من الجيد لكل مؤمن أن يميِّز بين ما هو أكيد لا يتغيّر، وبين ما هو قابل للتغيير – أي للزيادة أو النقصان. كثيرون من أولاد الله الأعزاء يجوزون في فترات من القلق لأنهم يخلطون بين ما منحه الله لنا على أساس الإيمان بالمسيح وبعمله الكامل على الصليب، وبين ما يتوقّف على سلوكهم اليومي. لذلك سنتكلم عن هذا الأمر وهدفنا هو أن يتمتّع القارئ المؤمن بسلام الله الذي يفوق كل عقل. لأن من يخلط بين الاثنين يحرمه عدو الخير، أي إبليس، من الفرح في الرب، إذ يجعله قلقًا بخصوص مصيره الأبدي.
الحياة الأبدية
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يوحنا 16:3) ربما تكون هذه الآية هي أشهر آية في الكتاب المقدس. شكرًا لله لأنه أعطاها لنا بأسلوب بسيط وواضح حتى يفهمها كل شخص حتى الأطفال. ونتعلم منها بكل وضوح أن من يؤمن بالرب يسوع المسيح وبموته لأجلنا لا يمكن أن يهلك، بل تكون له الحياة الأبدية. ومن المهم أن نفهم أن الإيمان الحقيقي ليس مجرد موافقة ذهنية، وإنما يشمل قبول المسيح في القلب كمخلص شخصي لمن يؤمن به. لذلك يقول في يوحنا 12:1-13 "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ." فلنلاحظ أولًا أن الإيمان هو إيمان قلبي يشمل قبول المسيح في القلب. ثانيًا إنه إيمان تنتج عنه ولادة جديدة، ولادة من الله، وهي ولادة روحية تجعل المؤمن ابنًا لله. ونتيجة لذلك يصبح المؤمن إنسانًا جديدًا، أي خليقة جديدة. "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا." (2كورنثوس 17:5) وهي تشبَّه أيضًا بأنها قيامة من الموت. "اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." (أفسس 4:2-5)
"خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي." (يوحنا 27:10-28)
"وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ." (1يوحنا 11:5-12)
هذه الآيات، وكثير غيرها، تتكلم عن الحياة الأبدية وأنها لكل مؤمن حقيقي. وكلمة "أبدية" تعني أنها لن تزول ولن تُفقد أبدًا، وذلك لأنها في ابن الله، تبارك اسمه، يسوع المسيح، الذي أحبنا وبذل نفسه لأجلنا، والذي صعد فوق جميع السماوات ودخل إلى الأقداس كسابق لنا، ووجد لنا فداء أبديًا.
الحياة الروحية
أي السلوك الروحي. كثيرون من أولاد الله الأعزاء يبنون سلامهم واطمئنانهم على مستواهم الروحي. وبما أن السلوك الروحي يتغيّر كثيرًا من يوم إلى يوم، بل أحيانًا في نفس اليوم، لذلك تجدهم أحيانًا فرحين وواثقين من مصيرهم الأبدي، وأحيانًا في خوف وقلق شديد، والشيطان يستغلّ ذلك فيذكّرهم دائمًا بنقصاتهم وضعفهم الروحي، فيفقدون الفرح في الرب. مع أن فرح الرب هو قوتنا (نحميا 10:8). لذلك من المهم جدًا أن نتذكر دائمًا أن ضمان الحياة الأبدية هو في شخص وعمل ربنا يسوع المسيح الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، وأما الحالة الروحية العملية فهي تتوقف على سلوكنا اليومي، أي هل نحن نسلك حسب الروح أم حسب الجسد. ولنا في الكتاب المقدس، الذي هو كلام الله الموحى به، نصائح كثيرة بهذا الشأن، سنقتبس بعضها:
"وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ... وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ... عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ... وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ... وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ." (غلاطية 16:5-25)
"فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ: أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا. بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ." (أفسس 1:4-2)
"فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً." (أفسس 1:5-2)
الآيات من فيلبي 4:4-9 تعلمنا نصائح ثمينة للحياة الروحية الناجحة: الفرح في الرب. حياة الإيمان الذي يمنح السلام إذ نقدم لله طلباتنا بالصلاة والدعاء مع الشكر. أن تكون أفكارنا فيما هو جليل وعادل وطاهر ومسرّ. أرجو أن تقرأ هذه الآيات.
خلاصة الكلام هي أنه من المهم جدًا أن نميّز بين مسؤولياتنا وامتيازاتنا، أي بين ما يتوقف على حياتنا الروحية وبين ما هو مبنيّ على أساس عمل المسيح الكامل على صليب الجلجثة. الحياة الأبدية التي ننالها بالإيمان بالرب يسوع المسيح هي مبنية على قيمة هذا المخلص الوحيد. أما حياتنا الروحية فمستواها يتوقّف على أمانتنا نحن وتقديرنا لمحبة الرب فادينا، وسلوكنا بحسب ما تعلمنا إياه كلمة الله.
ولا يفوتنا أن نؤكد حقيقة مهمة وهي أن الضمان الإلهي للحياة الأبدية يحثنا على حياة السجود والشكر لله ويزيد رغبتنا في إطاعة الرب والعمل بوصاياه، وذلك بدافع المحبة والإجلال لشخصه المجيد.
أما من يظن أنه نال حياة أبدية وبذلك يمكنه أن يرتكب الخطايا والشهوات بدون أن يخاف من العقاب الأبدي، فهو إنسان هالك يخدع نفسه. فقد رأينا فيما سبق أن الإيمان الحقيقي تنتج عنه ولادة ثانية بها ينال المؤمن طبيعة جديدة تحب البر وتكره الشر.
هذا ما يعلمنا إياه الروح القدس في رسالة بولس الرسول إلى تيطس:
"لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ. تَكَلَّمْ بِهذِهِ، وَعِظْ، وَوَبِّخْ بِكُلِّ سُلْطَانٍ. لاَ يَسْتَهِنْ بِكَ أَحَدٌ." (تيطس 11:2-15)