Voice of Preaching the Gospel

vopg

القس بسام بنورة"إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تلاَمِيذِي وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ." (يوحنا 31:8-32)
أذكر أنه في سنة 1984، حضر القس اللبناني موريس جرجس إلى مدينة بيت ساحور في فلسطين، ووعظ لعدة ليالٍ في قاعة الاتحاد النسائي. وفي كل ليلة كانت القاعة تمتلئ بالحضور، وكثيرون رفعوا أيديهم، وصلّوا، وأعلنوا إيمانهم بالرّب يسوع المسيح، وقبلوه ربًّا ومخلّصًا لحياتهم.

واليوم لو سألنا أهل بيت ساحور: أين هم أولئك الذين قبلوا المسيح يومها، فإننا سنجد أن عددًا أقل من أصابع اليد ما زال يتبع الرّب يسوع. إذًا، ليس كل من يقول: "إني آمنت،" قد آمن بالفعل. فهناك فرق كبير بين العواطف والمشاعر، وبين الإيمان الحقيقي الذي ترافقه تلمذة حقيقية.
مثل أوتار الجيتار: تصوّروا أن لدي أوتارًا كثيرة، بينما جيتاري لا أوتار عليه. يجب أن أضع الأوتار في محلها لسماع الموسيقى. فما دامت الأوتار في جيبي، فإنها لا تعطي صوتًا ولا تنفع لشيء. صحيح إنها أوتار، لكنها غير مربوطة وغير مشدودة، ولذلك لا فائدة منها لعازف الجيتار. فقط عندما أربطها بالجيتار، تؤدي دورها، فتصدر عنها الألحان الحلوة والشجية.
نجد في الآية 30 أن كثيرين قد آمنوا بالرّب يسوع. والواقع إنه يوجد في بلادنا، بل في كل العالم، كثيرون يقولون بأنهم يؤمنون بالرّب يسوع المسيح، ويطلقون على أنفسهم اسم مسيحيين، وربما يزداد عددهم في الأيام والسنين القادمة. والسؤال هو: هل هم فعلًا مؤمنون بشخصه القدوس؟ هل هم مسيحيون قولًا وفعلًا؟ وهل اختبروا الخلاص وحصلوا على الحياة الأبدية. للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نستمع بخشوع لكلمات رب المجد يسوع في يوحنا 31:8 حين خاطب اليهود الذين آمنوا به: "إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تلاَمِيذِي."
الوعد: تكونون تلاميذي. والشرط: إن ثبتم في كلامي. فالوعد مشروط: التلميذ هو من يثبت في كلام الرّب يسوع. فإن كنا لا نقرأ كلمة الرّب، ولا نفهمها، ولا نتأمل فيها، ولا نطبّقها على حياتنا اليومية، لا يحق لنا أن ندّعي الإيمان، وبالتالي فنحن لسنا تلاميذ للرّب يسوع المسيح. وإيماننا مجرد عاطفة أو موقف عقلي لا علاقة له بالحياة اليومية الواقعية.
إن ثبتم في كلامي: فالقضية ليست معرفة الكلام، بل الثبات فيه، أي السلوك بموجبه.
والسؤال الخطير: لماذا لا يريد النّاس الثبات في كلام الرّب يسوع؟ ولماذا يرفضون أن يكونوا تلاميذًا له؟ الجواب بسيط: لأنهم يخادعون أنفسهم. يظنون أنهم يريدون أن يتمتعوا بحياتهم ويتحرّروا من المسؤولية؛ غير عالمين أن حريتهم هي العبودية بعينها لأشكال كثيرة جدًا من الشر والخطيّة.
لا يريد الرّب مؤمنين اسميين. لا يريد مؤمنين في الهويّة، بل يريد تلاميذ حقيقيين لشخصه القدوس. ومن أكبر المشاكل التي تواجه المسيحيين في بلادنا والعالم، أن الكثيرين منهم يعلنون بألسنتهم أنهم مسيحيون، ولكنهم في الواقع ليسوا تلاميذ الرّب يسوع.
