Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور صموئيل عبد الشهيدأريد في هذه الدراسة الموجزة أن ألقي بعض الأضواء، مهما كانت خافتة، على هذه العبارة التي ردّدها بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، الأصحاح السابع والعدد 31: "لأن هيئة هذا العالم تزول." ولكي نستوعب مضمون هذه العبارة علينا أن نشير إلى بعض الأعداد السابقة لهذه العبارة وعلاقتها بالظروف السائدة حينذاك.

كانت كنيسة كورنثوس قد وجهت إلى الرسول بولس مجموعة من الأسئلة التي نشأت عن الأوضاع الجديدة التي ألمّت بالكنيسة التي قام بتأسيسها. فمعظم أعضاء كنيسة كورنثوس كانوا من الأمم الذين تشرّبوا سابقًا بالطقوس الوثنية، والتقاليد والعادات التي كانت شائعة في أوساطهم الدينية والاجتماعية. ولكن بعد الإيمان، واختبار فداء المسيح برزت بعض المشكلات التي لم تكن قد تعرّضت لها الكنيسة في أورشليم التي كانت أغلبيّتها من اليهود؛ ومن جملة هذه المشكلات قضية الزوج أو الزوجة المؤمنة التي عرفت نعمة المسيح وما هو موقفها أو موقف زوجها من الإيمان.
هل يحق للطرف المؤمن أن يطلّق غير المؤمن؟
وماذا عن الزواج بالذات؟
أمن الأفضل أن يتزوج المرء أم لا؟
وكانت هذه الأسئلة وسواها تنطبق على كل من الرجل والمرأة.
ومع أنه كان لبولس نظرته الخاصة في مثل هذه المواضيع فإنه أكّد على بعض الأمور الهامة التي كانت تنسجم مع تعاليم الناموس ومع تعاليم المسيح بالذات، على نقيض ما يدّعيه بعض الدارسين أن هناك خلافًا ما بين مواقف المسيح ومواقف بولس.
إن كلًا منهما:
ندّد بالزنى وأدانه إدانة صريحة.
حظر من تعدّد الزوجات وأكّد على الزواج الأحادي.
رفض الطلاق إلا لعلّة الزنى وذلك على سبيل الإذن وليس على سبيل الأمر.
كانت إضافة بولس هو الإذن بالسماح للطرف المؤمن أن يتحرر من رباط الزواج إن قام الطرف غير المؤمن بهجر المؤمن هجرًا دائميًا. وهذا الإذن لم يشر إليه المسيح لأن المسيح في مجابهته للفريسيين كان يعالج موضوع الزواج والطلاق من وجهة نظر الناموس في حواره مع الفريسيين الذين سخّروا شريعة موسى لتلبّي رغباتهم الخاصة، وشوّهوها في تأويلاتهم على نقيض ما سنّه الله عند الخليقة. أما بولس الرسول فكان يخاطب الأمم الذين اعتنقوا المسيحية ولم يكونوا خاضعين للناموس.
بيد أن هذه القضايا ولا سيما ما يتعلّق بالزواج وعدمه كانت ترتبط بالظروف التي أحاطت بالكنيسة في ذلك الزمن - فمن الجلي أن الاضطهاد الذي تعرّضت له الكنيسة في أورشليم ومواقف الدولة الرومانية من أصحاب الدين الجديد قد خلقت ظروفًا عصيبة في حياة الكنيسة.
يقول بولس في نفس الأصحاح عدد 25-30: "وَلكِنَّنِي أُعْطِي رَأْيًا كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا. فَأَظُنُّ أَنَّ هذَا حَسَنٌ لِسَبَبِ الضِّيقِ الْحَاضِرِ، أَنَّهُ حَسَنٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ هكَذَا: أَنْتَ مُرْتَبِطٌ بِامْرَأَةٍ، فَلاَ تَطْلُبِ الانْفِصَالَ. أَنْتَ مُنْفَصِلٌ عَنِ امْرَأَةٍ، فَلاَ تَطْلُبِ امْرَأَةً. لكِنَّكَ وَإِنْ تَزَوَّجْتَ لَمْ تُخْطِئْ. وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْعَذْرَاءُ لَمْ تُخْطِئْ. وَلكِنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ يَكُونُ لَهُمْ ضِيقٌ فِي الْجَسَدِ... فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ لَهُمْ نِسَاءٌ كَأَنْ لَيْسَ لَهُمْ." والسبب في كل هذا: "لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ." والتعليل الذي اعتمده الرسول لهذه المواقف وارد في العدد 32 إذ قال: "فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلاَ هَمٍّ. غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ، وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ... وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَتَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ تُرْضِي رَجُلَهَا."
هنا ثلاثة أمور يجب أن نأخذها بعين الاعتبار في هذا التعليم هي:

أولًا: الظروف المحدقة بالكنيسة

فلسبب الضيق الحاضر، أي اضطهاد الكنيسة وتشرّدها وتشتّتها في أرجاء العالم، أضحت الحياة قاسية ومعقّدة لدى طائفة كبيرة من المؤمنين، فارتأى الرسول أن يوجّه أنظار المؤمنين إلى هذا الوضع المتردّي وإلى النتائج المترتبة على الارتباطات البشرية - لا فرق في ذلك إن كانت ارتباطات عائلية أو مالية - فإنها كلها تولّد في مثل هذه الظروف مشكلات لصاحبها هو في غنى عنها.

