تشرين الثاني November 2013
هناك صرخات كثيرة يسجلها الكتاب لأصحابها، صدرت من أعماق قلوبهم وفي ظروفهم الصعبة، منها صرخة المرأة الفنيقية "ارحمني"، ومنها صرخة بطرس "يا رب نجني"، وصرخة عيسو إلى أبيه "ألك بركة واحدة فقط يا أبي؟ باركني أنا أيضًا"، ومنها صرخة بولس "ويحي أنا الإنسان الشقي"، وغيرها الكثير.
وهنا نرى صرخة داود من أعماقه: "أَنَا قُلْتُ: يَا رَبُّ ارْحَمْنِي. اشْفِ نَفْسِي". ولا بد أن نلاحظ أن داود فهم احتياجه... فكثيرًا لا يفهم الناس احتياجهم ولا متى يطلبونه. ولو جاز لنا أن نسأل داود: "من أي شيء يشفيك الرب؟ هل أنت مريض في عظامك، أو عينيك، أو أذنيك، أو أي شيء جسدي؟" يجيبنا: "كلا، إن المريض فيّ هو نفسي، واحتياجي هو إلى شفاء إلهي". شفاء إلهي من:
أولاً: الشعور بالذنب
وهو شعور ثقيل، فقد البعض حياتهم تحت ثقله، ومع أنه ينبغي أن نرى بشاعة الذنب إلا أنه حين يسيطر على إنسان يفقده الرجاء وينسيه إله الغفران، وفي اعتقادي أن هذا الشعور هو الذي سيطر على يهوذا فدفعه إلى أن يمضي ويخنق نفسه، بينما وجد بطرس له شفاء في غفران الرب يسوع. والخبر السار في المسيحية هو الغفران، والرب يسمعنا كلمة "مغفورة لك خطاياك"، أيًا كان حجمها، وأيًا كان نوعها. فهل اشتقت إلى كلمة الغفران؟
ثانيا: العقد النفسية
كل منا نشأ في بيئة معينة وأوساط اجتماعية مختلفة أخذنا منها وورِثنا بعضها. والإيمان يجعل النفس سوية في نظرتها للأمور. وأصحاب العقد النفسية لا يرون النور... يرون كل شيء مظلمًا فيغتاظون إذا نجح صديق، أو أخ، أو جار بينما لم يحظوا هم بنفس النجاح. إنك تلمس العقد إذا تعاملت معهم في شتى أمور الحياة؛ منهم من لا يريدون خدمة سوى خدمتهم، ومديح عمل المسيح في المؤمنين إلا لهم. وإن تحدثت بكلمة بسيطة تُؤوّلت، فيقولون: لماذا ينطق بها؟ وإن أطلت الجلسة... لماذا أطال؟ وإن صمت... لماذا صمت؟ و... و... و... اشفِ يا رب النفوس المعقدة.
ثالثًا: جراح الخطية
قال الكتاب أن الخطية طرحت كثيرين جرحى... بجراح في نفوسهم ومستقبلهم. إن للخطية تأثير في كل مناحي الحياة، سواء كانت نفسية، أم مادية، أم اجتماعية، أم أخلاقية. جُرحتْ نفس داود فقال: "أعوّم سريري بدموعي". وقال أيضًا عندما سبّه رجل اسمه شمعي وهو هارب من وجه ابنه أبشالوم: "الرب قال له (لشمعي): سب داود". وماذا أقول عن جراح أخطاء الآباء إلى الأبناء، أو أخطاء الأبناء إلى الآباء؟
رابعا: القنوط واليأس
إنك اليوم تستمع إلى لغة القنوط واليأس أكثر من الأيام الماضية...
يأس، لأن انتظار الشفاء طال...
ويأس، أن تنجح في الحياة، وقد أصبحت معقدة وصعبة...
يأس، أن يلتئم جرح الأسرة الذي طال.
وهكذا كل واحد له صرخة اسمها اليأس في زاوية معينة.
وفي قصة لقاء يسوع بمريض بركة بيت حسدا الذي كان له 38 سنة نرى اليأس في إجابته حتى حين سأله الرب: "أتريد أن تبرأ؟" قال له: "ليس لي إنسان". إنه يتحدث عن شيء فات وقته.
ويوم قال الرب لإبراهيم: "إن سارة ستحبل، وتلد لك ابنًا"، ضحكت سارة غير مصدقة.
ولا شيء يمكنك أن تقوله لأصحاب القنوط واليأس سوى أن تلفت نظرهم إلى من قال: هل يستحيل على الرب شيء؟