أذار March 2013
ما أن تدحرج الحجر عن باب القبر مقرقعًا في أنحاء ذلك البستان حتى انتشر صدى القيامة مدويًا في كل مكان! "ليس هو ههنا ولكنه قام كما قال". أعلن ذلك الملاك بكل ثقة ليملأ قلوب المريمات بسلام الاطمئنان. فيا له من حدثٍ جلل تنحني له الهامات وتحار في عظمته الأذهان، لقد قام المسيح منتصرًا على قوى الظلام في جسده الممجد الذي انسلّ من داخل اللفائف فبقيت في مكانها الأكفان... فلنخلع نعال أرجلنا ونحن نقف بالروح أمام القبر الفارغ ولنسجد لقيامة المسيح بكل إكرام مقدمين له الشكر والامتنان.
إن قصة القيامة المجيدة كما وردت في كتابات البشيرين، لتبهرنا بضآلة مبناها وعظمة معناها، ففي كلمات قليلة استطاع هؤلاء البسطاء في العلم أن يعبّروا بالروح القدس عما لا يستطيع العلماء إدراك فهمه ومدى تأثيره في القلوب! هكذا بدأ الصدى يتعالى وينتشر بواسطة أولئك البسطاء الخائفين، حيث استمدوا من تأكيدات القيامة قوة روحية لا توصف. فمضت المجدلية مع باقي المريمات مبشرات بالخبر للتلاميذ في العلية، بينما ظهر الرب ماشيًا مع تلميذَي عمواس اللذَين ارتابا بخبر القيامة، ثم للتلاميذ والنسوة في العلية الموصدة الأبواب بغياب توما، ثم مرة أخرى للتلاميذ بحضور توما، ثم لعدد منهم وهم يصطادون السمك وقد فشلوا على بحيرة طبرية، ولجموع منهم فيما بعد حتى رأوه وهو يصعد في سحابة مجده إلى حيث كان أولاً. وكانت هذه الظهورات جميعها تهدف إلى محو الشك من قلوب هؤلاء الذين سيصبحون رغم ضعفهم أبواقًا جبارة تنقل ذلك الصدى المبارك إلى مسامع الذين سيقبلون خلاص المسيح.
1- هناك عبارة لها دلالتها قيلت في أسفار العهد القديم وظهرت في صلوات وتسبيحات القديسين تعبر عن أفضال الإله العظيم. هذه العبارة هي "من أجل اسمه" لم يقلها التلاميذ عن المسيح في خلال فترة تجسده حتى تأكد هؤلاء الذين عاينوا القيامة أنه هو الله الظاهر في الجسد، فصارت تلك العبارة منذ سفر الأعمال تُقال عن المسيح القائم من الأموات بمجد الله العظيم. فلأجل اسمه تفرقوا في الأمصار يحملون خبر القيامة. ومن أجل اسمه "عُذّبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل. وآخرون تجرّبوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضًا وحبس. رُجموا، نشروا، جُرّبوا، ماتوا قتلاً بالسيف، طافوا في جلود غنم وجلود معزى، معتازين مكروبين مذلين..."، كل ذلك كان "من أجل اسمه"!
2- ما أن حدثت الزلزلة وتدحرج الحجر "لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس عليه، وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج، فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (متى 2:28-4). "وإذا قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان، فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين: قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام". (متى 11:28-13)
لقد كانت تلك الكذبة التي اخترعها رؤساء الكهنة لتعصبهم واهية جدًا لم تنطل على أي عاقل مفكر لهذه الأسباب:
أولاً: إن عقاب الجندي الروماني الذي ينام خلال نوبة حراسته هو الموت، فكم بالحري نوم مفرزة من الجنود؟!
ثانيًا: كان هؤلاء التلاميذ المرتعدون خوفًا والقابعون داخل الأبواب المغلّقة يخشون الخروج؛ فكيف يستطيعون أن يقهروا مفرزة من جنود الرومان المدججين بالسلاح في مكان تمركزهم؟
ثالثًا: لماذا لم يلاحق الكهنة والرومان معًا هؤلاء السارقين للجسد ويحاكموهم أمام المحاكم الرسمية والشعبية لإثبات دعواهم.
إن ما فعلوه هو دفع رشاوى للحراس لإخفاء الحقيقة الساطعة! وكم من قادة في هذا العالم قدموا لتابعيهم رشاوى مادية أو وهمية.. لكي يصدوهم عن معرفة خلاص المسيح. إن كان عقاب هؤلاء المضلين الأبدي سيكون عظيمًا فإن المرتشين أيضًا سيعاقبون في الأبدية لأنهم صدقوا الكذب وقد منحهم الله ذهنًا لكي يكشفوه.
3- لقد انتشر صدى القيامة المجيدة في جميع أنحاء العالم المعروف آنذاك بسرعة قياسية، فآمن بالمسيح القائم من بين الأموات الملايين، وعمل الروح القدس في أذهان كتبة الوحي ليدوّنوا الوقائع الدامغة في الإنجيل المقدس، لكي تبقى شاهدة إلى الأبد على ذلك الحدث العظيم.
فلولا القيامة لما كتبت بشارة، ولكنا قد قرأنا فقط بعض ما قاله "تلميذا عمواس" عن "الأمور المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنسانًا نبيًا مقتدرًا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب. كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل" (لوقا 19:24-21). أو ربما كنا قد قرأنا قصة عن طفل وُلد في مغارة ونشأ فعاش تقيًا، صنع معجزات وشفى مرضى، وأقام موتى... حوكم ظلمًا ومات مصلوبًا، ودُفن تحت حراسة وسلطة روما وانتهى أمره، فأسدل الستار على تلك الحياة الشخصية، ولكانت تلك القصة تفقد بريقها مع الزمن كقصص باقي المشاهير!
4- لقد سمع صدى القيامة المجيدة الملايين وفتحت أمامه المدن والممالك العظام بدون سيف أو رمح أو قوس أو نبال... وظهر المسيح له المجد بالإيمان حيًا ليس لعيون الشعوب بل في دواخل القلوب.
فقد غيّر المسيح القائم من بين الأموات حياة الملايين إلى حياة الفضيلة حيث ماتوا معه عن العالم المنظور وعن الخطية لكي يحيوا معه بالقيامة في حياة البر والقداسة. وكما تقول النصيحة: "الدين الذي لا يغيّرك غيّره".
5- ما زال صدى القيامة يتردد بقوة في كل أنحاء العالم وها هو يشتد إعلانًا الآن لأننا في الأزمنة الأخيرة مبيّنًا أنه كما قام المسيح المصلوب منتصرًا سنقوم نحن أيضًا بعد موت الجسد. ويا لسعد الذين آمنوا بالمسيح الحيّ، فتغيّرت حياتهم إلى الأفضل، وملك الرب في قلوبهم، وحصلوا على التحرر من خطاياهم، وعلى وعد الحياة الأبدية، والخلاص من الدينونة، ومن الهلاك الأبدي، وها هو صوته يدعو أولئك الذين ما زالوا يرفضون الإيمان بموته وقيامته لأجل فداء نفوسهم لكي يطيعوا ويرجعوا فتُمحى خطاياهم، وينالوا ما وعد به الله المحب لجميع الذين يقبلون نعمة الخلاص. فافتح إلهي آذان الكثيرين ليسمعوا ويطيعوا.