وثانيا: الوقت مقصر

إن الوقت مقصّر جدًا، والهدف الأول في حياة المؤمن المسيحي هو أن يرضي الله. لقد اعتقدت الكنيسة الأولى أن مجيء المسيح كان قريبًا جدًا، فكان عليها أن تستعدّ لهذا المجيء، ولا داعي، إذن، للمؤمنين المنتظرين مجيئه القريب أن يهتمّوا لشؤون الدنيا لأن هيئة هذا العالم تزول، ولن يبقى شيء. إن المنهمك في أمور العالم يهتمّ بالعالم وينشغل عن إرضاء الرب ولا سيّما أن الوقت مقصّر.

ثالثًا: بعل امرأة واحدة

إن بولس الرسول لم يتّخذ موقفًا متصلّبًا من الزواج، بل إننا نراه في رسالته إلى تيموثاوس يحثّ الأساقفة والرعاة أن يكون كلٌّ منهم بعل امرأة واحدة. ولكنه بفعل نظرته إلى الأوضاع الدينية من اضطهاد وضيق أراد أن يخفّف من هذه الارتباطات لأن بمجيء المسيح ثانية هيئة هذا العالم تزول ولا يجدر بهم أن يأسفوا على خسارة أي شيء. إن أمور الدنيا باطلة ولن تدوم، ولكن ما هو باقٍ هو إرضاء الله، والنزول عند إرادته ومشيئته.
وأنا أريد أن نستخلص معًا درسًا أو اثنين من عبارتي "لأن هيئة هذا العالم تزول؛" ومن قوله أيضًا "إن الوقت مقصّر" جدًا.
إن عبارة "لأن هيئة هذا العالم تزول" حقيقة كتابية يدركها كل مؤمن مطّلع على تعاليم الكتاب المقدس، وما علينا إلا أن نرجع إلى سفر الرؤيا الأصحاح الحادي والعشرين عندما يقول يوحنا في العدد الأول منه: "ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ."
إن هيئة هذا العالم الشرير لا بدّ أن تزول لكي تحلّ محلّها هيئة عالم جديدة طاهرة من كل خطيئة، ودنس، وعيب يكون ملكها هو الرب يسوع المسيح. لهذا فإن أشواق الإنسان وأحلامه وإيمانه يجب أن تكون مرتبطة بهذا العالم الجديد الباقي، لأن عالمنا الذي نعيش فيه الآن، مهما طال، هو عالم فانٍ، ولن يبقى منه أي أثرٍ. إن ملكوت الله هو ملكوت مقدس يختلف عن عالمنا الناقص. ولكن علينا أن نتذكّر أن أهل هذا الملكوت هم المفديّون الذين كُتبت أسماؤهم في سفر الحياة.
أما عبارة "إن الوقت مقصّر" فإنها ترتبط بمجيء المسيح الثاني. ويدعو الرسول هنا المؤمنين في زمانه كما يدعونا الآن أن نبذل كل جهد لإرضاء الله ولا سيما في تنفيذ إرساليته العظمى "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها."
الوقت قصير، فعلينا كمؤمنين أن نجاهد في نشر كلمة الخلاص، ونحن مسؤولون عن ذلك، فلا يجدر بنا أن نكون كالحراس النائمين، أو الجنود الغافلين. إن مشعل الحرية هو من حق كل إنسان أن يتمتّع به، ولكن علينا أن نكافح في المحافظة عليه ليظلّ مضيئًا في جميع أرجاء العالم. هذه مسؤولية كبرى علينا إنجازها لأن الوقت مقصّر جدًا. فإن كان الوقت مقصّر في عصر الكنيسة الأولى فكم بالأحرى في عصرنا نحن؟ لأن ألف سنة كيوم واحد في عينيّ الرب.
وأخيرًا، أقول لغير المؤمنين الذين لم يعرفوا الرب بعد، هوذا الآن وقت مقبول، هوذا اليوم يوم خلاص. لا تجعل أمور الدنيا تشغلك عن إرضاء الرب أولًا، أو تعرقل حياتك الروحية، لأن الوقت مقصّر جدًا، ومجيء المسيح بات على الأبواب، ولك الخيار في أن تؤمن بوعد الله، أو تنكره فيفاجئك يوم الدينونة على حين غرّةٍ.

المجموعة: شباط (فبراير) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

251 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475055