Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبيحالَ وصولِه إلى المعسكر المعروف في اليابان، دخل الضابط الشاب متأبِّطًا حقيبة سوداء، وراح ينظرُ بين المساجين والأسرى الموقوفين من اليابانيين علّه يرى بأم عينه ذلك الشخص الذي مرمر عليه حياتَه ونغَّص عليه عيشه وتركه فريسةً للأوهام والعفاريت لتنهشه في نومه وتقضّ عليه مضجعه من جراء الكوابيس التي تسيطر على أفكاره وكيانه كله.

لكنه لم يجده بين الجنود الأسرى الذين صاروا في قبضة الضباط الأمريكيين المنتصرين آنذاك، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
فركض إليه المسؤول الكبير في المعسكر بعد تأدية التحية له وقال: هل لي أن أساعدك بشيء ما يا سيدي الضابط البطل لُوي؟ ردَّ التحية إليه شاكرًا وسأله عن الشخص الملقب بـ العصفور The Bird قائلًا: أين هو العصفور؟ إني لا أجده بين هؤلاء الأسرى؟ هل مات؟ هل قتل؟ قال المسؤول: كلا، لم يمت لكنه اختفى ولم يعد له أثر. لكنني أعدك بأنه حالما تقع أيادينا عليه، سأجلبه إليك بنفسي كيما تقتص منه اقتصاصًا وتشفي غليلك. أما لُوي فنظر إليه نظرةً غريبة لم يفقهْ كنهَها مسؤولُ المعسكر الأمريكي. ثم حيّاه من بعدها مودِّعًا وخرج.
كان هذا هو لُوي زامپيريني Louis Zampirini بطل الحرب المفقود لفترةٍ دامت أكثر من سنتَيْن بسبب اعتقاله في معسكرٍ للتعذيب حيث قام اليابانيون بأسرِ الجنود الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية. لكن، حين انتهت الحرب وأُطلق سراحُ المعتقلين تَرك لُوي اليابان عائدًا إلى لوس أنجلوس - كاليفورنيا حيث تقيم عائلتُه وأهله المتحدِّرون من أصلٍ إيطالي. وعلى باب البيت تمَّ اللقاء المؤثر بينه وبين أفراد العائلة وخاصةً والديه اللَّذَين بَكَيا حين رأياهُ إذ كانا قد فقدا الأمل في عودته خاصةً بعد أن دفعت الحكومةُ الأمريكية عشرةَ آلاف دولار تعويضًا لخَسارته كفردٍ حينذاك. أما الآن فقد عمَّت الفرحةُ البيت كلَّه واحتفلت العائلة برجوعه سالمًا معافى. على الأقل، هذا ما كان يُظنّ.
لم تكَدْ تمضي على وجوده بين أفراد أسرته أيامٌ معدودة حتى بدأت علائمُ غريبة تظهرُ على تصرفات لُوي. حاولت والدته مساعدته بتوفير وسائل الراحة له في البيت وإعداد الطعام الشهي الذي كان يحبه، إلا أنه كان يحب الوحدة والانعزال عن الجميع داخل غرفته بعيدًا عن العجيج والضجيج. استغربتِ العائلة تصرفاته تلك فنصحوه بأخذِ فترة للراحة والترفيه عن النفس بعيدًا عن كل ما يقلقه ويزعجه. فذهب إلى فلوريدا وبقي هناك فترة لا بأس بها علَّه ينسى ما مرَّ به من تعذيب وتجريح للجسد والنفس. وهناك قريبًا من شاطئ البحر الدافئ، التقى فتاةً صبية اسمها سينثيا آپل وايت Cynthia Applewhite لفتت نظره بجمالها الساحر وشخصيتها المَرِحة. عرفتْه سينثيا للحال فقالت: ألستَ أنت لُوي زامپيريني بطل الأولمبيات المعروف وكذلك البطل العائد من الحرب؟ أجابها: نعم، وهو يتأمل بعينيها الزرقاوين. وبعد أن تعارفا وتآلفا وقعا في الحب. ولم يمضِ أسبوع واحد على لقائهما حتى طلب يدها للزواج. عندها قالت له: أريد أن أصلي أولًا. قال لها: ولِمَن تصلّين؟ قالت: لله لكي يمُنَّ عليّ بالإرشاد. فضحك ساخرًا منها! أما هي فكانت جادةً فيما قالته. وبعد ساعات قليلة وافقت سينثيا على الزواج به. فأتت معه إلى لوس أنجلوس حيث تمَّ عقدُ قرانهما بين أفراد العائلة والأصدقاء.
