آب Agust 2013
قال الرب يسوع: "لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، لأَنَّ الْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ" (متى 16:9).
طبعًا، لا يقصد الرب هنا المعنى الحرفي، ولا يعنيه الثوب إن كان جديدًا أو قديمًا، لكن الرب يسوع كان يشير بكلامه هذا إلى ما نفعله نحن الآن في حياتنا المسيحية. فنحن نحاول بأسلوب يشبه ترقيع الثياب أن نخلط بين إنساننا العتيق قبل الإيمان والإنسان الجديد الذي ربحناه في المسيح يسوع. وقد شبّه الرب حياتنا الجديدة بقطعة قماش جديدة، نحاول أن نضعها على ثيابنا القديمة؛ تلك التي ما زلنا نرتديها ونسير بها بين الناس في العالم. ولكن الواقع بأن هناك ثيابًا أخرى جديدة يذكرها لنا الكتاب المقدس، قد أعدها الله لنا، وعلينا أن نفرح بها. يقول الكتاب: "تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ..." (إشعياء 10:61).
ولكن يجب أن نخلع الثياب القديمة التي سبق وارتديناها من قبل، فلا يستقيم أبدًا أن نضع فوقها ثياب البر الجديدة هذه؛ والكتاب المقدس يعدّد لنا أربعة ثياب مهلهلة علينا أن نخلعها أولاً، ولا نعود نرتديها، أو نحاول أن نصلحها برقعة من قماش جديد، وهي:
- الناموس
- الإنسان العتيق داخلنا
- أعمال الظلمة السابقة
- جسم خطايانا البشرية
أولاً: الناموس
عندما أتى إلى يسوع "تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا قَائِلِينَ: لِمَاذَا نَصُومُ نَحْنُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ كَثِيرًا، وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَلاَ يَصُومُونَ؟" كانت إجابة الرب يسوع بمثابة استنكار لخلط الناموس ببشارة النعمة المفرحة التي جاء بها، لذلك طلب منهم الرب أن يكون كل شيءٍ جديدًا: "لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق..."، لأن هناك شيئًا جديدًا كما قال الكتاب: "لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ، وَالْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا. هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًًا جَدِيدًًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًًا" (إشعياء 18:43–19). وهذا الطريق الذي يقام في البرية هو الرب نفسه الذي قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة". فمن يؤمن بهذا الطريق الجديد ويسلك فيه ينجو من الهلاك ويخلص من الدينونة. لم يأتِ الرب لينقض الناموس بل ليكمّله عن طريق الإيمان والثقة فيه. فالغرض في العهدين القديم والجديد واحد وهو تنفيذ خطة الله للخلاص. فإن كان الإنسان قد أفشلها بضعفه، فذلك ليس لعيب في الناموس. وإذ أخطأ الجميع، جاء الرب ليزيل هذا الضعف الموجود في الإنسان بموته وقيامته ويمنحه الروح القدس ليسكن فيه، ويكسبه قوة تملأه وتعمل فيه فيصير مؤمنًا منتصرًا على الخطية بدلاً من أن يجاهد منهزمًا بالخطية. "وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ... حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ الرُّوحِ لاَ بِعِتْقِ الْحَرْفِ" (رومية 6:7). وهناك آية واحدة وردت في العهدين القديم والجديد، لكنها اختلفت تمامًا في إظهار طريقنا إلى الخلاص:
الآية الأولى: "بَلِ الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدًّا، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ لِتَعْمَلَ بِهَا" (تثنية 14:30). الآية الثانية: "اَلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ أَيْ كَلِمَةُ الإِيمَانِ الَّتِي نَكْرِزُ بِهَا" (رومية 8:10). والاختلاف واضح في الآيتين: ففي الآية الأولى، الأعمال الصالحة هي طريقنا لنيل الخلاص، والمطلوب من الإنسان أن يعمل بالكلمة. لكن في العهد الجديد نجد في نفس الآية كلمة الإيمان بدلاً من لِتَعْمَلَ بِهَا. إن كلمة الله واحدة، ولكن هناك طريقًا جديدًا استُحدثت للوصول إلى الله. فمثلاً، نجد أنه من بين الوصايا العشر في العهد القديم هناك وصية تأمرني أن أحب الرب إلهي من كل قلبى...، ولكن في العهد الجديد الأمر تبدّل، فجاء الإيمان أولاً ليكون هو السبيل لتحقيق الوصية. وتبدلت خطة الانتصار، فأصبح العمل عمله هو، ودوري أنا هو أن أؤمن بهذا وأتمسك به مثبّتًا نظري على شخص المسيح الذي فيه كل الانتصار، وأثق بقوة الروح القدس الساكن فيّ بأنني أستطيع أن أنتصر على الخطية. "لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ" (أفسس 16:3).
