"لا تضلوا! الله لا يُشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا." (غلاطية 7:6)
هذه حقيقة أكيدة وتنطبق على الفرد وعلى الأسرة وعلى كل مجتمع، بل على الجنس البشري كله.
أما من جهة الفرد فانظر إلى ما حدث لفرعون مصر في أيام موسى. "دَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ وَقَالاَ لِفِرْعَوْنَ:
«هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيُعَيِّدُوا لِي فِي الْبَرِّيَّةِ». فَقَالَ فِرْعَوْنُ: «مَنْ هُوَ الرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لاَ أَعْرِفُ الرَّبَّ، وَإِسْرَائِيلَ لاَ أُطْلِقُهُ»." (خروج 1:5-2) وبالرغم من كل الضربات التي أوقعها الرب عليه وعلى مصر، حتى أن حكماءه قالوا له: "ألم تعلم بعد أن مصر قد خربت؟" (خروج 7:10) إلا أنه لم يذعن لكلام الرب. فكانت النتيجة أن "مركبات فرعون وجيشه ألقاهما (الرب) في البحر." (خروج 4:15) حقًا "من تصلّب عليه فسَلِم؟" (أيوب 4:9)
ومن جهة الأسرة لنا مثال خطير في تاريخ عالي الكاهن وابنيه اللذَين استهانا بأوامر الرب فقضى الرب عليه وعلى ابنيه في يوم واحد (1صموئيل 27:2-34)، وأعلن الرب قضاءه على الأسرة كلها؛ وهذا تم حين قتل شاول كهنة الرب خمسة وثمانين رجلاً (1صموئيل 22).
ومن جهة المجتمع، لا شك أن معظم القراء يعرفون ما حدث لمجتمع كان ناجحًا ومغريًا من الناحية المادية، وهو مجتمع سدوم وعمورة التي رآها لوط وإذا هي "كجنة الرب، كأرض مصر." (تكوين 10:13) ولكن كان أهلها "أشرارًا وخطاة لدى الرب جدًا." (عدد 13) حتى أنه لم يوجد فيها كلها عشرة رجال أبرار (تكوين 32:18) فدمّرها الرب بنار وكبريت من السماء (تكوين 19). كل هذه دُوّنت لنا في الكتاب المقدس لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور، لكي يعلمنا مخافة الرب. وحقًا "من مثله معلمًا؟" (أيوب 22:36)
والآن نأتي إلى هدفنا الأساسي وهو المتعلق بالدول التي دُعي عليها اسم الرب:
أولاً، بنو إسرائيل قديمًا: أخرجهم الرب من عبودية مصر، وجعلهم شهودًا له. بل قال عنهم "إسرائيل ابني البكر." أحسن إليهم إحسانات كثيرة، ووعدهم ببركات عظيمة إذا أطاعوه، وأنذرهم بعقاب شديد إذا عصَوه. كل هذا مدوّن لنا في أسفار موسى الخمسة وخصوصًا في لاويين 26 وتثنية 28، التي يجب أن نفكر فيها جديًا. كم من المرات أنذرهم موسى بخطورة العصيان، ولكنهم ارتكبوا نفس الرجاسات التي ارتكبتها الشعوب التي كانت قبلهم. قال لهم موسى عن فم الرب: "لأن جميع هذه الرجاسات قد عملها أهل الأرض الذين قبلكم فتنجست الأرض. فلا تقذفكم الأرض بتنجيسكم إياها كما قذفت الشعوب الذين قبلكم." (لاويين 27:18-28) إنها إنذارات تجعل الإنسان العاقل يقشعرّ من فظاعتها، ولكنها تمّت حرفيًا في تاريخ بني إسرائيل.
بعد موسى جاء يشوع بن نون الذي أدخل الشعب أرض كنعان وقسم لهم الأرض. هو أيضًا أنذرهم في خطابه الأخير فقال: "وَإِذَا تَرَكْتُمُ الرَّبَّ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً يَرْجعُ فَيُسِيءُ إِلَيْكُمْ وَيُفْنِيكُمْ بَعْدَ أَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ." (يشوع 20:24) ولكنهم بعد موت يشوع تركوا الرب وعبدوا آلهة أخرى "فحمي غضب الرب على إسرائيل" فدفعهم ليد أعدائهم (قضاة 8:2-14)، وأرسل الرب لهم أنبياء كثيرين ولكنهم كانوا يرتدّون كثيرًا عن الرب. ولنقتبس الآن بعض ما جاء في الأنبياء:
إشعياء النبي: أرجو أن تقرأ الأصحاح الأول الذي فيه وصفٌ رهيب لما حدث لهذه الأمة التي أحسن إليها الرب إحسانات كثيرة. في عدد 7 يقول: "بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ." كانوا لا زالوا يقومون بطقوس وفرائض دينية ولكنهم في نفس الوقت "يزدادون زيغانًا." لذلك قال لهم الرب: "لست أطيق الإثم والاعتكاف." (عدد 13) ألا ينطبق هذا الوصف على المسيحية الاسمية في أيامنا هذه؟ ولكن الرب كان لا زال يدعو الشعب للتوبة. فقال لهم: "هلم نتحاجج، يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج. إن كانت حمراء كالدوديّ تصير كالصوف." (عدد 18)
إرميا النبي: استمرّ الشعب في عناده وضلاله إلى أيام إرميا النبي، الذي كان يصلي لأجلهم، ولكن الرب قال له: "وأنت فلا تصلِّ لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة، ولا تلحّ عليّ لأني لا أسمعك." (إرميا 16:7) ويتكرر هذا في إرميا 14:11 و11:14.