لكن لم يكن دربُ الحياة الزوجية سهلًا البتة إذ بدأت سينثيا تستغرب من استيقاظه المفاجئ خلال الليل وكأنَّه رأى عفريتًا في نومه أو كأنه تعرّض لأزمة قلبية حادة سرعان ما ستودي بحياته من جراء التنفس العميق والتعرُّق الزائد. فكانت تحاول تهدئته بيديها الحانيتين وحبِّها المتدفّق نحوه. لكنَّ الأمر ازداد سوءًا مع الأيام والشهور التي تلت. واتّجه إلى المسكر ظنًا منه أنَّه الحلُّ الوحيد لكي ينسى عذابه ومعذِّبيه في سنتي الأسر. لكن أنّى لكأس الخمر بأن تجتثّ تلك الذكريات المرعبة من داخل كيانه! حقد على معذِّبيه، وأراد الانتقام لنفسه ولأصدقائه الذين ماتوا تحت التعذيب. فاتفق مع أحد رفاقه على شراء سلاح وتذكرة طائرة للرجوع إلى اليابان، والاقتصاص من "العصفور" الذي عانى على يديه الكثير. وحين عرفت سينثيا بالأمر، واجهته بالحقيقة لكنَّه وإذ كان ثَمِلًا صفَعها على وجهها وخرج من البيت. فتوجَّهت إلى أخيه الأكبر عساه يستطيع إقناعه فيتوقّف عن السعي للانتقام والعودة إلى اليابان من أجل تنفيذ المهمة. فما لبث أن ضربه هو الآخر ولَكَمه. عندها صرَّحتْ له سينثيا بأنَّها حامل وتريده أن يذهب إلى الطبيب النفساني علَّه يجد عنده حلًا لمشاكله تلك وإلا فإنَّها ستطلبُ الطلاق منه. وحين فعَل، قال له الطبيب بأنَّ ما يعاني منه هو اضطراب نفسي من جرَّاء التعذيب الذي تعرَّض له في معسكر الأسر. ونصحَه بأن يأخذ وقتًا ليرتاح. وما هي إلا شهور حتى ولدَتْ زوجته طفلة جميلة أبهجتْ قلبه وأنارت حياته. لكن الكوابيس التي قضَّت عليه مضجَعه لم تتوقّف، وكذلك حين كان يرى طبقَ الأرز أمام عينيه، تعودُ إلى ذاكرته على الفور صورةُ طبق الأرز في المعسكر المليء بالدود. فينتصب قائمًا ويرمي بالطبق إلى الأرض ويخرج.
لم تعدْ سينثيا تحتمل، فطلبت منهُ الانفصال. وفي ذلك الأسبوع بعينه، دعَتْها جارتُها لحضورِ حملة تبشيرية للواعظ القس بيلي غراهام وكان ذلك في العام 1949. لبَّت الدعوة وتركت الطفلة مع لُوي الذي رفض مرافقَتها. وحين عادت كانت ممتلئةً بالأمل بأن تتغيَّر حياة زوجها لُوي. وألحّت بأنْ يحضر معها الاجتماع في الليلة التالية، لكنَّها فوجئت بكلامه الفظّ حين قال: إنَّ الله الذي تصلي إليه هو عدوّي. لقد كنتُ على وشك الموت وأنا في وسط البحر في قاربي المطاطي، حين أصيبتْ طائرتي فنجوتُ وبقيت خمس ليالٍ بين حيٍّ وميت. ولمَّا وجدني اليابانيون أسَروني وعذَّبوني لسنتين كاملتين، وتقولين لي تعال معي لتسمع عن الله؟ أين كان حين تعذَّبت وتقهقرت وغبتُ عن الوعي؟ تركتِ الطفلة عند جارتها وذهبت سينثيا إلى الحملة التبشيرية بقلبٍ منكسر منسحق وكانت تصلي بأن يصنع الله معجزة ما في حياة زوجها الحبيب لُوي. وفي الليلة الثالثة، أصاب العجب سينثيا حين رافقها لُوي نفسه إلى الخيمة حيث عُقد الاجتماع التبشيري وكانت المقاعد مليئة بالناس الذين أتوا من كلِّ حدْبٍ وصوب للاستماع إلى هذا الواعظ الكبير. وبينما هما معًا يستمعان إلى العظة عن محبة الله لبني البشر، إذا بالواعظ يقول: أنت أيها الغارق في بحر