Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار - حزيران May - June 2013

الأخت أدما حبيبيراحت السيارة التي كنت أقودها تلفُّ بي وبابني الصغير ذي السنوات الأربعة الذي صار يبكي ويصرخ من شدة الخوف. لقد ظنَّ للوهلة الأولى أنَّه يمتطي (رولر كوستر Rollercoaster) في إحدى منتزهات الأطفال. لكنَّني بالحق كنتُ قد فقدت السيطرة على السيارة تمامًا إثرَ محاولتي تجنُّب سيارة أخرى كان سائقها يريد الانتقال من جهته إلى جهتي وأنا على الطريق السريع Free Way.
وسمعت نفسي وأنا أصرخ وأصلي بصوت عالٍ طالبةً من الرب يسوع مخلِّصي أن يوقف السيارة. وما هي إلاَّ لحيظات حتى توقفت السيارة بقدرته العجيبة ولم تنقلبْ أو يحدث لنا أيُّ ضرر. وحدث أن كانت ورائي من بعيد شاحنةٌ كبيرة استطاع قائدها أن يخفف من سرعة موكب السيارات المندفعة خلفه فورَ مشاهدته ما يحصل معي عن بُعد. وكان ذلك السائق بالفعل ملاكًا من السماء مرسَلاً لحمايتي وحماية ابني الصغير. نعم إنَّها، من دون شك، يدُ الله الحافظة التي تلقَّفتنا، ونعمتُه الغنية التي حضَنتْنا بعد أن كنَّا على وشك الموت في أيَّة لحظة. هذا هو مخلّصي العجيب، وهذا هو إلهي الحي "إله ديانا" الذي أودُّ أن أشهدَ لكم عنه وأخبرَ الناس عن حبه الشديد، كالبحر الواسع الذي لا ينضَب.

