Voice of Preaching the Gospel

vopg

Ammariأنا الرب إلهك... لا يكن لك آلهة أخرى أمامي

تبدأ الوصية الأولى من الوصايا العشر بالإعلان عن وحدانية الله الذي لا يُعبَد سواه. وقد جاءت تفاصيل الشريعة الموسوية فيما بعد لتوضِّحَ بأن آلهة الشعوب على اختلاف تسمياتها ما هي إلا آلهة وهمية لا وجود لها، إنما هي ضلالات من بدع الشيطان لإشغال الناس عن التعرف على الإله الحقيقي.

فالتوراة هي أول وثيقة وحيٍ رباني أَعلنت وما زالت تعلن للناس كافة أن الله واحد لا إله سواه، فأيّ من نادى أو ينادي بوحدانية الله بعد موسى إنما هو تكرار للحقيقة ذاتها.
لنا هنا ملاحظات نتوقف عندها:
أولًا: الإيمان بإله واحد هو حجر الأساس في علاقة الإنسان بالله، وهو يشكل الخطوة الأولى في السير على الدرب مع الله، إذ يقول الوحي في سفر العبرانيين: "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه، لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازي الذين يطلبونه" (عبرانيين 6:11). ونقرأ في مطلع المزمور التاسع عشر: "السماوات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه."
فمن الجهالة أن يجرؤ أحدٌ على إنكار عظمة الإله القدير الذي هندس هذا الكون بدقة وإتقان يفوق الوصف، ومََنْ مِِنْ خليقته لديه القدرة على أنْ يُقيِّم خالق السماوات والأرض! فالأجرام المبعثرة بإتقان في الفضاء الفسيح، حتّى في صمتها المطبق تشهد لعظمة خالقها ومهندسها الأعظم.
يقول الكتاب في مزمور 1:53 "قال الجاهل في قلبه: [ليس إله]". هذا أفضل تعبير منطقي يصف حالة من ينكر وجود صانع الوجود. فالخالق المبدع لهذا الكون العجيب، يشهد لجلال ما صنعت يداه من إبداعٍ يفوق تصوّر العقل. فمن ينكر وجود خالقه أقل ما يقال فيه هو أنَّه جاهل.
بعض الذين ينكرون وجود الله تدفعهم إلى ذلك الرغبة بأن يعيشوا في عالم بلا سياج يضبط تصرفاتهم، وبلا قِيَم تدين مخالفاتهم، وبلا قيود تحدّ من سلوكياتهم، فهؤلاء يقلقهم وجود ربٍّ يراقب تصرفاتهم ويؤنبهم على أخطائهم، فيلجأون لإنكار وجوده ليتخلَّصوا من هذا الشعور، كما تفعل النعامة حين يلاحقها الصياد ويقترب منها، فتغرس رأسها في الرمال كي لا تراه، فتتوهم أنه غير موجود، وفي لحظة لا تتوقَّعها تجد نفسها في قبضة يده، وعندها تؤمن أن صيادها موجود، ولكن بعد فوات الأوان!
لست بعالم متخصص في شؤون الخلق والخليقة وأسرار الكون لأدخل مع الملحد في معركة الجدال في هذا البحث، ولكن أنصحه بكل الحب أن يخلو بنفسه لبعض الوقت ويتأمَّل في عظمة الإبداع في جسده الذي يعيش فيه، ولو في جزئية منه تختص بحواسه الخمس التي لولاها لما تمتع بلذة الحياة وزينتها. ولا بُدَّ من قول الصدق هنا أن غاية البحث مع الملحد في هذا الشأن ليس الوصول إلى غالب أو مغلوب، إنما هي محبة الله في قلب المؤمن تدفعه لإشراك الآخر إنْ أمكن، ليتذوَّق حلاوة العشرة مع المسيح وربح الحياة الأبدية.

