Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الأول December 2013

shahid"لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ" (إشعياء 6:9-7)
لشدّ ما اقتُبست هاتان الآيتان منذ أن وُلد المسيح في بيت لحم، وانكشف السر الإلهي عن حقيقة هذا المولود العجيب الذي لم يظهر في التاريخ البشري نظيرًا له. ولا شك أن كهنة العهد القديم منذ أن تم تدوين هذا السفر قد رددوا هاتين الآيتين في خدماتهم الدينية واحتفالاتهم في المجامع، وفي الهيكل لأنهم أدركوا أنها تشير لمجيء المسيا المنتظر الذي كانوا يترقّبونه بصبر نافذ بعد أن داهمتهم النوائب، وزالت المملكتان، وسقطت أورشليم على يد نبوخذنصر، ووجدوا أن رجاءهم هو في ظهور هذا المسيا الذي سيقوّض دعائم الممالك، ويهلك الأمم، ويرد لكرسي داود مجده الغابر، وعظمته التليدة.
ومع أن مغزى هاتين الآيتين قد اتّخذ معنى مختلفًا عما كان عليه في العهد القديم، لأن ميلاد طفل بيت لحم الذي قلب المفاهيم اليهودية، وقدّم صورة متباينة عن صورة الأحلام التي نمت وترعرعت في عقول الشعب وتقليدهم، فإن المجتمع الديني اليهودي بكهنته، وكتبته، وفريسييه ظل متمسكًا بالمفهوم التقليدي ورفض ادعاء مولود بيت لحم الذي أعلن عن نفسه أنه المسيا المنتظر، مخلص الشعب، الذي يُدعى عمانوئيل (الله معنا)، ويسوع (الذي يخلص شعبه من خطاياهم). هذا الموقف المناوئ للمسيح كان سببًا رئيسًا لسلب الشعب اليهودي كثيرًا من حقوقهم التي من أجلها اختارهم الله منذ القديم، وفقدوا أغلب الوعود التي كانت لهم. فرفضُ اليهود لهذا المسيا كان رفضًا لخطة الله للخلاص التي تبدأ بالتجسد، وتنتهي بالقيامة، وبالتالي انفتح باب النعمة لجميع الأمم والشعوب. ونجد ذلك جليًا في نبوءة إشعياء 1:42 عندما يقول: "هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ". وفي آية 6 من نفس الأصحاح عن المسيح مولود بيت لحم "وأجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم".
ولكن هذه الشخصية المدهشة، والتي تتصف بكل هذه الخصائص والمزايا من حيث كون صاحبها رئيسًا، واسمه عجيبًا، وإلهًا، وقديرًا، هو نفسه أبًا أبديًا. وفي هذا المقال أود أن أتحدث عن هذه الخاصة التي لا يوصف بها إلا الله السرمدي، وهي اللفظة التي تشتمل على الأزلية والأبدية معًا.
يبدو لي أن عبارة أبًا أبديًا هي ترجمة معنوية لأن النصوص الأصلية تشير إلى معنى ذي أبعاد يتعذر على العقل البشري استيعابها، وهي في جوهرها مماثلة لسرمدية الله. ففي النصوص القديمة لفظة أبًا أبديًا تنص على أنه خالق الأبدية أو أبو الأبدية.
إن هذا المعنى يجعلنا أن نتوقف مذهولين أمام هذا الطفل المولود في بيت لحم، الذي هو خالق الأبدية أو أبو الأبدية. ولكن حين نفكر في لاهوت المسيح تتكشف لنا تلك الأبعاد التي من شأنها أن تعطينا صورة باهرة عن سرمدية إيلوهيم في أقانيمه الثلاثة.
من منا يستطيع أن يفسّر كيف وُجد الله، ومن أين جاء، وكيف هو موجود في كل مكان، وهو الخالق، وغيرها من الأوصاف والأسئلة المحيّرة التي يعجز العقل البشري عن إدراكها؟
إذا نظرنا إلى مولود بيت لحم من منظار لاهوته يمكننا أن نتبيّن الصلة الحقيقية بينه وبين الآب والروح القدس، فالنبوءة التي اقتبستْها الأناجيل تقول: "هوذا فتاي". والآب في أماكن مختلفة يعلن من أعالي السماء أن "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". بل إن إشعياء في نبوءته أعلاه يومئ إلى ذات هذه العبارة عن لسان الله بقوله "مختاري الذي سُرّت به نفسي".
إن هذا التساوي في الجوهر يجعل من المسيح أبو الأبدية وخالقها لأنه موجود في "إيلوهيم" منذ أن وجد "إيلوهيم". ومن حيث أن لفظة إيلوهيم الجامعة للأقانيم الثلاثة هي سرمدية في جوهرها ومعناها، فإن مولود بيت لحم هو سرمدي أيضًا. وهناك أدلة كثيرة تثبت هذه الحقيقة أهمها:

أولاً: ميلاده العذراوي

إن المسيح وحده في سياق التاريخ البشري قاطبة لم يولد بتدخّل بشري ولم يكن للرجل أو الزوج أي فضل في ذلك. فكما يقول إنجيل متى 18:1 عن مريم أنها "وُجدت حبلى من الروح القدس"؛ ويخبرنا إنجيل لوقا 34:1-35 لدى تعجب مريم من بشارة الملاك قائلة: "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟". فكان جواب الملاك: "الروح القدس يحلّ عليك، وقوة العليّ تظللك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله"، أي ليس ابن يوسف أو أي مخلوق بشري. ومن الملاحظ أيضًا أن المسيح ليس مخلوقًا كمثل آدم ولكنه مولود من الروح القدس، فهو في لاهوته والألوهية سيان.