ولدتُ أنا "ديانا" في عائلة مسيحية محافظة في الأردن، من أبٍ أردني وأمٍّ لبنانية. وكنت الكبرى بين أخواتي الثلاث، وأخٍ واحد. نشأتُ وترعرعتُ في مدارس (راهبات الوردية) في عمَّان وتعلَّمت أن أصلي منذ نعومة أظفاري. لكنَّني ومذ كنت صغيرة، كانت تراودني أسئلةٌ كثيرة تحيّرني وتحفزني في الوقت نفسه على التساؤل لمعرفة الكثير من الأمور التي لم أفهمها. وكان والدي آنذاك مهندسًا ميكانيكيًا بارزًا مولعًا بالمعرفة والشعر والقراءة كثيرًا. فتعلَّمت منه أيضًا حبَّ الاطِّلاع والمعرفة والشعر والأدب. كان يقرأ دائمًا في الإنجيل المقدس، وكذلك كان يقرأ القرآن، وحجّته في ذلك هو أنَّه يريد معرفةَ إيمان الفئات الأخرى لكي يقدر أن يواجهَهم بحقِّ الإنجيل. كان والدي يرفض التقاليد والطقوس الدينية، لذا كان دائم التواصل والبحث والنقاش مع أعزِّ زملائه منذ الصغر القس سمير قعوار، إذ كانا صديقين حميمين جدًا.
لذا نشأتُ على حب المعرفة بسبب والدي وتعلَّمت الحنان والمحبة من والدتي الرؤوم. وحين كبرتُ لم يكن لديَّ مانع أن أرافق زميلةً لي في المدرسة اسمها لينا حبش إلى اجتماعات كنيستها الإنجيلية وأحضرَ معها اجتماع الشبيبة بعد أن تقدَّمنا بالعمر بعض الشيء. وهناك كنت أسرُّ جدًا بالترانيم الجميلة، وأحس بعد حضوري للاجتماع براحةٍ في داخلي. وأذكر أنَّني صلَّيت يومًا صلاة الخاطئ حين قلت: "ارحمني يا رب أنا عبدتك الخاطئة." وطلبتُ منه أن يحرِّرني. لكنْ، مرَّتِ الأيام والسنون من بعدها ونسيت، وصرتُ شابةً يافعة أنهيتُ تعليمي الثانوي. وبدأت في دراستي الجامعية في حقل الآداب. لكنَّني سرعان ما اجتزتُ بتجربةٍ خاصة في حياتي كانت بمثابة محنةٍ صعبة وأنا بعدُ في التاسعة عشرة من عمري، تركتني في حيرةٍ وألم لم يفارقاني لسنينَ عديدة. وهكذا تألمت العائلة كلها معي وخاصة أبي. كنت وأبي على علاقةٍ وثيقة نتصارح فيها، ونتناقش في أمور كثيرة، وكان هناك رابط خاص يجمعنا وحرية واحترام يسمحان لي بالبوح بما يعتمل في قلبي من مشاعر وأفكار. لكنني ومن بعد تلك التجربة القاسية، عدت وتابعت دراستي الجامعية، في كلية الأدب الفرنسي والألماني، وحصلت على Master degree في اللغتين. وعملت فيما بعد في السفارة البلجيكية كمساعدة للسفير ومترجمة له.
ولكن، وفاة والدي المفاجئة، وهو بعد في السابعة والخمسين من عمره، كانت بمثابة صدمة كبيرة لأمي الحبيبة، والتجربة الأقسى لي أنا شخصيًا. إذ افتقدتُ ذلك الرابط القوي الذي كان يجمعنا، وحزنتُ عليه جدًا، لكنني أبقيت كلَّ هذه المشاعر مخفيةً في داخلي ولم أعبِّر عنها، إذ تركتُها هناك محفورةً في قلبي وأوصدتُ الباب عليها بالمفتاح لكي لا أتوجَّع من جديد. ولكوني الكبرى في البيت أحسستُ بالمسؤولية تُلقى على عاتقي لإعالة أمي الحنون وإخوتي. وهذا بالضبط ما قمتُ به من خلال انخراطي في عملي والحفاظ على مركزي المرموق في السفارة.  
إلى أن جاء يوم تحدَّثَتْ لي فيه إحدى الصديقات بجدِّية وبإلحاح في شأن الزواج. ولمَّا رفضتُ، قالت لي عليك أن تفكري بمستقبلك، وأن تمنحي نفسك فرصة جديدة في هذا المجال. ونظرًا لِلَجاجتها الشديدة قَبلْتُ، وفتح لي الرب فرصة تعرّفت من بعدها إلى شخصٍ وسيم وهادئ من بلاد الغربة، وسرعانَ ما عَقدنا القِران وانتقلتُ معه لأعيش في كاليفورنيا وسط عائلته التي أضحَتْ عائلتي المحبَّبة. وصرنا نحضُر معًا اجتماعات كنيسة المجتمع العربي في غلنديل. ورحتُ أستمع في كل يوم أحد إلى كلمة الرب تعلنُ بصراحةٍ ووضوح. وباركني الرب وزوجي متري بولدين هما دميان وديرك، أعادا البهجة إلى قلبي والسرور إلى نفسي من جديد. وبدأت آخذهما إلى برنامج AWANA للصغار وهناك صرتُ أتعلم الآيات معهما. وكانت صلاتي دائمًا يا رب بارك ولديَّ، بارك زوجي والعائلة، واحفظنا من كل شر. نعم كانت صلاتي متمحورةً دائمًا حول نفسي. واكتشفت فيما بعد أنني أحتاج فعلاً إلى تغيير داخلي، إلى تغيير في الذهن الذي كان يحكي عنه القس ميشيل بطارسة راعي الكنيسة والذي هو قريب لزوجي. وصلّيت بيني وبين نفسي لكي يتجدّد ذهني. وأحسستُ بأنَّ موانعَ عديدة متراكمة في داخلي لم أدْركِ كنهَها