Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الأول December 2013

JosephAbdoقبل التجسد العظيم، كان الله يشغل في أذهان الكثيرين مشهدًا لكائن يعيش ليس خارج الزمان والمكان فقط، بل خارج التاريخ أيضًا حيث "لم يره أحد قط"، وكان الناس حتى ذلك الحدث الفريد يستصعبون الإيمان بكل ما يقع خارج دائرة الحواس... لذا فإن الرسول يوحنا يهتف بكل ثقة قائلاً: "اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا" (1يوحنا 1:1-2).
لقد دخلت حياة الحي القيوم التاريخ البشري في شخص المسيح حينما تجسد "فقسم التاريخ"، ومن ثم قامت الحياة بدافع الحب الإلهي العجيب بالتعامل مع أسباب الموت التي خلّفتها خطية العصيان. حيث طُرد آدم وحواء من فردوس الحياة إلى أرض اللعنة. وفي ذلك المنفى أنجبا طلائع الجنس البشري الذي تباعدت عن أذهان أفراده صورة تلك العلاقة الأولى التي اختبرها أبواهم في جنة عدن. وقد انفصلوا جميعًا عن مصدر الحياة وورثوا أسباب الموت وعناصره. ورغم تعامل الله مع أفرادٍ فتح أذهانهم حينما اختارهم لحمل رسالة معرفته في الأزمنة القديمة إذ  "لم يترك نفسه بلا شاهد"، إلا أن زخم الحياة تجلّى في مجيء المسيح بالجسد وفق خطة الله الأزلية للخلاص, وعند ذلك ترنمت ملائكة السماء بتلك الأنشودة الخالدة: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة".
وقبل أن تصل قصة أفراح الميلاد المجيد "كما دوّنها البشيرون بالروح القدس" إلى خواتمها، انبرى عدو الحياة "إبليس" مستنفرًا قواته، مفتعلاً مناسبة للموت ومحفلاً للدموع والنحيب... ظانًا أنه بهذا يستطيع أن يوقف مسيرة الحياة، ويدمّر خطة الله للخلاص، ويوقف دوافع حبه العظيم الذي وجهه لاستعادة بني الموت من وهدة الهلاك.  فأهاج هيرودس الشرير لقتل أطفال بيت لحم آملاً أن يكون رب الحياة بين هؤلاء القتلى. لقد خاب فأله. لكن هؤلاء الأطفال صاروا أول قافلة من شهداء المسيح قبل استفانوس القديس وغيره من الرسل العظام.
"حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ" (متى 17:2-18).
وما زالت "راحيل الرمز" تبكي على أولادها الذين يغتالهم عدو الخير، ومنذ أن شربت أمنا حواء ذلك الكأس حتى يومنا هذا.
ولعل كل أم ثكلى تسأل بكل حزن وأسى ما كانت راحيل قد سألته في غمرة الأسى: لماذا؟ أسئلة لم تجد لها جوابًا يطفئ نار لوعتها، فبكت حتى أعجزها البكاء وأرهقها الخطب عن تقبّل العزاء. (أرجو من قارئي العزيز المسامحة لأن موضوعي للميلاد في هذا العام يأتي بين الزفرات والتنهدات والأنّات).
ولكنني أدرك أيضًا أن يسوع صاحب القلب المحب الرؤوف بكى مع الباكين على قبر لعازر الذي كان يُندب، وبكى على قتلى أورشليم قبل وقوع الدمار على يد تيطس الروماني وجنده. ولا بد لنا من أن نمرّ على أسئلة دارت وتدور في ذهن "راحيل" وفي أذهان أمهات ثكالى في شرقنا العزيز:
لماذا يُقتل الإنسان بيد أخيه الإنسان مخالفًا صراحة الوصية الإلهية "لا تقتل"؟
لماذا يُقتل البريء رغم براءته بيد الشرير المسترسل في شره؟
لماذا يحاول القاتل إخفاء ذنبه عن الله القدير متذرّعًا بأقوالٍ سخيفة كما فعل قايين عندما قتل أخاه هابيل؟
ما نظرة الله وحكمه الرهيب في قضائه العادل القريب؟
وهذه صرخة من القلب إلى أصحاب السلطة والنفوذ في هذا العالم الكئيب. أين أنتم من دماء ألوف الأبرياء التي تُزهق نفوسهم كل يوم، ومن دموع الثكالى ومحافل البكاء والنحيب؟