الحياة المضطرب، تعال إلى المخلص لأنه وحده يستطيع أن يفكّ أسرك ويحرّرك من كل ما يزعجك ويقلقك ويمنحك سلامًا واطمئنانًا دائمَين. تعال إلى الأمام، وأشار إلى لُوي ببَنانِه، فقام عن كرسيّه وحاول الخروج من الخيمة. لكنَّ الواعظ عاد وقال له لا تخرجْ ربما هذه هي الفرصة الأخيرة لك، تعال إلى الأمام واطلب المخلص ليغيِّر حياتك ويمنحَك حياة جديدة. عندها توقّف عن الهروب وأدار وجهه وسار إلى الأمام وركع على ركبتيه وصلّى صارخًا إلى الله لكي ينقذه ويخلِّصه من كل مخاوفه وهواجسه وآلامه ويأسه ويحرّره منها بالكلية. وهناك أمام المنبر وأمام الجميع حدثت المعجزة التي كانت تصلّي من أجلها سينثيا زوجته. عندها ركضت إليه وحضنتْه ونظرت إلى وجهه فرأتِ السلام يملأ عينيه والأملَ يفيض منهما. ولشدة فرحها فاضت مآقيها بالدموع وهي تقول: "شكرًا لك يا رب! أعدْتَ إليَّ زوجي لُوي."
كانت تلك الليلة نقطةَ تحوّل في حياة لُوي زامبيريني. تعهَّد بعدها وزوجتُه سينثيا بأن يعملا معًا في هذه الحملات التبشيرية للواعظ بيلي غراهام، ومساعدة الجنود العائدين من الحروب، لكي يتخلّصوا من الاضطرابات والعذابات التي كانوا يتعرّضون لها في المعارك. وكرّس حياته للوصول إلى هؤلاء الذين يعانون من اضطراب صدمات الحروب Post Traumatic Stress Disorder.
"إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا." عملت كلمة الله في قلب لُوي فغيّرته قلبًا وقالبًا. ولم تكن الحقيبة التي كان يحملها تحت إبطه - هذا الضابطُ البطل في بداية المشهد الأول في الفيلم الذي شاهدته - سوى كتابه المقدس. ولم يكن طَلبُه في أن يرى معذِّبَه "العصفور" إلا لكي يمنحه كتابه المقدس الذي غيّر موقفه بالكلية من بغض الأعداء إلى محبة الأعداء، ومن الانتقام من الأعداء إلى الدعوة إلى المسامحة والغفران. وهناك قدَّم الكتاب للمسؤول عن معسكر الأسرى اليابانيين، وهو يوصيه بأنه في حال إلقاء القبض على "العصفور" حيًّا، عليه أن يمنح هذا الكتاب له خصيصًا ويقول له: بأنَّه من الضابط الأسير لُوي لكي يقرأه. وعاد لُوي لينظرَ بنظرة الحنان والرفق والغفران إلى كلِّ الأسرى في المعسكر، وراح يسلِّم عليهم واحدًا بعد الآخر قائلًا لهم: "أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا من أجل الذين يسيئون إليكم..." فنهض الجميع من أمكنتهم على الأرض وسلّموا عليه وهم متعجبون من موقفه هذا.
نعم كانت هذه هي قصة فيلم لكنَّها حقيقية للبطل لُوي زامپيريني واللاعب في الألولمبيات المشهور. قامت بكتابتها لورا هيلينبراند Helenbrand. شاهدْتُّها فيلمًا مؤثرًا جدًا على شاشات إحدى الصالات هنا في لوس أنجلوس، فوجدتُه جديرًا بالمشاركة. عسانا جميعًا نتعلَّم من هذا الدَّرب، درب الرب يسوع المسيح الذي مشى فيه قبلَنا وعلَّمنا من خلاله بأنَّه دربٌ متواصل لا ينقطع، نحو الفداء ومحبة الأعداء...

المجموعة: شباط (فبراير) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

694 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578084