ثانيًا: وبما أن الله إله واحد، فمن تحصيل الحاصل القول إن ديانة الله ديانة واحدة، ومسيرتها واحدة عبر كل العصور، فهو لا يتغير ولا يتبدل، ومن صفات الله الذي نعبده أنّه صاحبَ مبدأ، فلا يقول قولًا ويعود عنه كما نفعل نحن حين نتنقل من رأي أخطأنا به إلى آخر أصحُّ منه.
الله الذي عرفناه عبَّر عن ذاته بكلمته، وكشف للبشرية من خلال أنبيائه، بعد أن سقط آدم، عن مخطط واضح غايته أن يعيد الإنسان للمُصالَحة معه والعيش في رضاه.
واستمرَّت ديانة الله في مسيرتها عبر أجيال البشرية، من أبناء آدم إلى نوح وأبنائه الثلاثة – سام وحام ويافث - الذين منهم تفرعت البشرية بعد الطوفان، ثم إلى إبراهيم أبي الأنبياء، وإلى يعقوب أبي الأسباط، وإلى موسى كليم الله ومَن تبعه من أنبياء التوراة، كل هؤلاء ساروا على ذات الدرب عبر التاريخ يعبدون ربًّا واحدًا تحت راية ديانة واحدة دون مُسمّيات أو عناوين، على اعتبار أن الله واحد لا يتنقّل من عقيدة إلى أخرى، أو من دين إلى آخر كما يحلو لأهل الدنيا في تنقلاتهم من مسكن إلى آخر، أو من بيئة إلى أخرى، فهو رب واحد، ومبدأه واحد لا يتغيَّر.
وعندما جاء المسيح سار على الدرب نفسه واستمرّ في المسيرة ذاتها، وتمت فيه عشرات النبوءات التي نطق بها الوحي على ألسنة سابقيه من أنبياء التوراة، وهو نفسه استشهد بأقوال وآيات من نصوص التوراة في عظاته وخطاباته بدليل توافقه معها وانسجامه بما ورد فيها، فقال في عظته الشهيرة بالعظة على الجبل: "ما جئت لأنقض (ما جاء في التوراة) بل لأكمّل" (متّى 17:5).
وعندما ظهر يوحنا المعمدان وبدأ خدمته النبوية بين جموع شعبه أقبل عليه المسيح لأول مرة وطلب أن يعتمد منه انسجامًا مع مسيرة يوحنا المعمدان، فلما رآه يوحنا عن بعد، رفع صوته بين الجموع وقال: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 29:1).
ويوحنا بهذا شكَّل حلقة الوصل ما بين عهد التوراة التي يتبع، وعهد الإنجيل الذي تمثَّل بالمسيح، باعتبار أن يوحنا نبيًّا وُلد في ظلال شريعة التوراة، وشاهد بزوغ فجر العهد الجديد، عهد الإنجيل. وكانَتْ مهمّته أن يمهِّد الطريق أمام المسيح الآتي بعده، استكمالًا لربط المسيرة بين العهدين القديم (عهد التوراة) والجديد (عهد الإنجيل).
وعندما سأل اليهود يوحنا يستفسرون عن هويته، قال للجموع في إشارة لتسليم الراية للمسيح: "ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص!" (يوحنا 30:3). ففي قوله ذاك، تمثلت عملية الربط بين حلقتي مسيرة ديانة الله في عهد التوراة الممثلة بيوحنا المعمدان وعهد الإنجيل مُمثّلة بيسوع المسيح.
وقال اعترافًا صريحًا بهوية المسيح: "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يوحنا 31:3). ولم يمضِ وقت طويل حتى غاب يوحنا عن مسرح الأحداث، واستمر المسيح، وما زال على رأس عمله يقود المسيرة، لم يناقض ما جاء قبله، ولم يأتِ بدينٍ جديد يفصله عن سابقه، بل بنى على أساس الديانة القائمة من بدء الخليقة، منسجمًا معها ومؤيّدًا لها قولًا وعملًا. فالمسيحية هي امتدادٌ لذات المسيرة القديمة لديانة الله منسجمة معها، فلم تخرج عنها، أو تُكفِّر ما سبقها. أمّا لو عَزَلتْ المسيحية نفسها عما سبقها وكفّرت ما قبلها، لخرجت عن المسيرة وصارت كطير يغرّد منفردًا خارج السرب. فديانة الله مرت بمحطات متصلة بعضها ببعض، الواحدة تفضي إلى الأخرى، وليست إلغاء دين واستبداله بآخر، فالمسيحية منسجمة مع ما سبقها في مسيرة واحدة بدليل أن توراة موسى وإنجيل المسيح يشكِّلان معًا كتابًا واحدًا هو "الكتاب المقدس"، فهو كتاب واحد لديانة واحدة لرب واحد شقّت طريقها عبر أجيال التاريخ، تنادي برسالة واحدة لخلاص البشرية والتصالح مع الله.