الرّب يعلن هنا وبقوة ووضوح أنه يريد أشخاصًا ثابتين فيه وفي تعاليمه ويعيشونها. الرّب يريد تلامذة لشخصه القدوس. نقرأ في مزمور 8:25-9 "الرّب صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ لِذَلِكَ يُعَلِّمُ الْخُطَاةَ الطَّرِيقَ. يُدَرِّبُ الْوُدَعَاءَ فِي الْحَقِّ وَيُعَلِّمُ الْوُدَعَاءَ طُرُقَهُ." وفي أمثال 1:2-5 "يَا ابْنِي إِنْ قَبِلْتَ كَلاَمِي وَخَبَّأْتَ وَصَايَايَ عِنْدَكَ حَتَّى تُمِيلَ أُذْنَكَ إِلَى الْحِكْمَةِ وَتُعَطِّفَ قَلْبَكَ عَلَى الْفَهْمِ إِنْ دَعَوْتَ الْمَعْرِفَةَ وَرَفَعْتَ صَوْتَكَ إِلَى الْفَهْمِ إِنْ طَلَبْتَهَا كَالْفِضَّةِ وَبَحَثْتَ عَنْهَا كَالْكُنُوزِ فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُ مَخَافَةَ الرّب وَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ."
فالقضية ليست أن نعرف حقائق عن الرّب يسوع، أو نعرف آيات وقصص من الكتاب المقدس. القضية هي أسلوب ونمط حياة، أي حياة التلميذ الحقيقي الذي يتبع معلمه في كل لحظة وكل مكان. نقرأ في مزمور 45:119 "وَأَتَمَشَّى فِي رُحْبٍ لأَنِّي طَلَبْتُ وَصَايَاكَ." إن المعرفة العقليّة بدون اتباع يوميٍّ للرّب، هي خداع للنفس وخطر كبير. نقرأ في 2تيموثاوس عن نساءٍ شريرات عشن في الخطيّة، لكنهن في نفس الوقت "يَتَعَلَّمْنَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلاَ يَسْتَطِعْنَ أَنْ يُقْبِلْنَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أَبَدًا." (7:3) فالتعلم شيء، ومعرفة الحق والحياة به شيء آخر.
مثل من أشجار بلادنا: نرى أحيانًا شجرة كبيرة ومثمرة، ولكن نلاحظ فيها غصنًا جافًا. الغصن هو جزء من الشجرة لكنه ميت بلا حياة ولا ثمر. هكذا حال من يقول إنه من عائلة مسيحية أو ينتمي إلى طائفة مسيحية، لكن حياته هي بلا ثمر، فهو في الواقع ميت ولا يصلح لشيء.
نطق الرّب يسوع بمثل الكرمة الحقيقية: "اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا." (يوحنا 1:15-11)
فالقضية ليست إعلان إيمان لفظي، أو انتماء لأسرة مسيحية، أو معمودية، أو احتفال بعيد أو مناسبة مسيحية. فهذه الأمور لا تجعلك مسيحيًا أو تلميذًا. القضية كما قال الرّب يسوع هنا في يوحنا 31:8 هي الثبات في كلام الرّب. فلا يكفي أن نتعلم الكلام أو نحفظه ونردده. القضية هي الثبات حتى نستحق لقب تلاميذ الرّب.
الثبات يعني أن نجعل من الإنجيل دافعًا ومرشدًا لحياتنا اليومية، أي أن نطبق ما نتعلمه من الرّب دائمًا. وعندها فقط نتحرر من قيود الخطيّة، وقيود الشر، وقيود خداع النفس، وقيود المسيحية الإسمية التقليدية. عندها فقط نعرف الحق ونتحرر حقًّا كما قال في الآية 32 "وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ."
مثال توضيحي: عند نهاية الحرب العالمية الثانية. سمع جندي روسي أسير من خلال راديو صغير بهزيمة الجيش الألماني. فأخبر جميع الجنود الروس الأسرى معه، فهتفوا فرحين. لكنهم تحرّروا من السجن بعد ثلاثة أيام، أي حين عرف الحراس بهزيمة جيشهم فهربوا وتركوا بلا رقيب.
وبكلمات أخرى: فمع أننا لم نتحرر حقًا من ظلمة وقيود هذا العالم. وأننا ظاهريًا مظلومون وملاحقون ومضطهدون. لكننا نستطيع أن نفرح الآن ونتعزّى لأن الخبر قد وصلنا. وهو خبر يقين: لقد انتصر الرّب. ويومًا ما سنتمتع بحرية كاملة معه في ملكوت السماوات. مع أننا الآن تحت قيود كثيرة يفرضها علينا الأشرار والقتلة والمتدينين، لكنهم بالحقيقة مهزومون، ونحن بربنا يسوع منتصرون.
