أيار May 2014
إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة، فقد صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن. وإن كانت لي نبوة، وأعلم جميع الأسرار وكل علم، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئًا. وإن أطعمت كل أموالي، وإن سلمت جسدي حتى أحترق، ولكن ليس لي محبة، فلا أنتفع شيئًا".
لم أجد مقدمة لهذا التأمل أفضل من هاتين الآيتين اللتين استهل بهما بولس الأصحاح الثالث عشر من رسالته الأولى إلى كنيسة كورنثوس، المعروف عند الكثيرين بأصحاح المحبة. وفي رسالته إلى كنائس غلاطية يتناول بولس الموضوع إيجابيًا: "بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا" (غلاطية 13:5). وللمحبة مقتضياتها وفي مقدمتها التضحية، التي ظهرت في أروع صورها في صليب الجلجثة: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد..." (يوحنا 16:3).
ولعلنا نلاحظ أن من يضحون في سبيل خدمة إنجيل المسيح لا يشعرون بوطأة التجارب والآلام كما يشعر بها الآخرون. فبولس مثلاً، في اجتماعه الوداعي مع قسوس كنيسة أفسس، تحدث عما احتمله في سبيل الخدمة، وما ينتظره من المزيد في أورشليم، وكان بكاء عظيم من الجميع. أما بولس فقد عبّر عما في داخله بهذه الآية: "ولكنني لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع..." (أعمال 24:20). أي إن بولس لم تؤثر فيه الاضطهادات، وكان مستعدًا للتضحية حتى الموت لإتمام الخدمة التي وضعها الرب يسوع على كتفيه.
أما بطرس والرسل "فجلدوهم وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم، أما هم فذهبوا فرحين أمام الجميع لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه. وكانوا لا يزالون كل يوم... معلمين ومبشرين بيسوع المسيح" (أعمال 40:5-42). وكأن الجلد كان بمثابة وسام لا يستحقونه.
وكم كان الكتاب المقدس صريحًا ومباشرًا عندما وضع المحبة أساسًا لخدمة المسيح كما جاء في مستهل هذا التأمل: محبة للمخدومين ولصاحب العمل. فبولس مثلاً، أحب المخدومين كأنه واحد منهم: "من يضعف وأنا لا أضعف. من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كورنثوس 29:11). وفي هذا كان متشبهًا بالرب يسوع، مثَلنا الأعلى: "أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يوحنا 11:10)، أي إنه من محبته للخراف مات عنها لكي يحميها من الذئاب والأخطار (يوحنا 12:10).
وإن كان الروح القدس قد قادك إلى الدخول في مجال الخدمة الروحية، فلا تضع المادة هدفًا، بل بالمحبة قدّم الخدمة المضحية في سبيل ربح النفوس. ومع هذا الربح الثمين ستربح أيضًا الآتي: "مئة ضعف الآن في هذا الزمان... وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية" (مرقس 30:10).