ويُلاحظ الباحث أن لغة التعبير في كل من التوراة والإنجيل لغة واحدة، واللهجة واحدة، والمصطلحات اللفظية واحدة، حتى وإن ترجمت إلى جميع لغات العالم. فالتناغم بين هذا وذاك قائم، رغم البعد الزمني الذي يصل إلى أكثر من ألف وستمائة سنة ما بين كتابة سفر التكوين (أول أسفار التوراة)، وكتابة سفر الرؤيا (آخر أسفار الإنجيل). وحتّى أسماء من سبقوا من أنبياء التوراة، تجدها في الإنجيل باللفظ نفسه بلا تغيير أو تحريف، بدليل وحدة مصدر الوحي في كلا الكتابين.
والقارئ في تنقّله ما بين التوراة والإنجيل يشعر بالترابط والانسجام بين هذا وذاك. فالرب الذي تلقاه بجلاله وكمالاته في التوراة، هو هو الرب نفسه الذي يتحدث إليك في الإنجيل. كما أنّ النبوءات التي نطق بها أنبياء التوراة عن المسيح انطبقت عليه بالتمام والكمال دون أن يُجهد المفسرون أنفسهم لإثبات انطباقها عليه. وكنا أشرنا إلى بعضٍ من هذا فيما تقدم.
صحيح أن المسيحيين واليهود على خلاف ديني قاتل، إذ أن اليهودية لا تعترف بالمسيحية على الإطلاق، لكن كتب الوحي في توراتهم وفي إنجيل المسيحيين في تطابق تام، لا خلاف فيهما، ونحن كمسيحيين في جميع طوائفنا، نقرأ فصولًا من التوراة أثناء العبادة في الكنيسة، كما نقرأ من الإنجيل، ونعظ ونستشهد بهذا وذاك بلا تمييز، فكلاهما من الله، وربُّ التوراة هو نفسه ربُّ الإنجيل.
ولمعلومات القارئ الكريم، فالتوراة التي بين أيدينا هي ذات التوراة التي بين أيدي اليهود، ومن تصدّى للعقيدة المسيحية من اليهود أو تنكر لها، نُفحمه بالرد القاطع من توراته التي بين يديه. فلو كفرنا بالتوراة كمسيحيين، أو ادّعينا بتحريفها لخسرنا هذه الحجة الدامغة والتناغم الجميل ما بين التوراة والإنجيل، الشيء الذي يشهد لصدق الوحي في كليهما، وأن مصدر الاثنين واحد.
هنا يأتي سؤال يفرض نفسه: طالما أن التوراة والإنجيل في مثل هذا التوافق والانسجام، لماذا الخلاف الديني القائم بين اليهودية والمسيحية؟
الحقيقة أن الخلاف يكمن في عقلية مَن ظنُّوا أن المسيح عندما ظهر بينهم سيكون ملكًا يحررهم من حكم الرومان، ولمّا لم يفعل ولم يحاول، تنكروا له ورفضوه فضيَّعوا بذلك فرصتهم الذهبية، فقال فيهم الإنجيل: "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله" (يوحنا 11:1).
واليوم وعلى مدى ألفي سنة مضت، أدرك ملايين من اليهود هذه الحقيقة ولحقوا بالركب وانضمُّوا إلى قافلة الكنيسة المسيحية، فصاروا إخوة لنا مسيحيّين مثلنا، من خلفية يهودية مثل غيرهم مِمَّن عبروا إلى المسيحية من خلفيات أخرى، ونشترك مع هؤلاء وأولئك بعبادة الرب الواحد. وما زال الحبل على الجرّار في عملية التحول اليومي للعبور إلى المسيحية من كل الشعوب والقبائل والألسنة على اختلاف مشاربهم. فمشكلة من رفضوا المسيح من اليهود تكمن في عقلية مَنْ رفضوه وليس فيما تنادي به توراتهم. فالتوراة والإنجيل على وفاق تام.