ثانيًا: خالق الكون

يقول الكتاب المقدس عن مولود بيت لحم: "الذي به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان". وهذا تأكيد على أن وجود المسيح هو سابق لوجود الخليقة. فعندما يقول سفر التكوين "في البدء خلق الله (إيلوهيم) السماوات والأرض"، فإنه يصرح بكل وضوح أن الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس كان مشاركًا في الخلق، لهذا السبب نرى أن العدد الأول في إنجيل يوحنا يشدد على المسيح أنه الكلمة عندما يقول: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله". لأن وحدانية الله هي جامعة للأقانيم الثلاثة على غير انفصال. فاللاهوت مكتمل بأقانيمه الثلاثة. ومن هنا إننا نؤمن أن مولود بيت لحم ليس نبيًا فقط بل الإله المتجسد الذي جاء إلى هذا العالم ليخلص البشرية من الدينونة الرهيبة. إن المسيح في كينونة لاهوته هو سرمدي، لهذا لم يقوَ عليه الموت، ولا اعتراه الفساد. ومن حيث أنه الذي "كل شيء به كان" فهو خالق لكل شيء وبارئ السماوات والأرض.

ثالثًا: وحدة اللاهوت

عندما سأل التلميذ فيلبس يسوع: "يا سيد، أرنا الآب وكفانا"، ماذا كان جواب المسيح له؟ "... الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ... لكن الآب الحال فيّ هو يعمل الأعمال...". لا يمكن لمثل هذا الاعتراف الخطير أن يصدر جزافًا عن أي نبي أو رسول مهما بلغ من العظمة والشهرة. لم يجرؤ موسى، أو إيليا، أو إرميا أو أي واحد من الأنبياء الكبار أن يدّعي أن الله حال فيه ويؤكد أن من رآه فقد رأى الآب أيضًا. إن هذه الظاهرة فريدة في التاريخ الإنساني يرتعد أمامها من ليس إلهًا. لقد ظهر دعاة كثيرون ممن ادعوا الألوهية، ولكنهم جميعًا فنوا، وماتوا وامّحى أثرهم، أما المسيح فقد ظلّ حيًّا وإلى الأبد.

رابعًا: غافر الخطايا

هذا المولود الذي تغنّت له السماء فرحة، وبشرت به الملائكة، وتمت به مئات النبوءات، وعلى يديه تحقق الخلاص، هو أيضًا غافر الخطايا والذنوب. وقد أسخط يسوع منتقديه بتجسيده مواقف الرحمة الغافرة للخطايا التي هي من شأن الله وحده التي أبداها نحو أعتى الخطاة والزانيات، شرط أن يرتدّوا عن شرهم قائلاً لهم: اذهبوا ولا تخطئوا في ما بعد. لقد جُنّ جنون الكهنة والفريسيين عندما شاهدوا هذه المواقف التي لا يجرؤ أي مخلوق بشري أن ينسبها لنفسه، واتهموه بالكفر، وابن بعلزبول وسواها من الاتهامات الباطلة. ولكن المسيح أبو الأبدية وخالقها لا يمكن أن ينكر نفسه، بل لا يمكن أن يتخلى عن لاهوته حتى في تجسده لأنه الله في الجسد.

خامسًا: ديان العالم

وأخيرًا، إن مولود بيت لحم هو الذي سيحكم إلى أبد الآبدين، بل هو الذي سيدين العالم في ذلك اليوم المخوف. ولم يحدث أن استطاع أي نبي منذ الخليقة أن يدّعي لنفسه أنه ديان البشرية، ولكن هذا الطفل المقدس الذي أخلى نفسه باختياره، وطوعًا آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس لم يتردد لحظة واحدة أن يعزوَ إلى نفسه هذا الحق الذي هو من شأن الله وحده، لأنه في لاهوته لم يكن منفصلاً عن الثالوث. ومن يقرأ سفر الرؤيا يقف مرعوبًا أمام تلك اللحظة التي فيها يجتمع العالم منذ الخليقة أمام كرسي العدالة الإلهية ويكتشفون أن الديان هو ذاته الذي وُلد في مذود بقر وفي مدينة بيت لحم، ويعلن آنئذ أن عهد الرحمة والغفران فد انقضى وعلى البشرية جمعاء أن تواجه مصيرها الأبدي.
فالمسيح منذ مولده كان هو هو أبو الأبدية ولا فرق في ذلك إن كان في السماء أو على الأرض.
وأقول لكل من يتنكر لما أوحاه الروح القدس على لسان أنبيائه ورسله الذين تتلمذوا على يدي عمانوئيل، أن هذا المولود سيكون ديانه في يوم ما، بل ديان العالم الذي خلقه.

المجموعة: كانون الأول December 2013

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

88 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476551