي لا يلتفت إلينا أو إلى أعمالنا لأنها في نظره أعمال نجاسة وشر كما قال إشعياء: "وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا" (إشعياء 6:64). وليست أعمالنا فقط هي التي كانت مرفوضة من الله بل نحن بجملتنا كنا فاسدين ومرفوضين من الله، كما يقول الكتاب: "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (رومية 12:3).
إذًا عزيزي القارئ، قبل أن تسأل عن الثبات في الله يجب أن تعرف أولاً كيف تتوب وتتصالح مع الله. وأقول هذا لتأكدي من أنه ليس هناك جدوى للثبات في الله بدون المسيح، لأننا سنرى من سياق الحديث أن هناك عاملاً محوريًا وهامًا للثبات في المسيح وهو سكنى الروح القدس في قلوب المؤمنين؛ روح الله الذي لا يقبل أن يسكن في الإنسان قبل أن يتطهر بدم المسيح. فالروح القدس هو الذي يعمل فينا وبنا من أجل البنيان والثبات في الله.
فالروح القدس يسكن في كل من آمن بالرب يسوع المسيح واغتسل من ذنوبه بدمه الطاهر، "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كورنثوس 16:3).
وهو يعمل في الإنسان الباطن لكي يثبت المؤمنين في المسيح. "لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإنسان الْبَاطِنِ، لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ" (أفسس 16:3–17).
لماذا يجب أن نثبت في المسيح؟
أولاً: لأننا بدونه لا نستطيع أن نفعل شيئًا
فنحن كما قال المسيح أغصان في الكرمة التي هي المسيح. "أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا". (يوحنا 5:15)
ثانيا: حتى لا نخجل منه في مجيئه
"وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ" (1يوحنا 28:2).
كيف يمكننا أن نثبت في الله؟
نثبت في كلمة الله ووعوده
نتمسّك بها بقوة ولا نرخها. فقراءة الكتاب المقدس وثبات كل كلمة نقرأها في أذهاننا هي أول الطريق للثبات في المسيح، "إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ" (يوحنا 7:15).
نثبت في محبته
الكتاب المقدس مليء بآيات المحبة التي تشير إلى محبة الله لنا. وما علينا سوى أن نسير أيام غربتنا واثقين ومتمسكين بهذا الوعد أنه مهما قابلنا من ظروف وأحداث يجب أن نتمسك بإقرار المحبة؛ أي نتمسك بالحقيقة التي تقول بأن المسيح يحبنا ولا نتنازل عنها أبدًا. "كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي" (يوحنا 9:15).
بحفظنا وصاياه
ليس علينا أن نقرأ ونعرف فقط، بل أن نحفظ وصاياه ونعمل بها. "إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ" (يوحنا 10:15)
الله هو الذي يثبتنا
هل تثق في هذا عزيزى القارئ؟ هل تثق أن الله نفسه هو الذي يعمل من أجل ثباتك فيه؟
"وَلكِنَّ الَّذِي يُثَبِّتُنَا مَعَكُمْ فِي الْمَسِيحِ، وَقَدْ مَسَحَنَا، هُوَ اللهُ" (2كورنثوس 21:1).
"وَإِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ... هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ" (1بطرس 10:5).
نلبس سلاح الله الكامل
هناك زي خاص وأسلحة خاصة يجب على كل مؤمن أن يقتنيها (راجع أفسس 6).
"الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ" (أفسس 11:6).
الثبات بالنعمة
"... لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ بِالنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الَّذِينَ تَعَاطَوْهَا" (عبرانيين 9:13). كان المهوِّدون يصرّون على أن القداسة مرتبطة بالأمور الخارجية، كالعبادة الطقسية، والأطعمة الطاهرة... لكن الحقيقة هي أن القداسة من نتاج النعمة لا الناموس، وليس بالتشريعات المختصّة بالأطعمة الطاهرة وغير الطاهرة، التي كانت تهدف إلى إحداث طهارة طقسيَّة؛ لكن هذا يختلف عن القداسة الداخلية؛ لأن الإنسان قد يكون طاهرًا طقسيًا، وفي الوقت عينه مملوءًا حقدًا ورياءً. إذًا، نعمة الله وحدها تستطيع أن تلهم المؤمنين وتعززهم بالقوة ليعيشوا حياة مقدسة. إن المحبة للمخلِّص الذي مات من أجل خطايانا، هي التي تدفعنا لكي "نعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر" (تيطس 12:2).
الثبات في الإيمان
"مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ (هذا هو أساس الإيمان)، فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللهِ" (1يوحنا 15:4).
فالمؤمن الحقيقي يعترف أن يسوع هو ابن الله، ويحفظ وصاياه، ويثبت في محبته؛ ولذلك فالله يثبت فيه وهو في الله. "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي" (يوحنا 21:14).
كيف نتأكد أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا ونحن نَثْبُتُ فِيهِ؟
نحن نعرف أنه يثبت فينا لأن روحه فينا. "... وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا: مِنَ الرُّوحِ الَّذِي أَعْطَانَا" (1يوحنا 24:3).
ولكن كيف نعرف أننا نثبت فيه؟ لأنه أعطانا من روحه، أي من عمل روحه.
ما هو عمل روحه فينا؟
بأننا نحب بعضنا بعضًا بنشاط المحبة الإلهية التي سكبها في قلوبنا.
"أعطانا من روحه"، أي من صفاته وطبيعته التي هي طبيعة المحبة. فإن كنا نمارس المحبة ونحب بعضنا بعضًا نعرف أننا نثبت فيه. فالكتاب يقول: "بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ" (1يوحنا 13:4).