أذار March 2013
موضوع قيامة المسيح هو موضوع جليل وأساسي في الإيمان المسيحي. والأرجح أنه ستكون هناك مقالات كثيرة وثمينة في هذا العدد بخصوص ربنا وفادينا يسوع المسيح من بين الأموات. ولكنني سأتكلم هنا عن نقطتين فقط:
أولاً: اهتمام الرسل بهذا الموضوع كما هو واضح في الأصحاحات الأولى من سفر أعمال الرسل
في أول موعظة للرسول بطرس في يوم الخمسين قال: "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم، كما أنتم أيضًا تعلمون. هذا أخذتموه مسلمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه" (أعمال 22:2-24).
وفي أصحاح 3 بعد الشفاء المعجزي للرجل الأعرج من بطن أمه، إذ كان الناس يتعجبون قال لهم بطرس: "ما بالكم تتعجبون من هذا؟... إن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، إله آبائنا، مجّد فتاه يسوع، الذي أسلمتموه أنتم... ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود لذلك" (أعمال 11:3-15).
وفي أصحاح 4 إذ تضجر الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون من تعليم بطرس ويوحنا وندائهما بقيامة يسوع من الأموات، قال لهم بطرس: "فليكن معلومًا عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل، أنه باسم يسوع المسيح الناصري، الذي صلبتموه أنتم، الذي أقامه الله من الأموات، بذاك وقف هذا أمامكم صحيحًا" (أعمال 10:4). وفي 33:4 "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، ونعمة عظيمة كانت على جميعهم". وفي أعمال 30:5-31 "إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة. هذا رفّعه الله بيمينه رئيسًا ومخلصًا، ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا".
من الواضح إذًا أن قيامة المسيح كانت جزءًا أساسيًا من مناداة الرسل بالإيمان المسيحي لليهود.
أما في أصحاح 10 في بيت كرنيليوس، القائد الأممي، الذي كان فيه بداية فتح باب الإيمان للأمميين، قال الرسول بطرس عن المسيح: "الذي جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس... الذي أيضًا قتلوه معلقين إياه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث، وأعطى أن يصير ظاهرًا ليس لجميع الشعب، بل لشهود سبق الله فانتخبهم. لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات" (40:10-41). إذًا نرى أن الكنيسة التي تكوّنت من يهود وأمميين تأسست على هذه الحقيقة الجوهرية، وهي قيامة المسيح من بين الأموات.
ثانيًا: تأثير القيامة على خدمة التلاميذ
لقد كان للقيامة تأثير عظيم على خدمة التلاميذ واستعدادهم لمواجهة كل خطر بشجاعة وبثقة تامة لم تكن عندهم قبل أن يعرفوا أن المسيح قد قام من بين الأموات. خذ مثلاً ما جاء في إنجيل يوحنا 19:20 "ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو أول الأسبوع، وكانت الأبواب مغلّقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: سلام لكم!". قبل أن يعرفوا أنه قام من بين الأموات كان الخوف يسود عليهم. ولكن الأمر تغير تمامًا بعد أن رأوه قد قام من بين الأموات. وسنتكلم باختصار عن ثلاثة من تلاميذه:
1- سمعان بطرس
ما أعظم الفرق بين بطرس أثناء محاكمة المسيح إذ أنكره ثلاث مرات، والرسول بطرس الذي أمكنه أن يقول علنًا لليهود (كما ذكرنا قبلاً) "هذا (أي المسيح) أخذتموه مسلّمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه". قال المسيح لبطرس: "الحق الحق أقول لك: لما كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شخت فإنك تمد يديك وآخر يمنطقك، ويحملك حيث لا تشاء. قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يمجد الله بها. ولما قال هذا قال له: اتبعني" (يوحنا 18:21-19). وهكذا أصبح بطرس رسولاً شجاعًا أنهى حياته على الأرض كشهيد ليسوع المسيح. ويقول المؤرخون أن بطرس قال أنه لا يستحق أن يموت مصلوبًا كسيده. وطلب أن يصلبوه مقلوبًا – أي رأسه إلى أسفل.
2- البشير مرقس، كاتب الإنجيل الثاني
يخبرنا عما حدث عند القبض على المسيح، فيقول: "فتركه الجميع وهربوا. وتبعه شاب لابسًا إزارًا على عريه فأمسكه الشبان فترك الإزار وهرب منهم عريانًا" (موقس 50:14-51). ويعتقد المفسرون أن مرقس نفسه هو ذلك الشاب. ولكن سواء كان هو أم لا، فإنه من ضمن الذين" تركوه وهربوا". ولكننا نعلم أن مرقس هو الذي حمل بشارة الإنجيل إلى مصر، فنادى بالإيمان بالمسيح في الإسكندرية، وهناك مات شهيدًا إذ جروه في الشارع إلى أن انطلقت روحه لتكون مع المسيح الذي أحبه.
3- الرسول توما
كان توما واحدًا من الذين "تركوه وهربوا". لم يكن مع التلاميذ في أول مرة ظهر لهم المسيح في يوحنا 19:20-25 ولكنه كان معهم في المرة الثانية (ع 26-28) وإذ رأى بعينيه أن سيده قد قام من بين الأموات سجد له قائلاً: "ربي وإلهي". من منا كان يتوقع أن توما هذا يصبح رسولاً شجاعًا يذهب إلى بلاد وثنية بعيدة لينادي ببشارة نعمة الله. يقول التاريخ أن توما ذهب إلى العراق، ثم إلى إيران، ثم إلى بلاد الهند. وهناك بجوار مدينة مدراس التي فيها مسيحيون كثيرون، يوجد جبل يُسمّى "جبل القديس توما".
لم تكن القيامة عندهم مجرد حقيقة تاريخية أو عقائدية، وإنما كانت قوة إلهية هيأتهم للقيام بأعمال لا يجرؤ عليها البطل الشجاع. لا عجب إذًا أن الرسول بولس قبل استشهاده بوقت قصير، إذ أراد أن يشجع تيموثاوس ابنه في الإيمان، قال له: "اذكر يسوع المسيح المقام من الأموات... بحسب إنجيلي الذي فيه أحتمل المشقات حتى القيود كمذنب. لكن كلمة الله لا تقيّد" (2تيموثاوس 8:2).
لقد رأى التلاميذ المسيح بعد قيامته، وكان لهذا تأثير عظيم. لكن ليتنا نتذكر كلمات الرب يسوع إذ قال: "طوبى للذين آمنوا ولم يروا" (يوحنا 29:20).
المسيح قام! حقًا قام!