أيار May 2014
"أما تقولون: إنه يكون أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد؟ ها أنا أقول لكم: ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضّت للحصاد. والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمرًا للحياة الأبدية، لكي يفرح الزارع والحاصد معًا" (يوحنا 35:4-36)."ارفعوا عيونكم"، ترد هذه العبارة وما يشابهها مرارًا في الكتاب المقدس ابتداء
من سفر التكوين. وهي تدل على رؤية شيء مهم. فنقرأ عن إبراهيم أنه رفع عينيه ونظر، "وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه" (تكوين 2:18)، ونحن نعلم أن أحدهم كان المسيح "الذي مخارجه منذ القديم" في إحدى ظهوراته قبل تجسده، واثنان هما ملائكة. ولكننا نقرأ أيضًا أن لوطًا رفع عينيه ورأى سدوم وعمورة، رآها "كجنة الرب، كأرض مصر" (تكوين 10:13). "وكان أهل سدوم أشرارًا وخطاة لدى الرب جدًا" (عدد 13). كان إبراهيم "ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله" (عبرانيين 10:11). أما لوط فمع أنه كان مؤمنًا حقيقيًا إلا أنه كان ينظر إلى ما يسبّب له ربحًا ماديًا زمنيًا. لم تكن عنده البصيرة الروحية التي ترى ما لا يُرى، ولذلك فقد كل أملاكه في سدوم، بل فقد امرأته أيضًا وبعض بناته، وأخيرًا سكن في مغارة مع اثنتين من بناته، ونحن نعرف ما حدث بعد ذلك، وهو أمر مشين.جميعنا نرفع أعيننا لننظر، ولكن ليتنا ننظر بعين الإيمان متذكرين أن الأمور "التي تُرى وقتية، وأما التي لا تُرى فأبدية" (2كورنثوس 18:4)."أما تقولون إنه يكون أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد؟"، من هذا نتعلم أنه هناك حقلان، الواحد أرضي زمني، والآخر روحي وأبدي. الأول، أي الأرضي ليس أمرًا مستعجلاً، أما الثاني فهو أمر مستعجل. لذلك قال: "انظروا الحقول إنها قد ابيضّت للحصاد". في هذه العبارة تشجيع وإنذار. التشجيع هو أن الثمار أكيدة. فالقمح في السنابل ولذلك الحقل قد ابيضّ. وأما الإنذار فهو إن التأجيل يأتي بالخسارة. إذ تقع حبوب الحنطة على الأرض وتدوسها الأقدام وتخطفها الطيور، لذلك لا مجال للتأجيل. إن إهمال التبشير هو أمر خطير، فكما أن الفلاح سيقاسي خسائر إن أهمل وتكاسل، كذلك المؤمن الذي يهمل التبشير سيخسر المكافأة. فالمناداة ببشارة الخلاص ليست أمرًا ثانويًا في نظر الرب. إن آخر ما قاله الرب لرسله في ختام إنجيل متى هو أن يذهبوا ويتلمذوا جميع الأمم ويعلموا عن جميع ما أوصاهم به. وفي ختام إنجيل مرقس نتعلم أن التلاميذ خرجوا وكرزوا في كل مكان. وفي إنجيل لوقا أوصاهم قائلاً أنه ينبغي أن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم. وكم نشكر الرب لأن التلاميذ أطاعوه. فرفعوا أعينكم ونظروا الحقول وذهبوا إليها. وإني شخصيًا أشكر الرب لأن البشير مرقس رفع عينيه ونظر إلى مصر التي كانت غارقة في الوثنية. فذهب إليها وبشرها واستشهد هناك، وانتشر فيها الإيمان بالمسيح. وكذلك باقي الرسل رفعوا أعينهم وذهبوا إلى أمم كثيرة حتى أنه قيل عنهم أنهم فتنوا المسكونة، أي قلبوها. فقد كان تأثيرهم على مناطق كثيرة في هذا العالم.ثم جاءت فترة طويلة أهملت الكنيسة فيها مسؤولية تبشير الشعوب التي لم يدخلها نور الإنجيل. ولكن في القرن الثامن عشر والتاسع عشر استعادت الكنيسة نشاطها في تبشير الأمم الأخرى، إذ رفع كثيرون من رجال الله عيونهم ورأوا حقولاً قد ابيضّت للحصاد، نذكر منهم هدسون تايلور الذي رفع عينيه نحو بلاد الصين، بل كانت عنده هذه الرغبة منذ صباه وبارك الرب مجهوداته. وكذلك ويليام كاري الذي رفع عينيه ونظر إلى الهند، فآمن الكثيرون، ونتيجةً لمجهوداته وصلواته أُبطلت العادة الرديئة التي كانت شائعة هناك وهي حرق المرأة حين يموت زوجها. وماذا نقول عن روبرت موفات وصهره دايفيد لفنجستون وخدماتهما في أفريقيا. والآن نجد نشاطًا روحيًا في بعض دول أفريقيا أكثر مما نجد في بعض الدول الأوروبية.أيها الأحباء، إن رفع العينين للنظر يجب أن يكون مصحوبًا بسكب القلب أمام الرب، وأن يكون القلب ملتهبًا بالمحبة وبالرغبة في خلاص النفوس.قرأت عن رجل اسمه سام هادلي من مدينة نيويورك، كان قبلاً سكيرًا وشريرًا غارقًا في الخطايا، فكان يذهب إلى Waterfront Mission، وهناك آمن وأصبح إنسانًا جديدًا. ومنذ ذلك الوقت ابتدأ يبشر الخطاة في نفس ذلك المكان الذي فيه نال الولادة الجديدة، فكان يشهد للجميع عن نعمة الله التي خلّصته. وفي مساء أحد الأيام رآه شخص يعرفه مستندًا على عمود النور، فظن أنه متوعك، فذهب إليه ليساعده، ولما اقترب منه سمعه يصلي ويقول: "يا رب، إن شرور هذه المدينة تجعلني مريضًا بلا قوة". فهو لم يكن يبشر كمجرد مسؤولية، بل كان يحزن من أجل البؤس والشقاء الذي تسببه الخطية.ليتنا نتعلم من ربنا يسوع المسيح الذي "لما رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها" (متى 36:9)."والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمرًا للحياة الأبدية، لكي يفرح الزارع والحاصد معًا"، نعم، هناك من يلقي البذور، وهناك من يسقي، وهناك من يحصد. "ليس الغارس شيئًا ولا الساقي، بل الله الذي ينمي... ولكن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كورنثوس 7:3-8).وما أجمل القول "لكي يفرح الزارع والحاصد معًا". كيف لا نفرح بخلاص النفوس، وقد علّمنا الرب يسوع المسيح أنه "يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب"، فرح قدام ملائكة الله، وهذا بخاطئ واحد يتوب. تعب مع فرح ونحن على هذه الأرض، وأفراح مع مكافآت حين نكون كل حين مع الرب.ليتنا جميعنا نسمع صوت الرب إذ يقول: "من أُرسل؟ ومن يذهب من أجلنا؟" فيجيب كل منا قائلاً: "هأنذا أرسلني" (إشعياء 8:6)."الذاهب ذهابًا بالبكاء حاملاً مبذر الزرع، مجيئًا يجيء بالترنم حاملاً حزمه". (مزمور 6:126)