حزقيال: تنبّأ حزقيال أثناء الأسر البابلي، وكان يعظ وينذر الشعب. وكانوا يأتون إليه ليسمعوا ما قاله له الرب. فقال الرب لحزقيال عنهم: "ويأتون إليك... ويجلسون أمامك كشعبي، ويسمعون كلامك ولا يعملون به، لأنهم بأفواههم يظهرون أشواقًا وقلبهم ذاهب وراء كسبهم." (حزقيال 31:33-32) كلام لا يحتاج إلى تعليق، ويصف الكثيرين من الذين يقولون إنهم مسيحيون. ولكن الرب لا يُخدع بالمظاهر. ولذلك قال لهم أنه سيأتي بأشرّ الأمم فيرثون بيوتهم (حزقيال 24:7). وهذا تمّ فعلاً إذ جاء الوقت الذي فيه تشتّتوا في كل العالم واحتلّ آخرون بلادهم. أوليس هذا ما يحدث في العالم الغربي في أيامنا هذه كما سنرى. حقًا "بتأديبات إن أدّبت الإنسان من أجل إثمه، أفنيت مثل العثِّ مشتهاه." (مزمور 11:39)
والآن سنرى ماذا قال حبقوق: كان حبقوق يصرخ للرب متألمًا بسبب ما يراه من ظلم وإثم منتشر بين الشعب. وهذا مثلما نراه الآن في العالم "المسيحي إسميًا". وقال للرب أن كل ما يراه هو الظلم والاغتصاب والخصام (انظر حبقوق 1). وبدا له كأن الرب لا يتهم. لذلك قال للرب: "حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟ أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلِّص؟" وكأن الشريعة أصبحت بلا فائدة وغير فعّالة. وليس هناك حكم، أو إذا حدث الحكم فإنه "يخرج معوجًّا." فأجابه الرب، ولكن جواب الرب زاد في دهشته. قال له الرب: "إني عاملٌ عملاً في أيامكم لا تصدقون به إن أُخبر به." أتعلم أيها القارئ العزيز ما هو هذا العمل؟ إن لنا فيه درسًا رهيبًا، قال الرب: "فهأنذا مقيم الكلدانيين الأمة المرة القاحمة السالكة في رحاب الأرض لتملك مساكن ليست لها. هي هائلة ومخوفة... يأتون كلهم للظلم... هذه قوتها إلهها."
اندهش حبقوق جدًا لأن الرب قرر أن يعاقب شعبه بمن هم أشرّ منهم. وما أرهب الوصف الذي وصف به الكلدانيين، وكل هذا كُتب لفائدتنا، وهو كلام لا يحتاج إلى تفسير.
تعليق: اختار الله بني إسرائيل قديمًا ليكونوا شهوده على هذه الأرض، وباركهم ومنحهم امتيازات كثيرة، وكان يعطيهم الانتصار على أعدائهم طالما كانوا يطيعونه، ولكنهم فشلوا مرارًا كثيرة، وأخيرًا اكتمل ارتدادهم حين رفضوا الرب يسوع المسيح. ولكن الله لا يترك نفسه بلا شاهد. ولذلك لما كان رفضهم له واضحًا في إنجيل متى 12، إذ اتهموه بأن معجزاته كانت بقوة شيطانية وبذلك جدّفوا على الروح القدس، تكلم الرب في متى 13 عن أسرار ملكوت السماوات. وهذا ينطبق على المسيحية عامة بما فيها من مؤمنين حقيقيين، وغير مؤمنين، وأخبر عن التدهور الذي يصيبها، حتى صارت مثل شبكة ألقيت في البحر وجمعت سمكًا جيدًا وسمكًا رديئًا. وحين يؤخذ منها المؤمنون تصير "مسكنًا لشياطين، ومحرسًا لكل روحٍ نجس، ومحرسًا لكل طائر نجس وممقوت." (رؤيا 2:18) إن الشعوب تنظر إلى العالم الغربي، أي غرب أوربا، وأمريكا الشمالية خصوصًا بأنها المسيحية. ولذلك مسؤوليتها خطيرة جدًا. ولكن المسيحية الاسمية أصبحت غارقة في الشر والفساد والتجديف. ولذلك يوقع الله عليها تأديبات مريرة حتى أن الناس يعيشون في خوف مستمرّ. وها نحن نرى بأعيننا أن ما حدث لإسرائيل قديمًا يحدث الآن أمام عيوننا في العالم الغربي. حقًا، "مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي!" (عبرانيين 31:10) من الواضح أنه هناك تغيير جذري في صفات مجتمعنا منذ النصف الثاني للقرن الماضي (أي العشرين) إلى الآن. أين النهضات الروحية التي اتصف بها القرن التاسع عشر، والتي استمر تأثيرها لحدٍّ ما في النصف الأول للقرن العشرين؟ فهناك بكل تأكيد تدهور تدريجي من الناحية الخلقية والروحية. وهذا التدهور يزداد في سرعته في القرن الحادي والعشرين.
إن نهاية كل شيء قد اقتربت، فعلينا نحن المؤمنين أن نصحو للصلوات، وأن نكون نشطين في عمل الرب، في التبشير وبنيان المؤمنين. علينا أن نحيا حياة القداسة لكي يستخدمنا الرب في خلاص النفوس. وألا نتكل على قوتنا أو شجاعتنا، بل على قوة الرب الذي قال: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر." (متى 20:28) ولنتذكر أنه "مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي." لذلك يقول: "تواضعوا تحت يدي الله الحي فيرفعكم في حينه."