يُقال أنه في الأزمنة القديمة كانت دموع الباكين على الميْتِ تُجمع في زق فيُدفن معه...! لكي ترقّ الآلهة لهذه الدموع فتحسن معاملته...! وقد استعار داود هذا المعنى حينما كان يبكي على خطيته بقوله لله: "اجعل أنت دموعي في زقك، أما هي في سفرك؟" (مزمور 8:56). فلو جمعت دموع الأرامل والثكالى في بلادنا العزيزة اليوم لملأت زقاقًا كثيرة. ولكن آلهة التعصب الأعمى، وآلهة الحقد والبغضاء والقتل لا ترق ولا تشعر..!
ولولا تجسد الحياة في شخص معطي الحياة قبل ألفي سنة لكان العالم اليوم، وبعد أن تطورت وسائل القتل وأسلحة الموت والدمار، في وضع لا يمكن احتماله. لقد حقق مجيء المسيح الأول أعظم الأثر الإيجابي في هذا العالم حيث:
سكب تعزيات الروح القدس، وجفف كثيرًا من مصادر الحزن. لقد غيّر بخلاصه الكثيرين من أصحاب القلوب القاسية التي استفحلت فيها شهوة القتل وحب الانتقام، كما غيّر شاول الطرسوسي الذي تقابل معه على طريق دمشق من إرهابي مجرم - رغم تديّنه الشديد - إلى وديع مسالم يتفطّر قلبه حزنًا على جراح الآخرين.
لقد فجّر مجيء المسيح وتعاليمه السامية الرغبات في نفوس الكثيرين، فأنشأوا المؤسسات والمنظمات التي تعني بخير وسلامة وصحة أبناء البشرية من أي لون كانوا... إذ عملت تعاليمه السامية على نشر ثقافة الحياة بدافع الحب غير المشروط لجميع الناس في مواجهة ثقافة الموت بدافع البغضاء ورفض الآخرين الناشئة عن تعاليم مبنية على أنانيات ضيّقة.
لولا مجيء واهب الحياة قبل ألفَي سنة وامتداد حياته في الكثيرين من أبنائه الأمناء حتى اليوم، لما رأينا الآن في هذا العالم رايةً تُرفع من أجل الحق والبرّ والعدالة الاجتماعية، ولما سمعنا بعبارة "وعلى الأرض السلام" تتردد على أفواه الملايين.
لولا مجيء رب الحياة لازدادت في العالم دياجير الظلمة المسيطرة على نفوس وعقول الناس. يقول الإنجيل المقدس: "فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ" (يوحنا 4:1-5). إن الفرق واضح بين الثقافات التي تهتم بالعلم وحرية العقل والأخرى التي تحجّر العقول وتنشر الظلام. وكم فعلت كل منهما لتقدّم البشرية؛ وأصحاب الأخيرة يعيشون متطفلين على ما قدّمه الآخرون.
والأهم من ذلك كله أن المسيح - له المجد - جاء ليس فقط لكي يؤكد إعطاءه الحياة الفضلى للمؤمنين به حسب قوله الكريم: "اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ" (يوحنا 10:10)، ولكن ليؤكد لهم الحياة الأبدية أيضًا: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ" (يوحنا 24:5).
لقد حُبل به بالروح القدس، أي حمل حياة الله في الجسد الذي اتخذه من العذراء المباركة لكي يكون لهذا الجسد "الكامل النقاء" كل القيمة التي تكفي ليكون ذبيحة كفارة عن جميع أفراد الجنس البشري. فمات الجسد على الصليب، ولكن روح الله الحي أقام الجسد من الموت وغيّر كنهه ليصبح جسدًا ممجدًا لا يتأثر بالحواجز ولا يقيّده الزمان ولا المكان، صعد به إلى السماء كسابق لأجلنا.
فما أمجد ذلك الرجاء الأسمى الذي جاء المسيح ليمنحه لكل من يؤمن به ويتخذه سيدًا وربًا على حياته فيعيش الحياة الفضلى التي يمنحها المسيح وحده ويكون مهيّأً للحياة الأبدية التي يقضيها بقربه في السماء إلى الأبد... آمين!

المجموعة: كانون الأول December 2013

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

146 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475821