لقد سنّ المسيح هذه الفريضة وهو في ملء إدراكه لحقيقة عظمة لاهوته.
"وهو عالمٌ... أنه من عند الله خرج، وإلى الله يمضي." (يوحنا 3:13) وكذا وهو في ملء إدراكه لسلطان لاهوته. "وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه."
ومن منطلق عظمة لاهوته وسلطانه، قدّم لهم خلال سلوكه مبدأً أخلاقيًّا لم يكن العالم يعرفه، كما لم يفهمه التلاميذ الذين كانوا دائمي الشجار بحثًا عمّن هو أعظم فيما بينهم، لأن "رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ." (مرقس 42:1-43) قدّم لهم مبدأ جديدًا: فالسيادة هي في الخدمة والعظمة في الاتضاع. "من أراد أن يصير فيكم عظيمًا، يكون لكم خادمًا، ومن أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبدًا." (مرقس 43:10-44)
والعجيب أن المسيح لم يقدم لهم هذا المبدأ من خلال عظة كلامية بل من خلال سلوك عملي، قدّم لهم فيه ذاته كمثل يُحتذى للوداعة والخدمة "لأني أعطيتكم مثالاً، حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا." (يوحنا 15:13) "لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدِمْ وليبذل نفسه فدية عن كثيرين." (مرقس 45:10) فهو الوحيد الذي علّم بما عمل (أعمال 1:1). فعلينا إذًا أن نعمل بما علّمنا لننال الطوبى. "إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه." (يوحنا 17:13) فالمسيح لم يقصد بهذا أن نمارس هذه الفريضة، فنكون قد أُخذنا بالمظهر دون الجوهر وبالصورة دون الفعل، وبالقشور دون اللبّ، بل أن تكون الوداعة لنا أسلوب حياة!