الحضارة المصطنعة المتكلّفة التي نعيش في ظلِّها اليوم قد أثّرت بشدَّة على عنصر جوهري جدًا في صلواتنا، أعني به الأمانة والبساطة في التعبير عما نشعر به.
فعندما نخاطب الله في الصلاة تجدنا نقول له ما نعتقد أننا ينبغي أن نقوله وليس ما نشعر به فعلًا. إننا نصلي بما نعتقد أنه صواب وليس بما هو حقيقي في حياتنا، ولذلك فمعظم صلواتنا تكون أبعد ما يكون عن واقعنا الحقيقي، وهذه هي عدم الأمانة بعينها.
تكلم بصراحة!
يريدنا الله أن نتكلم معه بصراحة كاملة. إنه يسمح لنا أن نقول له كل ما نشعر به في دواخلنا حتى لو كان ما نشعر به يبدو سيّئًا وغير معقول. لقد قال المرنم قديمًا:
"أقول لله صخرتي: [لماذا نسيتني؟]" (مزمور 9:42)
هذا السؤال يبدو – كتابيًا - غير منطقي وغير مقبول، ولكنه موجود في داخل مشاعر المرنم. ولو كان قد قال: "يا رب، أنت لا يمكن أن تنسى أي شيء، وبالتالي أنت لم تنسني. لقد نقشت اسمي على كفيك... إلخ!" لكانت كلماته هذه أكثر قبولاً وصحة ولكنها ستكون بعيدة تمامًا عما يشعر به فعلاً! ولقد فضّل أن يقول كلمات غير مقبولة ولكنها أمينة عن أن يقول كلمات تحظى بقبول السامعين ولكنها غير أمينة!
فشل إرميا في إحدى المرات في فهم معاملات الله بصورة صحيحة فصاح في شبه غضب: "آهِ، يا سيد الرب، حقًا إنك خداعًا خادعت هذا الشعب وأورشليم، قائلاً: يكون لكم سلام وقد بلغ السيف النفسَ." (إرميا 10:4) يا لها من كلمات جارحة تُقال لذاك الذي هو الحق والصدق الكامل! لكن النبي كان يتكلم بما يشعر به، والرب لم يسامحه فقط بل أعطاه فهمًا أعمق لمعاملاته!
نحن نحتاج إلى الصراحة في الصلاة حتى ولو وصل الأمر لأن نقول كلمات جافة غير منمّقة. فعندما تجد نفسك نافرًا من الصلاة، تقدَّم إلى الله وقلْ له هذا بكل صراحة... لو فشلت في فهم معاملاته معك وأصابك الألم والحزن فعبِّر عن هذه المشاعر بكل وضوح وبدون كلمات رقيقة متكلّفة... قد ينزعج بعض الإخوة المحافظين من كلماتك لكن هذا لا يعني أي شيء! إن الله يحب النفس الصريحة حتى لو أخطأتَ بسبب الجهل وأفرطتَ بكلمات جافة، فالرب عنده علاج للجهل ولكن ليس عنده علاج لعدم الأمانة!
حضارة التصنّع
الحضارة التي نعيشها اليوم تعتمد على فنّ التصنّع وإظهار عكس ما في دواخلنا. والإنسان المتحضّر هو الذي يستطيع أن يخفي مواقفه الحقيقية ويتعامل بابتسامة صفراء وكلمات معسولة. لقد أصبح التصنُّع داءً يسري في دمائنا ويسيطر على أفكارنا ويتحكّم في علاقاتنا أكثر مما نتصوّر. لقد ظهرت في الآونة الأخيرة عدة كتب تتحدث عن فن العلاقات الاجتماعية وكيفية التعامل مع الآخرين في العمل والمنزل، ولقد دهشت عندما وجدت أن فحوى هذه الكتب هو الخداع، والأسلوب الذي تنتهجه هو كيفية استخدام المداهنة والرياء للوصول إلى الغايات المنشودة! وهذه الكتب تلقى رواجًا هائلاً في الأسواق وتُباع منها ملايين النسخ، وهذا دليل على أنها تقول ما يريد الناس أن يسمعوه!
الرغبة في أن تولِّد لنفسك انطباعًا حسنًا لدى الآخرين أصبح هو المحرّك الأول لكل تصرفات الإنسان. إن الإنسان يتصرّف ويتكلم ويظهر بالمظهر الذي يلقى القبول والاستحسان من الآخرين، حتى لو كان هذا المظهر يخالف تمامًا ما يدور في داخل الإنسان! لا مانع أن يجول بداخلك الغضب والحقد والحسد طالما ستظلّ محتفظًا بابتسامتك وبكلماتك الرقيقة المعسولة! لقد أصبح الإنسان يخفي حقيقته القبيحة تحت مظهر برّاق، مثل بقعة الزيت اللامعة التي تطفو على بركة آسنة مملوءة حمأة وطينًا! وأصبح الوقت الوحيد الذي يُعبّر فيه بعض الناس عن مكنونات نفوسهم الحقيقية هو عندما يُصابون بالجنون! إن اللطف المسيحي النقي لم يعد موجودًا، وحلّ مكانه لطف مصطنع أجوف، "أتيكيت" مفتعل فارغ من أي مضمون.
وإذا كان التصنّع قد تحكَّم في كل ما يقوله الإنسان ويفعله فلا غرابة أنه قد صار يتحكّم في صلواتنا أيضًا، حتى أصبحنا نخاطب الله بكلمات رقيقة ولكنها مزيّفة لا تعكس حقيقة واقعنا الذي نعيشه.
ارجعوا كالأطفال
ما زال الرب يضع أمامنا الطفل الصغير البريء كالنموذج الأمثل لوراثة الملكوت، فالطفل صريح بطبعه لا يعرف أن يصطنع شيئًا. إنه إذا تألم بكى وإذا فرح ابتسم... إنه لا يعرف قط أن يتصنّع البكاء وهو سعيد، ولا أن يضحك وهو متألم، فهلّا رجعنا كالأطفال في بساطةِ وصراحةِ تعبيرهم عن أنفسهم؟!
الكتاب المقدس - الآن بـ 18 $
بعهديه القديم والجديد، ترجمة فاندايك. الحرف مكبّر 25٪ لتسهيل قراءته، بتجليد مقوّى وفاخر.
الحجم: (8,50) (6) بوصة. ثمن الكرتونة سعة 10 كتب 150 دولار.