ثالثًا: وحدانية الله في الكتاب المقدس

التوراة هي أول من أعلن عن وحدانية الله للعالم أجمع عبر تاريخ البشرية، وذلك من خلال وثيقة وحيٍ صادق، ولأن الوحي لا يناقض نفسه، فعندما جاء الإنجيل أكد أيضًا على وحدانية الله. ونورِد فيما يلي بعضًا من أقوال الوحي سواء في التوراة أو الإنجيل التي تؤكد وحدانية الله:
يقول الله في سفر إشعياء 22:45 "التفتوا إليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر". وجاء في 2ملوك 15:19 "أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض"، وفي تثنية 4:6 "الرب إلهنا رب واحد". وفي 2صموئيل 22:7 "قد عَظُمْتَ أيها الرب الإله، لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك". وفي إنجيل متّى 10:4 "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد". وفي إنجيل لوقا 19:18 "ليس أحد صالحًا إلا واحدٌ وهو الله". وفي رسالة يعقوب 19:2 "أنت تؤمن أن الله واحد. حسنًا تفعل. والشياطين يؤمنون ويقشعرّون". بهذه الآية الأخيرة من رسالة يعقوب نفهم أن عقيدة التوحيد لا تعفي أصحابها عند ارتكاب المعاصي، وأن إيمانك بوحدانية الله ليس فضيلة منك، لأن الله واحد سواء شهدت بذلك أم خالفته. فالشياطين أيضًا تقر بأنَّ الله واحد لكنَّها تقشعرّ من ذكر اسمه لأنها تعصاه.
كثيرون يقرّون بوحدانية الله ومع ذلك يخالفون مرضاته، وهذه صورة من صور النفاق، إذ توهم صاحبها بأنه قام بفضيلة تستحق الثناء من رب العباد! لكن الله واحد، شئت أم أبيت، إنما المهم، هل تحيا في طاعته؟ وهل تتمتع برضاه؟ المشكلة التي يعاني منها البعض ليست تعدُّدَ الآلهة، لأن الله واحد لا إله سواه. بل المشكلة في توحيد قلوبهم من نحو هذا الإله الواحد. فانقسام القلب بين ميوله وشهواته ورغباته وأهدافه هو المشكلة القائمة، وهذا ما يُشتِّت الفكرَ ويُعَطِّلُ البركة ويخلق النزاعات بين الأفراد ويشعل الحروب بين الشعوب.
حين شعر داود النبي أن هذه النوازع من تجارب ورغبات تتصارع في داخله، تُحيِّرُهُ وتُشتِّتُ فكرَهُ، صرخ إلى الله بحرقة قائلًا: "يا ربُّ وَحِّدْ قلبي لخوف اسمك" (مزمور 11:86). وبعد صلاته استجاب له الرب وارتاحت نفسه. لم يقل في صلاته تلك: "يا رب أنا أوحِّدك" وكأنه يُمَنِّنُ الله بأنه يعترف بوحدانيته. فوحدانية الله ثابتة لا فضل له فيها، سواء شهد بها أو لم يشهد، لكنَّه صلَّى وتوسَّل لله أن يوحِّد قلبه من الانقسامات الداخلية التي كانت تمزِّقه وتتجاذبه يُمْنة ويُسْرة، فشعر بضعفه وشتات أفكاره، وعرف كيف يصلِّي، وماذا يقول في صلاته فقال: يا رب "وَحِّدْ قلبي لخوف اسمك". ففي ضيقة النفس قد يتعرَّض المؤمن لتشتُّت الفكر وانقسام القلب، فيحاول الخروج من الأزمة بجهده الخاص دون جدوى. يقول الكتاب: "اسم الرب برج حصين، يركض إليه الصدِّيق ويتمنَّع" (الأمثال 10:18). وهنا أقول لقارئي العزيز: إن توحيد الله مبدأٌ حق لا غبار عليه ولا جدال فيه، وهو من الثوابت التي لا ينكرها عاقل. إنما توحيد قلبك لتستمتع برضاه، أمرٌ بالغ الأهمية لخلاص نفسك وحصولك على الحياة الأبدية.
يقدّم داود النبي لك ولي نموذجًا من تجارب اجتاز بها، وتجاوز محنها بلجوئه إلى برجٍ حصينٍ ما بعده من برج يحمي من يلجأ إليه. المسيح هو البرج الحصين، والحصن المنيع لمن يلجأ إليه، يحميه ويؤمِّن له الحياة الأبدية.

المجموعة: شباط (فبراير) 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

108 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578422