ثانيًا: إنساننا العتيق
المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يكون إنسانًا جديدًا وإنسانًا عتيقًا في ذات الوقت. فإذ قد انتهى المؤمن من سيرته وحالته الأولى، صار إنسانًا جديدًا في المسيح. الإنسان العتيق هو المرتبط بالإنسان الأول الساقط، وهو صورة مكررة طبق الأصل في كل نسل آدم الساقط، ولذلك يقال هنا: "إنساننا العتيق". فهو إنسان واحد عتيق ولكنه واحد لكل البشر، أما الإنسان المولود في المسيح فهو خليقة جديدة! إذن عليه أن يتخلص من الطبيعة القديمة، الإنسان العتيق، ولا يفسح لها الفرصة أبدًا لكي تظهر من جديد في أي تصرف من تصرفاته، أو في أمر من أمور حياته. "أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ" (أفسس 22:4-24).
ثالثًا: أعمال الظلمة
"فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ" (رومية 12:13). لقد أنقذنا الله من "سلطان الظلمة"، سلطان إبليس، وأهّلنا للسكن في النور. ولكن، إن كان العالم يعيش الآن فى ظلمة وليل، فذلك لأننا في زمن غياب المسيح عن هذا العالم، إذ هو يسكن بروحه فى قلوب المؤمنين به وبعمله فقط. لذا فالمؤمنون هم "نور العالم"، يضيئون "كأنوار في العالم" (فيلبي 15:2).
رابعًا: جسم خطايا البشرية
جسد الخطية، هو الجسد الذي تسكن فيه الخطية، وتسود عليه، وتستخدمه. لكنه يقول في رومية 3:8 عن المسيح بأن الله "إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ"، أي أن المسيح جاء في جسد مادي كجسدنا نحن، ولكن بدون خطية.
"عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ" (رومية 6:6).
يبّين الرسول بولس في هذا العدد الوسيلة العملية الوحيدة للتحرر من الخطية، أي إبطال "جسد الخطية" والتحرر من سيادة الخطية على أجسادنا. وهذه الوسيلة هي أن إنساننا العتيق قد صُلب مع المسيح، حتى لا يكون فيما بعد آلة تطيع الخطية الساكنة فينا، بل آلة للبر، لكي نفعل إرادة الله المقدسة المرضية، وهذه الطريقة تليق بالله، وتتفق مع حكمته وقداسته، وهذه ننالها بالإيمان بنعمة الله.
فبخلع جسم البشرية يستطيع كل مؤمن أن يقول: "مَعَ الْمَسِيحِ صُُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي". فعلينا أن نحسب أنفسنا "أمواتًا عن الخطية"، التي هي من أعمال الطبيعة الفاسدة التي ما زالت فينا، ولكن لا يجوز لها أن تتسلط علينا لأننا خلعناها شرعًا بختان المسيح. والمقصود بعبارة "بختان المسيح" هو موت المسيح على الصليب. لقد مات المسيح من أجلنا ولأجل خطيتنا. المسيح ربط نفسه بخطيتنا على الصليب وأبطلها إلى الأبد. فنحن، وقد متنا عن الخطية، أصبح لنا حياة جديدة في المسيح المقام من الأموات.
ولنلاحظ، رغم أنه قد صُلب إنساننا العتيق وخُلع، وكانت نهايته في الصليب، إلا أننا نعلم أن أصل الخطية والطبيعة الفاسدة ما زال يعيش فى جسدنا ويرافقنا. فالجسد ما زال موجودًا في المؤمن، وما زال الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد، ولكننا بالروح نميت أعمال الجسد (غلاطية 17:5). فالمؤمن يجب ألا يسلك بحسب الجسد، ولا تسود عليه الخطية، لأن الإنسان العتيق قد انتهى في الصليب، أما الإنسان الجديد فيتسلح بهذا الإدراك: "عالمين هذا"، لإنكار سيادة الخطية عليه. وحسب قول الكتاب: "وَبِهِ أَيْضًا خُتِنْتُمْ خِتَانًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ" (كولوسي 11:2). وهذا يعني أن الله أجرى فينا عملاً روحيًا انفصلنا به عن نسبتنا إلى آدم، وإنساننا العتيق، وحالتنا العتيقة.