ساعتئذٍ، وصرتُ عصبيةَ المزاج في بعض الأحيان، ولم أكن أعلم لماذا. ويومًا، في أحد الاجتماعات الشهرية للسيدات في الكنيسة، تأثَّرْتُ من مشاركة قيِّمة قدَّمتها مرشدةٌ في حقل المشورة المسيحية، حين تكلمت عن: كيف أرى نفسي، كيف يراني الآخرون، وكيف يراني الله. رحتُ من بعدها،  أحلِّل نفسي وتصرفاتي التي استأتُ منها. وطلبتُ من ميرنا، زوجة الراعي ميشيل (أخت زوجي متري) أن تصلِّي معي، وانسكبتْ دموعي مِدرارًا وصلَّينا معًا بروح واحد. وفورَ انتهائنا من الصلاة، أحسستُ أنَّ ثقلاً كبيرًا قد أزيحَ عن كاهلي، وبدأتْ حياتي تتغيَّر منذ ذلك الحين. وفي كلِّ مرة كنتُ أدير مفتاح الراديو وأنا في السيارة كنت أستمع إلى عظة جديدة، شعرت من خلالها وكأنَّ الواعظ يتكلم لي أنا شخصيًا. وحدث مرةً أن كان موضوع العظة: كيف يشفي الله المشاعر الجريحة. فرحت أبكي وأنا أقود السيارة لأنَّ روح الله كان يتعامل معي وصرتُ أرى المرارة المحفورة في نفسي، والغضب الذي كان قابعًا هناك في صدري، فأخذتْ هذه كلُّها تختفي شيئًا فشيئًا وطلبتُ من الرب بدموع أن يشفيني أنا التي تألّمت منذ سنوات من محنٍ عديدة، ظلـت آثارُها محفورة في أعماقي. ولم أشعر بالشفاء فحسب، بل صرتُ أغفر لكل من أساء إلي. ومنحني الرب يومَها نصرةً كاملة على كلِّ ألم وأسى اختبرتُهما في حياتي السابقة؛ فكانت هذه بمثابةِ أسوارٍ منيعةٍ سقطت واحدة تلوَ الأخرى. وحين وصلْت إلى البيت، شاركت زوجي متري بكلِّ ما حصل معي، فسمع لي بكلِّ اهتمامٍ وهدوء وحضَنني مهدّئًا من روعي. نعم، هذا هو عمل الرب في تجديد الحياة. الآن فهمتُ ماذا يعني تجديدُ القلب والذهن والفكر. كنت ناكرةً لما حصل معي في السابق، إذ أغلقتُ عليها بالمفتاح هناك في أعماقي. لكنَّ الله المحب وصلَ إليها بروحه الكاشفة، وأزالها بالكليَّة واحدة بعد الأخرى. وأنار قلبي وبصيرتي وصرتُ في سلام داخليّ عجيب. فعلاً إنَّه عمل الرب العجيب في حياتي لأنَّه عالجني نفسًا وروحًا وجسدًا. نعم يا إخوتي وأخواتي، ليس هذا فحسب، بل حين حضرتُ مؤتمر الكنيسة منذ سنتين وكان المتكلم الدكتور القس غسان خلف، جذبتني كلماتُه بالروح إذ سأل: هل الله هو إلهكَ أنتَ وإلهُك أنتِ؟ كما صار إلهَ يعقوب أيضًا؟
عندئذ صلَّيتُ من كل القلب وأعلنتُه إلهي أنا، إله ديانا الشخصي. وصار لديَّ بصيرةٌ روحية أفهم من خلالها التجديد وماذا يعني. حقًا لقد فكَّ الرب يسوع قيودي وحرَّرني من نفسي وأحاسيسي وآلامي ومنحني سلامًا أكيدًا. حتى إنِّي غدوتُ ابنةً إيجابية في تفكيري ونظرتي ورؤيتي.
والآن وعلى الرغم من مهاجمات إبليس وسهامه الملتهبة من نحوي، والتي يحاول بها أن يؤذيني - كما فعل حين تعرّضت للحادث مع ابني الصغير مؤخرًا - ويشوِّش فكري، لكنَّ النصرة هي لي أنا،  لأنَّ الذي معي هو أقوى من الذي عليَّ. والآن أيضًا فهمتُ معنى الصلاة التي صلَّيتها مع صديقتي منذُ أيام الصغر: ارحمني يا رب أنا عبدتك الخاطئة. وأضحتْ ترنيمتي المفضَّلة هي:
إنتَ عالي، فوق كل اسم مهما يكون،
عالي، فوق السحاب ومالي الكون،
عالي، هاتشوف ملكك كل العيون... عالي
ليس هذا فحسب بل اختبرتُ يدَ الرب في حياتنا كعائلة، حين فتح لي الرب بابًا للعمل، وكيف سدّد كلَّ احتياج، كما منحنا روحًا جديدة للعطاء حتى من واقع الإعواز أحيانًا، لأنه وحده يملأ احتياجاتنا. أما الآية التي شدَّدتني وشجعتني فهي: "لا أتركك ولا أهملك تشدد وتشجع" (يشوع 5:1 ب و6أ) والآية التي اخترتها شعارًا لي فهي:
"أخيرًا أيها الإخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مسر، كل ما صيته حسن... ففي هذه افتكروا" (فيلبي 8:4).
وأنا الآن، أريد أن أطيع الرب بالمعمودية في أقرب فرصة سانحة. بالحق إنَّ أمور الله عجيبة ومعاملاته معي هي أكثرُ عجبًا. مجدًا له، لأنَّه وحده الرب يسوع المسيح، الذي أنار لي بصيرتي، فله أقدم كل شكري وحمدي على الدوام.
(ديانا نشيوات صالح) - لوس أنجلوس

المجموعة: أيار - حزيران May - June 2013

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

478 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577280