لنلاحظ كلمات الرّب ثانيةً: "وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ." إن معرفة الحق تحرّر أتباع الرّب يسوع المسيح وتلاميذه الحقيقيين.
الحق: هو الرّب يسوع شخصيًا. الحق هو الله، وكلامه ومشيئته. فمعرفة الرّب يسوع، وكلماته ومشيئته تحررنا من أشياء كثيرة في عالم اليوم: تحررنا من الخطيّة بأشكالها وألوانها. وتحررنا من الشّيطان، والتعاليم المنحرفة، والعادات، والطقوس، والدّيانات والأوهام الباطلة، وكل ما لا يمجد الله في حياتنا.
اسأل نفسك: هل أنا حر؟ هل أتمتّع حقًا بالحرية. قد يقول البعض: لكننا أقلية مسيحية في الشّرق، وتحت احتلال سياسي واقتصادي وديني وثقافي، وتحت عبودية من لا يؤمنون بالإنجيل. جواب مثل هذا يؤدّي إلى التشتت والضّياع. فالرّب يسوع هنا لا يتحدث عن هذا النوع من الحرية، ولذلك يجب أن نفهم مقاصد الرّب، ولا نكون كاليهود في أيام المسيح الذين فسروا كلماته بشكل غير صحيح.
انظر إلى إجابة اليهود عندما كلمهم الرّب عن الحرية في الآية 33 "إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ نُسْتَعْبَدْ لأَحَدٍ قَطُّ." نجد في قولهم هنا أمرين هامين:
1. قولهم إننا ذرية إبراهيم.
2. ولم نُستعبد لأحد قط.
كان قولهم بأنهم ذرية إبراهيم في الجسد قولًا صحيحًا، ولكن أن يكون الإنسان من نسل إبراهيم لا يعني أبدًا أن هذا الإنسان مؤمن مثل إبراهيم، أو حرًا مثله.
إذا عدنا إلى سفر عزرا 9:9 نجده يقول بصراحة: "لأَنَّنَا عَبِيدٌ نَحْنُ وَفِي عُبُودِيَّتِنَا لَمْ يَتْرُكْنَا إِلَهُنَا بَلْ بَسَطَ عَلَيْنَا رَحْمَةً." فالتاريخ والواقع يثبتان أن ذرية إبراهيم استُعبدوا كثيرًا: فأولًا استُعبدوا 400 سنة في مصر. ثم استُعبدوا 70 سنة في السبي البابلي. ثم استُعبدوا للاستعمار اليوناني في أيام الإسكندر المقدوني والقادة العسكريين الذين ورثوا حكمه. ثم استُعبدوا للإمبراطورية الرومانية لفترة طويلة جدًا. وفي اللحظة التي قال فيها اليهود: "لَمْ نُسْتَعْبَدْ لأَحَدٍ قَطُّ." كانوا يرزحون تحت الاحتلال الروماني، ومع ذلك تبجَّحوا وأنكروا حقائق الحياة والتاريخ. وهذه مشكلتهم: ادعاءاتٌ باطلة وتزييف للحقائق وطمسها.
التاريخ لم يتغير، والحياة تكرر نفسها بشكل مأساوي. لقد تفاخر اليهود بأبيهم إبراهيم وبأنهم لم يستعبدوا لأحد قط. فالكبرياء الروحي يعمي النّاس ويقودهم إلى شرور كثيرة: نقرأ في أمثال 18:16 "قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ." وفي رسالة رومية 3:12 "فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ."
العبودية ظلمة وشر. وخداع النفس والكبرياء يبعد الإنسان عن الحق. لذلك لا تفتخر بالشكليات، تعال إلى الحرية الحقيقية في شخص الرّب يسوع الذي قال: "كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخطيّة هُوَ عَبْدٌ لِلْخطيّة."
لا أعرف خطيتكَ، ولكن هل أنت حر أم مستعبد لخطيّة متمكنة في حياتك؟ وما أكثر أشكال الخطيّة مثل محبّة الذات، والمال، والجنس، والكسل، والثرثرة، واستغابة النّاس، والطمع.
دعونا نتحرر بالتوبة، وطلب الغفران والتطهير بدم الرّب يسوع المسيح، ونكون تلامذة حقيقيين لشخص الرّب القدّوس.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

82 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10554934