أساس الإنجيل في التكوين وبُعد العِلم الحديث - أُخبرتُ في أحد الأيام الخوالي عن أحد الأشخاص أنه يتكلَّم فقط كمؤمنٍ بالإنجيل وبالربّ يسوع المسيح، لكنه لا يؤمن بالتكوين كأساسٍ تاريخي ولا يأخذه مرجعًا كتابيًا في الإيمان. سُئل هذا الرجل عن البراهين التي تدعم فكرته: ألا أساس للإنجيل في سفر التكوين؟
فلم يستطع عندها الردّ أو التوضيح. في حقيقة الأمر، لا شكّ أنه توجد روابط تاريخية وثيقة بين تعليم الإنجيل وإعلانات سفر التكوين، وإليكم تفاصيلها باختصار.
إن طريق الخلاص الذي أعدَّه الرب للذين يؤمنون بشخصه مُعلَنة في رسالة رومية، وواضحة لكل إنسانٍ يريد النجاة من الدينونة الإلهية العتيدة. هناك خطوات جليَّة يسلكها الإنسان، وكل خطوةٍ ضرورية للحصول على النعمة مُرتبطة بفكرتها وعقيدتها في سفر التكوين.
في المرحلة الأولى
هناك إعلان إلهي للإنسان عن الخطيئة: "إِذِ الجميع أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ الله." (رومية 23:3) لكن، ما هي الخطيئة؟ بكل بساطة، الخطيئة هي التعدِّي أو كسر وصايا الله المقدَّسة. وهذه هي الوصيَّة الأولى لآدم وحوّاء في جنَّة عدن: "وَأَمَّا ثَمَرُ الشجرة التي فِي وَسَطِ الجنة فَقَالَ الله: لَا تَأْكُلَا مِنْهُ وَلَا تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا." (تكوين 3:3)
في المرحلة الثانية
نرى نتائج الخطيئة وبركات الطاعة: "لِأَنَّ أُجْرَةَ الخطية هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ الله فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بالمسيح يَسُوعَ رَبِّنَا." (رومية 23:6) الموت يعني الانفصال، ويشمل انفصال النفس والروح والشخصية عن الله. بالطبع، الأصحاح الثالث من سفر التكوين يُشير إلى أصل الموت عندما تمرَّد الإنسان الأول على وصية الله فكانت النتيجة الانفصال والموت. يعتقد الكثيرون في هذا العالم بتطوُّر الإنسان عبر العصور من خلائق حيوانية أقلُّ ذكاء وبالتالي لا يتحمَّلون أيّ تبعاتٍ معنوية أو أخلاقية تتعلَّق بالسقوط في الخطيئة. أما الكتاب المقدَّس فهو واضحٌ جدًّا لجهة مسؤولية الإنسان – كل إنسان – تجاه الله منذ السقوط الأول في التعدّي والعصيان.
في المرحلة الثالثة
هناك أخبارٌ سارّة بالرغم من هذا الجوّ المرعب والمشؤوم. يقول الكتاب: "ولَكِنَّ الله بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لِأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ المسيح لِأَجْلِنَا." (رومية 8:5) هذه الكلمات تؤكِّد أنه بالرغم من أن خطايا الإنسان نتيجتها الموت الحتميّ، أرسل الله ابنه الوحيد لكي يُخلِّص البشرية. تأكّد هذا الوعد في سفر التكوين بالقول المأثور: "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ المرأة، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ." (تكوين 15:3) لا شكّ أن حياة المسيح وموته وقيامته أمَّنت الوسيلة الناجعة للخلاص من الدينونة والعدل الإلهي. ويبقى الربّ إذًا فلك النجاة للإنسان السّالك في الخطيئة وفي ظلمةِ هذا العالم، فهو مَن دفع دين الخطيئة بموته وأعطى التبرير للمؤمنين بقيامته المجيدة.
في المرحلة الرابعة والأخيرة
ينتظر الرب موقف الإنسان من المبادرة الإلهية. يستطيع الربّ يسوع المسيح أن يُخلِّص كل الذين يتقدَّمون إليه بالإيمان: "لِأَنَّكَ إِنِ اعترفت بِفَمِكَ بالرب يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ الله أَقَامَهُ مِنَ الأموات، خَلَصْتَ. لِأَنَّ القلب يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، والفم يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلَاصِ." (رومية 9:10-10) كيف عرفنا فوائد الإيمان هذا، أليس من سفر التكوين في معرض الكلام عن إبراهيم أبِي المؤمنين؟ "فَآمَنَ بالرب فَحَسِبَهُ لَهُ بِرًّا." (تكوين 6:15) وقد ورد تأكيده أيضًا في رسالة رومية: "لِأَنَّهُ مَاذَا يَقُولُ الكتاب؟ فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بالله فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا." (رومية 3:4)
إذًا نرى مما تقدّم أن الإعلانات الإلهية المتعلِّقة بالسقوط ونتائجه إنما هي في صُلبِ قصد الله للخلاص بالنعمة والإيمان. إن مجد الله، والقانون الإلهي، وخطيئة الإنسان في السقوط، وإعلان النجاة من الموت الحتميّ بالإيمان في عمل المسيح الكفَّاري يُظهر بوضوحٍ جليّ مدى الارتباط الوثيق بين رسالة الإنجيل وسفر التكوين. بذلك لا أجدُ عذرًا على الإطلاق لمن يؤمن بالعهد الجديد فقط أن لديه الثقة بأنه قد أصبح مؤمنًا بكل الكتاب، لأن الوحي الإلهي يقول: