يحاول الشيطان بشتى الوسائل أن يحوِّل أنظار القديسين إلى شخص آخر غير الرب يسوع المسيح،
وهو يعلم تمام العلم أنه إذا تحوّل القلب عن الرب المبارك فإن الغرق في لجج الشك والهزيمة الروحية يكون مصيرنا. ولذا يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله. فتفكّروا في الذي احتمل مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلّوا وتخوروا في نفوسكم." (عبرانيين 2:12-3)
إن الشخص الوحيد الذي يجب أن ننظر إليه، ونتفكّر فيه، ونتأمّل في آلامه هو "الرب يسوع المسيح" الذي أرجو أن نتأمّل فيه في كلمتين:
الكلمة الأولى:
الشخص الوحيد في مميزاته
1- إنه الشخص الوحيد
الموجود في كل مكان
لقد قال لتلاميذه وهو الصادق الأمين: "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم." (متى 20:18) ووعدهم قبل أن يترك هذا العالم بالجسد: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر." (متى 19:28-20)
هذه الكلمات تؤكد لاهوت ربنا يسوع، فينتصب فريدًا مرتفعًا عن البشر أجمعين، فليس في قدرة أحد قط أن يكون موجودًا في كل مكان في نفس الوقت، أما هو فإنه يستطيع بلاهوته أن يوجد في كل مكان. إنه الرفيق الوحيد لرحلة الحياة وهو الذي قال عنه داود: "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء... أيضًا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًّا، لأنه أنت معي."
2- إنه الشخص الوحيد
القادر على كل شيء
في سفر رؤيا يوحنا نقرأ هذه الكلمات: "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين، والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض. نعم آمين. [أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية] يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء." (رؤيا 7:1-8) وقدرة الرب يسوع المسيح على كل شيء وَضُحت في حياته، فقد انتزع من القبر فرائسه، إذ أقام لعازر من الأموات، وأسكت البحر الهائج بقوة كلمته، وأطعم الجماهير الجائعة بخمسة خبزات وسمكتين، وفتح عينَي المولود أعمى، ومشى على الماء، وأخيرًا قام بنفسه ناقضًا أوجاع الموت.
ولذا، فإننا حين ننظر إليه للمعونة فهو قادر أن يعيننا، فالقديسون احتاجوا إلى معونته، أما هو فلم يعنْه أحد. في ساعة القبض عليه "تركه الجميع وهربوا." (مرقس 50:14) أما هو فإنه يقف إلى جوار مفديّيه في أحرج لحظات حياتهم "لأنه في ما هو قد تألّم مجرّبًا يقدر أن يعين المجربين." (عبرانيين 18:2)
تعال معي لنسمع بولس الرسول وهو يقصّ اختباره: "في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي، بل الجميع تركوني. لا يُحسب عليهم. ولكن الرب وقف معي وقوّاني، لكي تتمّ بي الكرازة، ويسمع جميع الأمم، فأُنقذت من فم الأسد. وسينقذني الرب من كل عملٍ رديء ويخلصني لملكوته السماوي." (2تيموثاوس 16:4-18)
3- إنه الشخص الوحيد
الممتلئ قلبه بالحنان
نقرأ عنه الكلمات: "ولما رأى الجموع تحنّن عليهم إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها." (متى 37:9) ففي وسط الانزعاج والاضطراب، لا يمكن أن يتحنّن علينا سواه.
لقد نادى الجماهير المتعبة بصوته العذب قائلًا: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم." (متى 28:11)
كل شخص آخر قد يضجر منا، ويتأفّف من أتعابنا، أما هو فإنه الشخص الوحيد الذي "يتحنّن" علينا. مبارك اسمه إلى الأبد!
الكلمة الثانية
الشخص الوحيد في تأثيراته
ما هي تأثيرات النظر إلى شخص ربنا يسوع المسيح؟
1- إن النظر إليه وحده يخلّص
استمع إلى صوته الحلو: "التفتوا إليّ واخْلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر." (إشعياء 22:45) واصغِ إلى كلمات بطرس الرسول عنه: "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص." (أعمال 12:4)
لقد ظلّ تشارلس هادون سبرجن حائرًا مضطربًا يبحث عن طريق الخلاص حتى سمع ذلك الأخ الخشن المظهر ينادي من فوق المنبر: "أيها الشاب المضطرب، التفتْ إلى الرب يسوع واخلصْ." ونظر إلى الرب ونال الخلاص.
واللصّ على الصليب نظر إلى الرب يسوع وناداه: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك." فقال له يسوع: "الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس." (لوقا 42:23-43)
أيها الخاطئ العارف بموقفك أمام الله، انظر إلى يسوع واخْلص.
2- إن النظر إليه وحده ينير
"نظروا إليه واستناروا." (مزمور 5:34)
أجل، حين ننظر إلى الرب يسوع وحده، تستنير عقولنا، وتتفتّح مكنوناتها، ونكون أكثر فهمًا لحقائق كلمة الله، وأكثر إدراكًا لواقع الحياة.
3- إن النظر إليه وحده يغيّرنا من مجد إلى مجد
"ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغيّر إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح." (2كورنثوس 18:3)
عندما صعد موسى إلى الجبل ونظر مجد الرب بوجه مكشوف تغيّر، وهذه هي الكلمات التي نقرأها عنه: "وكان لما نزل موسى من جبل سيناء ولوحا الشهادة في يد موسى، عند نزوله من الجبل، أن موسى لم يعلم أن جلد وجهه يلمع... فخافوا أن يقتربوا إليه."
فإذا أردنا أن نتغيّر من حياتنا الإنسانية الطبيعية إلى الحياة الروحية العالية فعلينا أن ننظر دوامًا إلى ربنا يسوع المسيح.
هل أتاكم خبر السائح الأميركي الذي باعه أحد الفرنسيين صندوقًا وقال له إن هذا الصندوق ينير في الظلام... فلما عاد إلى بيته أطفأ الأنوار ووضع الصندوق لكنه لم ينِرْ، وعندئذ أخذت زوجته الصندوق وكانت تعرف اللغة الفرنسية فقرأت عليه الكلمات: "ضعني في الشمس طول النهار أضيء لك في ظلام الليل." ولم تُخبر زوجها، لكنها وضعت الصندوق في الشمس، وفي الليل امتلأت الغرفة المظلمة بالنور.
علينا أن نعيش في نور ربنا المبارك لنستطيع أن نضيء. فالذي قال: "أنا هو نور العالم" عاد قائلاً: "أنتم نور العالم."
4- إن النظر إليه وحده يعطينا أن نحيا حياة الانتصار
"لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله."
أجل، حين نريد أن ننتصر على الخطية المحيطة بنا بسهولة فعلينا أن ننظر إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع، وأن نتفكّر في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا نكلّ ونخور في نفوسنا. أراد بطرس أن يضع إيليا وموسى مع المسيح "فجعل بطرس يقول ليسوع: [يا سيّدي، جيّد أن نكون ههنا. فلنصنع ثلاث مظالّ: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليا واحدة.]" (مرقس 5:9) ولكن الآب رفض هذا "وكانت سحابة تظلّلهم. فجاء صوت من السحابة قائلًا: [هذا هو ابني الحبيب. له اسمعوا.] فنظروا حولهم بغتة ولم يروا أحدًا غير يسوع وحده معهم." فليت صلاة قلوبنا تكون على الدوام:
يا رب حوّل نظري عن كل منظر هنا
فكل منظر سواك فيه المرار والعنا