أذار March 2013
لم تأتِ حادثة قيامة المسيح من بين الأموات هكذا فجأة بل خطَّط لها الله الآب منذ الأزل. وكانت كل الأحداث التي سبقتها تمهّد لفداء المسيح وعمله الكفاري على الصليب، ثم قيامته من بين الأموات. وكان أمرًا طبيعيًا أن تشير كل كتب العهد القديم ولو بصورة رمزية، وأن يتنبأ الأنبياء عن هذا الحادث الهام الذي سيحصل عند مجيء الملك والمخلّص المسيح.
كان تلاميذ المسيح كغيرهم من اليهود في أيامهم غير واعين لخطّة الله الأزلية بفداء المسيح، وتحرير الإنسان من عبودية الخطيّة، ووهبه الغفران والخليقة الجديدة والحياة الأبدية. فهم كانوا ينتظرون المسيح ملكًا يحررهم من عبودية الرومان، ويؤسس لهم مملكة يكونون فيها هم الأسياد. وبالرغم من أن المسيح كشف لتلاميذه عدة مرات عن هدف مجيئه بالفداء والقيامة، لكن التلاميذ ظلّوا غير مدركين قصد الله الأزلي هذا.
ولهذا لم يكن غريبًا أن يشرح الرب يسوع المسيح بعد قيامته للتلاميذ الخائفين هذه الحقائق الأزلية التي حاول كثيرًا قبل موته وقيامته إيضاحها لهم. ولعلّ حادثة سير المسيح بعد قيامته مع تلميذَي عمواس هي من أروع الأحداث التي تكشف لنا ما أراد المسيح إعلانه. ففي تلك الحادثة نجد تلميذَي عمواس وهما سائران عابسان يتداولان بما وقع في أورشليم للمسيح. وقد عبّرا عما يجول في أفكارهما عندما أجابا المسيح عن سؤاله قائلين: "الأمور.. المختصّة بيسوع الناصري الذي كان إنسانًا نبيًّا مقتدرًا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب. كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكّامنا لقضاء الموت وصلبوه. ونحن كنّا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل.." (لوقا 19:24-21). وبمعنى آخر كنّا نرجو أنه هو المزمع أن يحرر إسرائيل. لكن بماذا أجابهما الرب يسوع؟ قال لهما: "أيها الغبيّان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلّم به الأنبياء. أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى وجميع الأنبياء يفسّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لوقا 25:24-27).
أجل، كانت هذه هي خطّة الله الأزلية لفداء الإنسان. إن لله هدفًا ومشروعًا أوسع وأعمق بكثير مما ظنّ به الناس في أيامه. إن الله لم يبدّل خطته نتيجة رفض الشعب له، بل كانت هذه هي خطته منذ الأزل، وهو ما أكده من خلال كتب العهد القديم وإعلاناته المتكررة للأنبياء. وهو ما أراد المسيح إيضاحه لتلميذَي عمواس.
ثم عاد المسيح وكرر كلامه للتلاميذ أجمعين، فقال لهم: "هذا هو الكلام الذي كلّمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بدّ أن يتمّ جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم. وأنتم شهود لذلك" (لوقا 44:24-48). لنلاحظ تأكيد المسيح أنه قد تمّ جميع ما هو مكتوب عنه في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. وبذلك لم يترك أي شك أن جميع ما هو مكتوب عنه قد تمّ.
نعم، إن حادثة موت وقيامة المسيح هي أعظم حادثة حدثت في التاريخ البشري. وعن طريقها صار الخلاص متوافرًا لجميع البشر. ولقد ركّز التلاميذ والرسل الأوائل في بشارتهم على قيامة المسيح. وهو ما نلاحظه في كل عظاتهم المدوّنة لنا في سفر أعمال الرسل، والتي على أساسها تأسست الكنائس المسيحية الأولى وانتشرت. وذهب الرسول بولس إلى حد القول: "وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم. ونوجد نحن شهود زور لله لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه.. وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم.. إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس. ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" (1كورنثوس 14:15-15، 17، 19-20).
نعم، بدون قيامة المسيح يُبطل إيماننا، ونبقى في خطايانا، ونفقد كل رجاء. لا بل نصبح من أشقى جميع الناس. أجل، لقد قام المسيح من الأموات، وحقق بذلك أعظم انتصار على الموت عدو الإنسان اللدود. وسحق بقيامته رأس الحيّة الشيطان، وفتح الباب واسعًا لغفران الخطايا والخلود لكل من يؤمن. ولهذا نحن نحتفل كمؤمنين بموت المسيح الكفاري من أجلنا على الصليب وقيامته الظافرة من بين الأموات، متيقنين أنه قد غفر خطايانا، وأقامنا معه في السماويّات في حياة روحية جديدة. ولنا رجاء أكيد بأننا سنملك معه إلى الأبد عندما يأتي في مجيئه الثاني الباهر العظيم.